رمضان المصريين... نار الأسعار تحرق بهجة شهر الصيام

رمضان المصريين... نار الأسعار تحرق بهجة شهر الصيام

09 ابريل 2022
الغلاء ينغّص رمضان المصريين هذا العام (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

مرّت الأيام الأولى من شهر رمضان صعبة على الأسر المصرية بمعظمها، بحسب ما يؤكده كثيرون لـ"العربي الجديد"، فيما غيّب الغلاء الفاحش وتدهور الأحوال المعيشية أصنافاً عديدة من مكوّنات المائدة الرمضانية لهذا العام. وخلت موائد كثيرة من أطباق مميّزة اعتادها المصريون، ولا سيّما في إفطار اليوم الأوّل الذي يحرص أفراد الأسرة على الاجتماع فيه. كذلك يفتقد هؤلاء طقوساً اجتماعية معتادة ومحبّبة في الشهر الكريم.

نورا موظفة في جامعة القاهرة، من بين هؤلاء المصريين الذين لا يخفون امتعاضهم وخيبتهم. وتعبّر لـ"العربي الجديد" عن ألمها إزاء عدم قدرتها على تجهيز "شنط رمضان" للفقراء لهذا العام. هي اعتادت ذلك بانتظام، على الرغم من ضيق ذات اليد، لكنّ اشتداد الأزمة الاقتصادية هذا العام جعلها عاجزة عن تدبير فائض مالي يمكّنها من القيام بهذا الفعل الخيري السنوي. وتبرّر نورا قائلة: "المال الذي في حوزتي يكفي بالكاد لتوفير حاجيات رمضان الأساسية لأسرتي، وقد لا أتمكّن من تدبيرها كلها حتى آخر الشهر"، داعية للمحتاجين الذين ينتظرون مساعدتها المعتادة: "لنا ولهم الله!". تضيف: "ليحتجّوا ضدّ الحكومة التي أوصلتنا إلى هذا الهلاك، فقد نفد المال والصبر".
ولا تخفي نورا أنّها حرمت ابنها هذا العام بهجة تعليق الزينة في المبنى الذي تسكنه، إذ لم تتمكّن من تزويده بالمبلغ اللازم ليساهم مع أصحابه في شراء مستلزمات الزينة، لكنّها دفعته إلى المشاركة تطوّعاً في تعليقها. وفي هذا الإطار، يعبّر الابن عن شعوره بنكهة مختلفة لرمضان هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، قائلاً إنّ "الشوارع حزينة، والناس غير قادرين على الإحساس ببهجة الشهر الكريم".
وسعت الأسر المصرية منذ الأيام التي سبقت بداية الشهر إلى تدبير الحدّ الأدنى من موائد لائقة بأقلّ التكاليف الممكنة، فكانت معارض "أهلاً رمضان" وجهة لكثيرين بهدف الحصول على سلع ومواد غذائية بأسعار تقلّ عن أسعار السوق بنسبة الربع تقريباً. هذا ما يؤكده مواطنون لـ"العربي الجديد"، لافتين إلى أنّ "جودة المعروض تدنّت هذا العام". لكن لا بأس بذلك، فالمهمّ بحسب تعبير عدد من المتسوّقين في معرض "أهلاً رمضان" بشارع فيصل بالجيزة غرباً، "إسكات البطون الجائعة".

يُذكر أنّ تلك المعارض شهدت قبيل انطلاق شهر الصيام ازدحاماً عَكَسَ حجم الأزمة، علماً أنّ ارتفاع الأسعار فيها صدم المستهلكين، على الرغم من اعترافهم بأنّها منخفضة مقارنة بما هي في خارج المعارض.

