رمضان تركيا... تمسّك بعادات من إرث العثمانيين

08 مارس 2025
العادات التركية الرمضانية خارج المنزل عثمانية، 1 مارس 2025 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الطقوس الرمضانية في تركيا تجمع بين العادات العثمانية والتطورات الحديثة، حيث تستمر الفعاليات الثقافية مثل الموسيقى الصوفية ورقصة المولوية، مع تزيين الجوامع بـ"المحيا" وتنظيم المعارض الفنية، مع التركيز على الضيافة وتقديم الطعام للزوار والفقراء.

- رغم التمسك ببعض العادات العثمانية، تراجعت بعض العادات مثل تبادل الطعام، بينما تستمر عادات مثل الإفطار الجماعي والمسحراتي، مع تزيين المنازل بأشرطة مضاءة وفوانيس في بعض المناطق.

- المأكولات والحلويات التركية، مثل خبز "البيدا" والبقلاوة، تظل جزءاً أساسياً من رمضان، مما يعكس استمرار التراث العثماني في المأكولات خلال الشهر الفضيل.

ليس شهر رمضان في تركيا، أو سلطان الشهور كما يسمونه، امتناعاً عن الطعام والشراب فقط، بل حالة روحية واجتماعية متوارثة، نالت من بعض عاداتها تطورات وتعقيدات الحياة، وبقيت أخرى عصيّة على الاندثار. وتؤكد مشاهد الطقوس العثمانية في تركيا الحرص المجتمعي والدعم الحكومي الذي ترسخّ بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة قبل 23 عاماً، ومن مظاهره التمسّك بخصوصية "الخلافة الإسلامية"، والتفرّد بعادات اندثرت حتى في دول إسلامية أخرى.
وتظهر هذه الخصوصية في استمرار الفعّاليات الثقافية من الموسيقى الصوفية ورقصة المولوية، وتزيين الجوامع بـ"المحيا"، وفتح دورات لختم القرآن والاعتكاف، إلى جانب تنظيم المعارض الفنية تكرّس البعد الروحي لرمضان. كما يعكس الاهتمام الكبير بالضيافة وتقديم الطعام للزوار والفقراء، وهي قيم يفتخر بها الأتراك.
تروي عائشة غل (65 سنة) التي تسكن في حي الفاتح المحافظ بإسطنبول، لـ"العربي الجديد"، أن "العادات تبدلت حتى ضمن أحياء الولاية نفسها، وباتت الطقوس الرمضانية القديمة أمام جامع السلطان أحمد وآيا صوفيا، من توزيع الطعام والحلوى والصلاة وموائد الرحمن، لا تظهر في الأحياء الحديثة، لذا من يريد أن يعيش روحانيات رمضان يجب أن يذهب إلى جامع الفاتح وسلطان أيوب ومنطقة السلطان أحمد، لأنها غائبة في أحياء بيلك دوزو وكادي كوي وغيرها، وتراجعت كثيراً حالات احترام الصائمين، ولم تعد تطبق عقوبة الطعام والتدخين العلني في الشوارع".
وربما يصعب حتى على حكومة العدالة والتنمية الإسلامية أن تستعيد تطبيق وثيقة السلطان أيام الدولة العثمانية، والتي كان يصدرها قبل 15 يوماً من حلول شهر الصوم، وتتضمن منع تناول الطعام والشراب في الشوارع وحبس من يفعل، لأنها ببساطة تخالف الدستور حالياً.

تتمسك تركيا بخصوصية "الخلافة الإسلامية" في شهر رمضان

ولا تزال طقوس شهر رمضان تحظى بـ"حياء وتقدير"، ولا مجاهرة في تناول الإفطار في الشوارع علماً أن المطاعم تضع ستائر لحجب رؤية من في داخلها خلال ساعات الصيام. كما لم تزل عائلات في القرى خصوصاً تحافظ على طقوس العثمانيين عبر تعطير البيت بالبخور وتزيينها، ورشّ ماء الورد على عتبات المنازل طوال أيام رمضان، وحتى تكليف الجدات بإعداد أول سحور.
وتقول الموظفة في قطاع التعليم العالي، كيفسر سيركجي (34 سنة) لـ"العربي الجديد": "تراجعت غالبية العادات العثمانية أو اندثرت، ونسمع بها من آبائنا وأجدادنا حتى على مستوى تبادل الطعام أو تبخير البيت بالبخور أو شطب دفاتر الذمم الخاصة بديون الفقراء لدى الباعة، أو حتى الطقوس الأسرية داخل المنازل من زينة رمضان أو عادات الطعام والحلوى.
وتشير إلى دفء وحميمية بعض العادات التي توارثها الأتراك عن العثمانيين، ولم تزل تمارس حتى اليوم، مثل ما يسمى "حق الملح" الذي يكافئ المرأة ويعترف بجميلها خلال رمضان وقيمة تعب في الطبخ وإعداد الموائد وتنظيم أمور المنزل خلال أيام الشهر. وتختصر هذه العادة في استقبال المرأة زوجها عند عودته من صلاة العيد، وهي في أحسن زينتها بعد أن تكون قد نظفت البيت ورتبته، وفي يدها طبق حلويات وفنجان قهوة. ويشرب الزوج قهوته، لكنه لا يعيد لها الفنجان فارغاً، بل فيه قطعة حلي من ذهب.

