رمضان غزة... ليالٍ مظلمة في بيوت مهدمة وخيام

01 مارس 2025
مسحراتي وزينة في خانيونس. 1 مارس 2025 (هاني الشاعر/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعمل الفلسطينيون في غزة على تهيئة الأجواء لشهر رمضان رغم التحديات، حيث يسعون لإصلاح المنازل وإنشاء مصليات مؤقتة بسبب تدمير المساجد، مع التركيز على إصلاح البنية التحتية الأساسية وسط نقص المياه والطعام.

- يعيش العديد من النازحين في خيام ومراكز إيواء، حيث يفتقدون الاستقرار والدفء، ويواجهون صعوبات في تأمين مستلزمات رمضان بسبب ارتفاع الأسعار.

- رغم الصعوبات، يحاول الأهالي الحفاظ على روح رمضان بشراء الزينة والفوانيس، ويسعى الأئمة لتعزيز الروح الدينية من خلال المصليات المؤقتة والجولات الدينية.

يحاول الفلسطينيون في قطاع غزة تهيئة الأجواء لاستقبال شهر رمضان. لكن غصة فقدان الأحبة تجعل البعض عاجزاً عن الفرح أو تزيين الخيام.

استعداداً وشوقاً لشهر رمضان، عمل الفلسطينيون في قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية على إزالة الركام والردم ومحاولة إصلاح أجزاء مما تبقى من بيوتهم للسكن فيها. وفي ظل تدمير مئات المساجد في القطاع، يسعى المعنيون إلى إنشاء مصليات صغيرة على مقربة من المساجد المدمرة، مستخدمين الشوادر، أو تخصيص أماكن في المدارس ومخيمات الإيواء لإقامة صلوات الجماعة وصلاة التراويح.
وفي وقت كان فيه الأهالي ينشغلون سابقاً بترتيب وتنظيف البيوت وتعليق الزينة والفوانيس، باتوا مشغولين اليوم بتصليح خزانات وشبكات المياه وإزالة الركام والكثير غيرها. وتفرض تداعيات الحرب نفسها على محاولة الأهالي استقبال رمضان بابتهاج؛ فهناك من يستقبله بلا عائلة أو بخسارة أفراد منها، عدا عن حياة التشرد في الخيام ومراكز الإيواء. وتزداد المعاناة في ظلّ شح المياه وصعوبة توفيرها، بالإضافة إلى مشقة تأمين الطعام والمستلزمات الضرورية اليومية.

تغيّرت معالم الكثير من الشوارع بعد تدمير البنية التحتية. وتحاول طواقم البلدية إزالة القمامة وتنظيف المفترقات من الوحل الناجم عن اختلاط مياه الأمطار والصرف الصحي بالرمال، ما يعيق حركة السيارات والمارة. وتقول علا موسى لـ "العربي الجديد": "كل شيء انطفأ في داخلنا. لا نصدق أننا عدنا إلى منازلنا بعد رحلة نزوح طويلة. ورغم أنني وجدت منزلي وبعض الزينة القديمة، إلا أنني لم أستطع الفرح وتزيين المنزل"، مشيرة إلى أن منزل أهلها والكثير من منازل أقاربها قد دمرت. وتسأل: "كيف لي أن أفرح؟". تضيف: "تفتقد الكثير من العائلات التي دمرت بيوتها الشعور بالدفء في ظل المنخفضات الجوية. خلال السنوات الماضية، اعتدت الاستعداد لهذا الشهر وتأمين احتياجاته من الأسواق، لكن الوضع مختلف اليوم. ورغم كل التحديات، ننتظر هذا الشهر بفارغ الصبر، فهو شهر التقرب إلى الله، لكن من دون زينة". 

