رمضان المغرب... هكذا تختلف التحضيرات بين المدن والقرى

08 مارس 2025
أمام بائع الحلويات الرمضانية في الرباط، 1 مارس 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تغيرت الاستعدادات الرمضانية في المغرب من تحضيرات بسيطة إلى هوس بالتسوق والتباهي بالمأكولات، مما يعكس تحول الشهر إلى مناسبة استهلاكية، رغم استمرار بعض العادات القديمة مثل تنظيف المنازل وتبادل الأطباق.

- يشهد رمضان نشاطاً مكثفاً للمبادرات الاجتماعية والخيرية، مثل جمعية "متطوعي الأمل" التي تطلق "نداء الخير والعطاء" لإفطار 1850 صائماً يومياً، مما يعكس روح التضامن والتكافل.

- التحولات الاجتماعية والثقافية في رمضان تشمل اندثار بعض العادات التقليدية واستمرار أخرى، مع تعزيز الروابط الاجتماعية رغم تراجع الزيارات العائلية لصالح وسائل التواصل الاجتماعي.

تعيش مدن وقرى المغرب مع حلول شهر رمضان، على إيقاع أجواء استثنائية، تحضر فيها التقاليد والعادات المتوارثة في موازاة مظاهر الحياة العصرية. وبينما يظل جوهر شهر الصوم قائماً على التعبد وتعزيز أواصر التضامن والتكافل، تختلف طرق استقباله وإحياء طقوسه داخل المجتمع، فكيف استعد المغاربة لرمضان؟ وما الذي تغيّر بين الأمس واليوم؟
تقول فاطمة (62 سنة) من إحدى قرى دكّالة: "كنا سابقاً نستعد لرمضان بطرق بسيطة جداً، بما يتلاءم مع قدرة كل عائلة، فلا نشتري إلا المستلزمات الضرورية من السوق الأسبوعية، كالزيت والتمر والتوابل. أما اليوم، فقد تغير كل شيء، وأصبح الهوس بتخزين المؤن والتباهي بالمأكولات هو السائد، ورغم أن كل شيء أصبح متوفراً، إلا أنني أشعر أن روح رمضان القديمة كانت أجمل"، وتضيف: "كانت مائدة الإفطار مكوّنة من شوربة الحريرة التي تطهى في الحمّاس (آنية طينية) على مهل حتى تنضج حبات العدس والحمص وباقي المكونات، بالإضافة إلى الرغائف التقليدية التي تُجهّز داخل كل منزل، وتُغمر في العسل أو الزيت، ولا يكتمل المشهد إلا بكؤوس الشاي". أما السحور، فكان بسيطاً، "قوامه الخبز البلدي الذي يُطهى في الأفران الطينية، والزبدة البلدية، والعسل، والزيتون، بينما كان النفّار يتجوّل ليوقظنا للسحور على نغمات بوقه التقليدي، وهي العادة التي تقلصت اليوم كثيراً".
"تغيّرت الاستعدادات لسيدنا رمضان بين الأمس واليوم"، وفقاً لعبد الرحيم (45 سنة)، من سكان مدينة الدار البيضاء، مشيراً إلى "انتشار هوس التسوّق من المراكز التجارية الكبرى، حتى أضحى الشهر مناسبة استهلاكية أكثر منها روحانية، ورغم أن المغاربة يشكون غلاءَ الأسعار، إلا أن الإقبال الذي تعرفه المحلات والأسواق يضعنا أمام مفارقة كبيرة". ويلفت في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذا الهوس ليس هو المطلوب في الاستعداد لشهر القرآن وصلة الرحم والتنافس على فعل الخيرات.

نساء يعملن في محل حلويات مغربية قبل الإفطار، مارس 2025 (فرانس برس)
نساء يعملن في محل حلويات مغربية في الرباط، مارس 2025 (فرانس برس)

أما سعاد، وهي موظفة، (51 سنة) من الرباط، فتوضح قائلة: "أذكر أن أمي كانت تبدأ الاستعداد لرمضان من شهر شعبان، إذ تقتني كل المواد التي تحتاجها تفادياً للازدحام، ثم تبدأ في تحضير أشهر الحلويات، ومن بينها الشباكيّة المكونة من الدقيق والسمسم المحمص وماء الزهر والزبدة، التي تحتاج إلى وقت ومهارة لتشبيكها وغمرها في العسل، ثم سلّو المكوّن من السمسم واللوز والنافع والدقيق المحمر والزبدة والعسل، إذ تجمع كل هذه المكونات على شكل عجين وتزينه بحبات اللوز".
أما الأسبوع الأخير الذي يسبق رمضان، فيخصص لتنظيف المنزل وتعطيره بالبخور، استعداداً لاستقبال الضيوف، بالإضافة إلى اقتناء بعض الأواني والملابس الجديدة فرحاً بشهر الصوم، وفقاً للمتحدثة التي تشير إلى أنها ما زالت تحافظ على هذه العادات رغم ضغط العمل ووتيرة الحياة.
ومن بين العادات الجميلة التي كانت تنتعش خلال رمضان، تبادل الأطباق بين الجيران، كما تفيد السبعينية زهور من فاس، التي تشير إلى أن هذه العادة في طريقها إلى الزوال رغم ما كانت تعكسه من روح المحبة والترابط الاجتماعي.