حسابات وجدال
أمام أحد باعة الخضراوات في المعرض، راحت زبونة تنقّل نظرها وهي تتمتم: "كيلو الطماطم بـ 13 جنيهاً (نحو 0.7 دولار)، كيلو الفلفل بتسعة جنيهات (نحو 0.5 دولار)، كيلو البصل بثلاثة جنيهات ونصف (نحو 0.2 دولار)، مردفة: "إذاً، فإنّ طبق من السلاطة (السلطة) فقط سيكلّف نحو ثلاثين جنيهاً (نحو 1.7 دولار) مع بقيّة المستلزمات، ما يعني أنّ ذلك وحده يلتهم نحو 900 جنيه (نحو 50 دولاراً) شهرياً". يُذكر أنّ متوسّط دخل الأسرة المصرية سنوياً يبلغ 60 ألفاً و599 جنيهاً مصرياً (نحو 3310 دولاراً أميركياً)، وفق آخر تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء.

امرأة مصرية في محل خضراوات في مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)
ارتفاع أسعار الخضار يزيد كلفة سلطات رمضان (خالد دسوقي/ فرانس برس)

ونشب جدال على أثر احتساب كلفة السلطة ما بين بائع الخضراوات والزبونة، إذ إنّ أسعاره قفزت في خلال يومَين بنحو 25 في المائة تقريباً. ثمّ ابتعدت الزبونة وهي تحدّث نفسها، بعد أن اشترت نصف كيلوغرام من كلّ صنف، فيما كانت قد اشترت هياكل الدجاج لتعويض نقص البروتين الحيواني الذي بات فوق طاقة معظم المصريين بعد ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء.
ويشير زبائن مجمّعات تجارية إلى أنّ هياكل الدجاج المجمّدة تُباع في بعضها، علماً أنّه لم يكن من المعتاد بيعها في هذه المساحات، بل لدى باعة الدجاج الحيّ والمذبوح. يُذكر أنّ سعر كيلوغرام اللحم البلدي وصل إلى نحو 180 جنيهاً (نحو 10 دولارات) لدى الجزّارين. أمّا في منافذ "أهلاً رمضان"، وتلك الخاصة بالقوات المسلحة، فيصل إلى 140 جنيهاً (نحو ثمانية دولارات)، فيما ينخفض سعر كيلوغرام اللحوم المجمّدة بنحو ثلاثين جنيهاً.

كلفة باهظة
وتُقدَّر كلفة مائدة رمضانية خاصة بأسرة مكوّنة من خمسة أشخاص بنحو 300 جنيه (نحو 17 دولاراً). وتستهلك العصائر الرمضانية جزءاً كبيراً من هذا المبلغ، نتيجة ارتفاع أسعار موادها الخام. على سبيل المثال، يبلغ سعر كيلوغرام البلح الجاف في حدّه الأدنى 25 جنيهاً (نحو 1.4 دولار)، وسعر لتر اللبن عشرين جنيهاً (نحو 1.1 دولار)، وسعر لتر السوبيا نحو 45 جنيهاً (2.5 دولار)، وسعر قرص قمر الدين في حدّه الأدنى نحو 27 جنيهاً (نحو 1.5 دولار)، فيما تعدّى سعر قرص التمر الهندي زنة 300 غرام 25 جنيهاً (نحو 1.4 دولار)، والعرقسوس زنة 300 غرام نحو 30 جنيهاً (1.7 دولار)، فيما تعدّى سعر كيلوغرام الليمون 20 جنيهاً (نحو 1.10 دولار).
وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بشكاوى إزاء افتقاد إفطار يوم رمضان الأوّل خصوصاً الأطباق المصرية الأصيلة، من قبيل المحشي الذي كانت ترافقه بطّة مكتنزة، يبلغ سعر الواحدة منها زنة 800 غرام نحو 55 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات). وأصابع المحشي لفائف من الكرنب (ملفوف) في داخلها أرزّ، ومع الوقت انضمّ إلى الكرنب كلّ ما يصلح لحشوه بالأرزّ مثل الباذنجان والكوسا والفلفل الرومي وورق العنب وغيرها. 
وفي جولة سريعة لـ"العربي الجديد" في عدد من الأسواق الشعبية، بلغ متوسط كيلو الكرنب نحو عشرين جنيهاً (دولار وعشرة سنتات) مع دخول الشهر الكريم، يزيد أو ينقص حسب المنطقة المبيع فيها، ووفق مستوى الخضراوات نفسها.
أما ورق العنب، فقد بلغ سعره نحو ثمانين جنيهاً للكيلو، وهو سعر قياسي مقارنة بعدة أسابيع مضت، قفزت خلالها أسعاره قفزات مضاعفة.