يغلب الحزن على غزة خلال استقبال رمضان بسبب فقدان الأحبة

قبل العدوان الإسرائيلي على القطاع، كانت أسواق وشوارع وحارات غزة تتزيّن بالحبال المضاءة والفوانيس، ويحرص الأهالي على تنظيف البيوت والشوارع والمساجد، أمّا بعد الحرب التي دمرت مئات المساجد، بالكاد يجد الأهالي مصليات مبنية من الشوادر للصلاة وسط أجواء باردة، واختفت حبال الزينة التي لن تجد مَن يضيئها لو توفرت، في ظل أزمة الكهرباء.

يستقبل النازحون وأصحاب البيوت المهدمة شهر رمضان في الخيام ومراكز الإيواء، في ظل واقع معيشي صعب. لم يعتادوا على استقبال الشهر الفضيل في ظل هذه المأساة. وبطبيعة الحال، اختفت بعض الطقوس التي كانت تصاحب هذا الشهر، منها تنظيف البيوت وتزيينها، وشراء المستلزمات والأغراض الضرورية. وجد الغزيون أنفسهم في خضم واقع صعب فرضته ظروف الحرب وتداعياتها.

لا غنى عن زينة رمضان رغم الوجع، 25 فبراير 2025 (عمر القطاع/فرانس برس)
لا غنى عن زينة رمضان رغم الوجع، 25 فبراير 2025 (عمر القطاع/فرانس برس)

داخل ملعب اليرموك وسط مدينة غزة، الذي تحولت ساحته إلى مركز إيواء يضم مئات الخيام، تجلس إسلام نور ووالدتها أمام خيمتهما، وحولهما عشرات الفتيات الصغيرات اللواتي يلعبن "الحجلة"، في وقت كان الصبية يلعبون بـ"كرات زجاجية صغيرة". تفصل نور عن شقتها في الطابق السابع التي تعرضت للقصف أمتار قليلة. تقول لـ "العربي الجديد": "خلال العدوان، كنت نازحة في خيمة إيواء على شاطئ بحر المواصي غرب مدينة خانيونس، وها أنا أعود للعيش في خيمة أيضاً. يومياً، أنظر إلى بيتي الذي اشتريته قبل الحرب بشهر بحسرة كبيرة. كنت أتمنى استقبال رمضان فيه. فهناك فرق بين الحياة في البيت والخيمة. أفتقد الاستقرار والأمان والطمأنينة والدفء والمسكن الواسع. في الوقت الحالي، نعيش سبعة أفراد في خيمة صغيرة. انتقلنا من خيمة إلى أخرى لنستكمل رحلة النزوح، إذ لم يتغير إلا المكان".

تضيف: "يصعب استقبال رمضان في الخيام؛ فالليل بارد، وسيكون إعداد طعام السحور صعباً علينا، خصوصاً في ظل عدم توفر الغاز بكميات مناسبة". وتوضح أن "إشعال النار لغلي الشاي هو أمر صعب ويستغرق وقتاً كبيراً، فضلاً عن قلة توفر المياه والطعام. لكن نقول الحمد لله، وهذا فرض ديني سنؤديه. ورمضان هو شهر الطاعة والخيرات والدعوات، وسنتضرع إلى الله لإزاحة هذا الحزن عن غزة". وإن كانت نور مستقرة في خيمتها، فإن منال شعبان عودة، التي دمر منزلها، تعيش التشرد والانتقال من مكان إلى آخر، وتفتقد شقيقها الشهيد محمد عودة وزوجته وأولاده الثمانية الذين استشهدوا في مجزرة دموية مسحت العائلة من السجل المدني.

تقول عودة لـ "العربي الجديد": "كنت أعيش مع أخي في منزله بعد قصف منزلي، لكن الاحتلال استهدف البيت واستشهد جميع أفراده. فكيف أستقبل رمضان بهذا الوجع وحرقة القلب؟". بالإضافة إلى مشاعر الحزن جراء فقدانها شقيقها، تعيش معاناة أخرى. تقول وهي تقف أمام بسطة لبيع آواني طعام: "بيتنا مهدم وكل أغراضه تحت الركام. جئت أبحث عن أوانٍ لاستخدامها خلال رمضان لكن الأسعار مرتفعة جداً. كما أن مياه الأمطار تغمر الخيمة التي أعيش فيها. وهذا سيكون حالنا في رمضان".