يكثر الإقبال على التمور في رمضان، مارس 2025 (فرانس برس)
يكثر الإقبال على شراء التمور في رمضان بالمغرب، مارس 2025 (فرانس برس)

ولا يمكن الحديث عن تحضيرات رمضان، دون استحضار المبادرات الاجتماعية الخيرية التي تنشط خلال هذا الشهر، ومن أبرز مظاهرها توزيع المساعدات الغذائية وتنظيم الإفطارات الجماعية، وموائد الأمل وغيرها. وفي السياق أطلقت جمعية "متطوعي الأمل" في الدار البيضاء، "نداء الخير والعطاء" من أجل المساهمة في إفطار الصائمين.

ويقول شوقي لحرش، الكاتب العام للجمعية لـ"العربي الجديد": "نرفع تحدياً إنسانياً جديداً عبر عملية مائدة الأمل في نسختها الثالثة عشرة، بهدف إفطار 1850 صائماً يومياً خلال شهر رمضان، مقسمة بين موائد الإفطار بمعدل ألف شخص، فيما سيتُوزَّع 850 وجبة على عابري السبيل، ودور القرآن، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية"، مشيراً إلى "أن الهدف يتمثل بتخفيف حالة العوز والفقر المجتمعي وإدخال السرور على قلوب المحتاجين، ومنحهم لحظات من الدفء والأمل".

مبادرات خيرية خلال شهر رمضان، 2025 (العربي الجديد)
شوقي لحرش: هدفنا تخفيف حالة العوز والفقر المجتمعي (العربي الجديد)

من جانبه، يرى الأستاذ الباحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، عزيز احلوى، أن شهر رمضان في المغرب يشهد تحولات جوهرية تطاول الفضاءات، والزمن، والعادات الغذائية، وأساليب التسوق، وتدبير الوقت، ما يترك أثراً واضحاً على نمط حياة الأفراد وروتينهم اليومي طوال الشهر الفضيل. ويشير احلوى إلى أن بعض العادات والتقاليد الرمضانية آخذة في الاندثار بفعل التحولات الديمغرافية والاجتماعية والرقمية، من بينها عادة "تخياط النهار"، التي كانت تُمارَس لتدريب الأطفال على الصيام تدريجياً، إذ يصوم الطفل حتى الظهر في اليوم الأول، ثم من الظهر حتى المغرب في اليوم التالي، كذلك تراجعت مظاهر "النفّار"، الذي كان يُعلن دخول رمضان عبر ضرب "النّفير" في المدن والمداشر الكبرى بعد ثبوت رؤية الهلال، ويجوب الأزقة مرتدياً جلبابه التقليدي وطربوشه الأحمر لإيقاظ الناس للسحور، وهي مهمة كانت تُسند حصراً إلى الرجال. ويرى أن عادة تنظيف البيوت قبل حلول رمضان تعكس ارتباط الأسر المغربية بالشهر الكريم، إذ يُنظر إليها طقساً تطهيرياً يرمز إلى استقبال رمضان في أجواء نقية، يترافق مع التخلص من الأواني القديمة وشراء أخرى جديدة، إيماناً بأن ذلك يجلب البركة ويدفع النحس، وفي بعض قرى الجنوب المغربي، كان من المألوف اقتناء ملاعق خشبية تقليدية لاستعمالها في تناول شوربة الحريرة.
إضافة إلى ذلك، اعتاد المغاربة اقتناء ملابس تقليدية جديدة لاستقبال رمضان بفرح واستعداداً لأداء الشعائر الدينية. ويتزين الرجال والنساء والأطفال بالجلباب عند الذهاب إلى المساجد، التي تكتسي بدورها حلة خاصة في هذا الشهر المبارك.

أما في ما يخص العادات الغذائية، فيشير احلوى إلى أن رمضان يتميز بإعداد مأكولات وحلويات خاصة، مثل الشباكيّة، وسلّو، والحريرة، وهي أطباق تُزيّن الموائد المغربية في كل بيت تقريباً. كذلك يعرف هذا الشهر رواجاً تجارياً كبيراً، ويتضاعف استهلاك المواد الغذائية، ما يستدعي تدخل الجهات المختصة، مثل وزارة الداخلية، لضمان وفرة السلع الأساسية في الأسواق.

يحضر ورقة البسطيلة في أحد أسواق الرباط، مارس 2025 (فرانس برس)
أمام محل لبيع ورقة البسطيلة في أحد أسواق الرباط، مارس 2025 (فرانس برس)

وعلى صعيد آخر، تشهد بعض الزوايا الصوفية نشاطاً مكثفاً من خلال مجالس الذّكر، والمديح الصوفي، وملتقيات السماع والإنشاد، إضافة إلى الاحتفالات بليلة 27 رمضان، أو ليلة القدر، وتشمل طقوساً كإقامة الولائم داخل المساجد، ومنها "طقس المعروف"، أي إخراج الكسكس أمام المساجد، وإحياء أول صيام للأطفال بطقوس خاصة. ويؤكد المتحدث أن رمضان، رغم كل هذه التحولات، لا يزال مناسبة لتعزيز الروابط الاجتماعية، حتى وإن شهد تراجعاً ملحوظاً في معدّل الزيارات العائلية، التي باتت كثيراً ما تُعوَّض بوسائل التواصل الاجتماعي.

المساهمون