يقدّر الأتراك عادات رمضان المتوارثة، 10 إبريل 2024 (ياسين أغكول/ فرانس برس)
يقدّر الأتراك عادات رمضان المتوارثة، 10 إبريل 2024 (ياسين أغكول/فرانس برس)

وتبقى العادات التركية الرمضانية، خارج المنزل، عثمانية حتى اليوم، مثل الإفطار الجماعي، سواء الذي تنظمه البلديات أو رجال أعمال، أو حتى ذلك الذي يقيمه بعض سكان المنطقة، سواء في الساحات العامة أو المساجد بهدف خلق أجواء من المودة والتآلف. لكن هذه العادة تراجعت، كما يقول إيمري باشاران لـ"العربي الجديد"، وبقي منها القليل من خلال تنظيم بلديات موائد الرحمن.
ويقول باشاران (45 سنة) المتحدر من ولاية قونيا، ويعمل في قطاع النقل: "تستمر بعض العادات، منها المسحراتي رغم أن وسائل الاستيقاظ تطوّرت عبر منبهات الأجهزة الخليوية مثلاً، لكن طقس المسحراتي يبقى في جميع ولايات تركيا، وهو يضرب على الطبل وينشد أغاني دينية، كما أن تزيين المنازل بأشرطة مضاءة وفوانيس وزخارف رمضانية لا يزال مستمراً في بعض الولايات والريف، في حين تراجع في المدن الكبرى".
ويلفت إلى أنه "مهما تراجعت العادات يبقى رمضان في تركيا شهر الخير والتسامح، وقد تبدلت طرق العمل الخيري، وباتت جمعيات توزع المساعدات والطعام أو حتى تبييض دفاتر بعض الصيدليات ومحلات البقالة".
ويلخص باشاران الذي يصف نفسه بأنه "مطلّع على العادات الرمضانية القديمة"، الطقوس العثمانية التي تراجعت بأنها "تبدأ في تعيين شهر رمضان وتفريغ عمال يراقبون من أماكن مرتفعة من أجل رؤية الهلال، وبناء على ما ينقلونه يعلن القاضي بداية شهر الصوم. ومن العادات العثمانية التي زالت ما يسمى أجرة الأسنان، وهي إعطاء مدعوين من الأغنياء أكياساً مخملية فيها مسابح كهرمان وخواتم فضة، وأخرى للفقراء تتضمن نقوداً.

وهذه الأعطية تسمى أجرة أسنان المدعوين الذين لبوا الدعوة وأكسبوا صاحبها الثواب". يتابع: "حرق دفتر الديون أو تمزيق صفحات منه من دون كشف اسم فاعل الخير تراجعت كثيراً، كما غابت ما كانت تسمى دروس الطمأنينة والسلام التي تفسّر آيات من القرآن الكريم وتنظم حوارات دينية، كما تراجعت عادة خروج الجرة، وهي إرسال الطلاب خلال رمضان لتعليم الناس أمور دينهم أو للأذان، مقابل الحصول على أموال، وأيضاً دفتر النرخ الذي يحدد أسعار الخبز والمواد الأساسية بدفتر خاص وإرسالها إلى أصحاب المحلات والبقاليات الذين يلتزمون بها، ولا يرفعون الأسعار خلال الشهر الفضيل".
وتبقى المأكولات التركية مستمرة منذ الإمبراطورية العثمانية، وفي مقدمها خبز رمضان "البيدا"، وحساء العدس بالجزر والبطاطا، أو شوربة الطماطم، و"المانتي" الذي يشبه طبق شيش برك في المنطقة العربية، وطبق رئيسي من لحوم كفتة داوود أو الكباب أو "إسكندر باشا".
وللحلويات التركية حصة يومية في موائد رمضان، مثل المهلبية بالقطايف والكلاج بالقشطة والبسبوسة بالقشطة، لكن في مقدمة حلويات رمضان البقلاوة والكنافة التي يقدمها الأتراك إلى جانب الشاي التي لا تغيب كأسه عن يد الأتراك طوال ليالي رمضان.

المساهمون