عصائر رمضانية في مصر (فاسيليس إيه بولاريكاس/ Getty)
عصائر رمضانية في مصر (فاسيليس إيه بولاريكاس/ Getty)

وتنخفض أسعار السلع والمواد الغذائية في منافذ القوات المسلحة عمّا هي في خارجها، الأمر الذي يجعلها وجهة مفضّلة للمستهلكين من أجل التوفير. فيها تُباع "شنطة رمضان" بسعر منافس وفقاً للتعليمات التي وجّهها علناً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوزير الدفاع الفريق محمد زكي في خلال مؤتمر، وقد طالبه بعدم تحقيق مكاسب من خلال "شنطة رمضان" تخفيفاً عن كاهل المواطنين.

هروب من دعوات الإفطار
ووسط الأزمة القائمة، تشير ندى التي تدرّس في أحد المعاهد الأزهرية بالقاهرة لـ"العربي الجديد" إلى أنّها ستكرّر تجربة رمضان الماضي التي نجحت من خلالها في التخفيف عن ميزانية الأسرة في شهر رمضان، وهي "الهروب من العزومات (الدعوات) بأيّ حجة"، علماً أنّ دعوات الإفطار من طقوس المصريين في رمضان. وفي هذا الطقس، يجب على المضيف أن يقدّم إلى ضيوفه وأسرته ما لذّ وطاب وما يليق بهم من طعام شهي ووافر، ثمّ يجب لاحقاً ـ عند ردّ الدعوة ـ أن يحمل معه فواكه وحلويات. بالتالي، المضيف يتكلّف عند دعوته آخرين وعند تلبيته دعوة هؤلاء، بما يوازي ميزانية أسبوع كامل من الإفطارات تقريباً. وتقول ندى: "إذا نفد راتبا الزوجَين الشهريّان، في الإمكان إكمال الشهر الكريم بأيّ مبلغ، لكنّه سيكون من الصعب عدم الظهور بالمظهر نفسه أمام الضيوف عند الدعوة، وإلا انكشفت حال الأسرة".

بالتالي، يبدو أنّ تبادل الدعوات الرمضانية انحسر في مصر أخيراً، وهو ما يؤكده بشير السيد الموظّف في الأوقاف، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنّه بات يُحجم منذ رمضان قبل الماضي عن دعوة الدائرة الواسعة من الأصدقاء والأقارب للإفطار مع أسرته. يضيف أنّه "منذ رمضان الماضي، اقتصرت الدعوات على الدائرة الضيّقة من أقارب الدرجة الأولى"، مرجّحاً أن "يتقلّص الأمر أكثر هذا العام"، إذ ألقت الحالة الاقتصادية بثقلها الشديد عليه وعلى أشقائه.
تجدر الإشارة إلى أنّ المصريين يُقبلون عادة على شراء المواد الغذائية الكافية لشهر رمضان قبيل حلوله مرّة واحدة، تجنّباً لاحتمال ارتفاع الأسعار في خلال الشهر، إذ إنّ هذا ما يحصل في العادة. ويبرّر مسؤولون وتجّار الارتفاع الهائل المسجّل أخيراً في الأسعار بذلك الإقبال، في محاولة لإلقاء مسؤولية ارتفاع الأسعار على عاتق المواطنين، فضلاً عن التبرير المرتبط بالحرب القائمة ما بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى انخفاض سعر الجنيه في مقابل الدولار.

المساهمون