أول صلاة تراويح في غزة. 28 فبراير 2025 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
أول صلاة تراويح في غزة. 28 فبراير 2025 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

بدوره، يأمل الشاب علاء جندية أن تتغير الأحوال خلال الفترة المقبلة، ويعم الخير والهدوء في القطاع. ويقول لـ "العربي الجديد": "كنا نستقبل رمضان بكل سرور وراحة بال، لكن تدمرت بيوتنا في حي الشجاعية شرق المدينة، ونعيش الآن في خيمة داخل مركز إيواء". يقف قرب بسطة لبيع المسليات في شارع عمر المختار بمدينة غزة، ويقول: "دمرت بيوتنا لكننا نريد الاستمرار في الحياة. أعمل لتوفير دخل لعائلتي، وقد زينت البسطة ابتهاجاً بحلول الشهر الفضيل".

لم تمنع الأحوال الصعبة بعض الأهالي من إبداء فرحتهم بقدوم الشهر الفضيل، وشراء بعض الزينة والفوانيس. في سوق شارع عمر المختار المركزي، اشترت الطفلة ديما مسعود (8 سنوات) فانوساً صغيراً من بسطة في المكان وحملته إلى بيتها. وعلى مقربة منها، أمسكت طفلتان بمجموعة الفوانيس من دون أن تتمكنا من شراء أي منها، في مشهد يعكس قسوة الحياة في غزة بعد العدوان الأخير.

على بسطته، يعرض محمد ناهض اللطيف أنواعاً عدة من الفوانيس المضيئة، بعضها مخصص للأطفال وأخرى لتزيين البيوت. وبات الغزيون يستخدمون الفوانيس للإنارة ليلاً أو أثناء التوجه إلى المصليات والمساجد، في ظل انقطاع الكهرباء. يقول: "نحاول عيش الأجواء التي حرمنا منها العام الماضي خلال الحرب، لكن الأسواق حزينة والناس أيضاً. في كل بيت شهيد أو جريح. ومن لم يفقد أحباءه، خسر بيته. عرضت الفوانيس لتذكير الناس بالأجواء الجميلة والسعي إلى إخراجهم من أجواء الحزن". 

بدورها، تحاول نور عليوة استقبال الشهر الفضيل بإيجابية، وتقول لـ "العربي الجديد": "نحمد الله على كل الذي عشناه خلال الحرب. ربما اعتدت الفقدان، فقد استشهد زوجي قبل عشر سنوات. لكننا نريد إحياء شهر رمضان والإقبال على الطاعة والعبادة". 

الإيجابية التي تتحلى بها عليوة، يعيشها محمد أحمد، وهو إمام مسجد يقطن في منطقة دمر فيها الاحتلال أربعة مساجد بشكل كامل، ما يفرض تحدياً لإنشاء مصليات مؤقتة. يقول لـ "العربي الجديد": "يحاول المعنيون تدارك أزمة تدمير المساجد من خلال إنشاء مصليات من الشوادر لإقامة الصلوات. ويحرص دعاةٌ على تنظيم جولات دينية على مراكز الإيواء، وكتابة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، للتأكيد على أهمية الصوم وصلاة الجماعة وقراءة القرآن خلال رمضان".

ومع هدم المسجد حيث كان يؤُمه، يعيش شهر رمضان بشكل مختلف. يقول: "أصبحنا مشتتين. لا يمكن الجلوس داخل المصليات لقراءة القرآن في ظل البرد الشديد. في الوقت الحالي، أصلي في مصليات أقيمت حديثاً بعدما كنت إمام مسجد".

المساهمون