رفض حقوقي للفحوص الشرجية في مصر

رفض حقوقي للفحوص الشرجية في مصر

20 سبتمبر 2020
متهمون بما تسميه السلطات المصرية "الشذوذ الجنسي" في قفص الاتهام (الأناضول)
+ الخط -

عادت إلى الواجهة قضية كشوف العذرية للنساء، والفحوص الشرجية للرجال، في قضايا العنف الجنسي في مصر، مع انتشار تفاصيل تحقيقات النيابة في القضية المعروفة إعلامياً بـ"جريمة الفيرمونت" المتهم فيها مجموعة من الرجال، اغتصبوا امرأة، في الفندق الشهير، عام 2014. التحقيقات الأولية في القضية، حولت مسارها من قضية اغتصاب إلى تورط "أكبر شبكة للشذوذ، يقف وراءها أبناء رجال أعمال وفنانين وشخصيات عامة مصرية". وبالفعل، أفاد مراقبون ومهتمون بملف حقوق المرأة في مصر، بأنّ الشهود في قضية "جريمة الفيرمونت" خضعوا لكشوف عذرية وفحوص شرجية، على خلفية اتهامات نسبت للجميع بالمشاركة في حفلات جنس جماعي، باتهامات اعتياد ممارسة الفجور المجرَّم في الفقرة "ج" من المادة "9" لقانون "10" لسنة 1961، الخاص بتجريم الدعارة والفجور، بالتزامن مع القضية الأساسية، وهي قضية الاغتصاب.
وفي كثير من قضايا "اعتياد ممارسة الفجور"، تحيل النيابة العامة، الأشخاص المقبوض عليهم إلى مصلحة الطبّ الشرعي لإجراء فحوص إجبارية على منطقة الشرج والعانة، لإثبات أنّ الماثلين لهذه الفحوصات "مستخدمين" (مارسوا الجنس) من عدمه. وخلال هذه الفحوص يتم إجبار الأفراد على فحص الشرج أمام أطباء شرعيين.

هذه الفحوص يجري تطبيقها في دولتين عربيتين أخريين، هما تونس ولبنان، لكنّ الوضع فيهما يختلف عن مصر، أولاً من حيث ضعف الهجمة الأمنية على المثليين في البلدين مقارنة بما يحدث في مصر، وثانياً من حيث الحراك المضاد وموقف نقابة الأطباء في تونس ولبنان من هذه الانتهاكات التي تتم باسم المعرفة الطبية، بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش".
وصل عدد المتهمين في قضية الفيرمونت إلى 16 متهماً، وأمرت النيابة بعرض المتهمين على الإدارة المركزية للمعامل التابعة لمصلحة الطب الشرعي، للتأكد من تعاطيهم مواد مخدرة، وتوقيع الكشف الطبي على اثنين منهم.
الفحوص الشرجية كانت محل انتقاد من المنظمات الحقوقية والنسوية في مصر. وبالرغم من أنّ الطبّ الشرعي في مصر يبرر إجراءها بإثبات أو نفي الجريمة محل التحقيق، فإنّ المنظمات الحقوقية والكويرية (المدافعة عن حقوق المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات وثنائيي الجنس والثنائيات) ترفضها وتعتبرها انتهاكاً جنسياً صارخاً.
في مقابلة أجراها مع موقع "بازفيد" الأميركي، عام 2015، حول الفحوص الشرجية، ومبررات استخدامها وجدواها، قال الدكتور ماجد لويس، نائب مدير مصلحة الطب الشرعي في مصر: "شكل الشرج يتغير، إذ لا يعود إلى وضعه الطبيعي، بل يبدو كشكل فتحة المهبل لدى الإناث"، نافياً أنّ الأطباء يدخلون أشياء في شرج الشخص أثناء الفحص.

ما تعمل مصلحة الطبّ الشرعي على تبريره وإثبات جدواه بشكل يثير الشفقة


لكنّ منصة "أطياف" الكويرية، ترى أنّ مصلحة الطب الشرعي، بإجرائها تلك الفحوص "تمارس التعذيب وتنتهك حقوق الإنسان والكرامة الجسدية". وتقول إنّ المصلحة "مستندة، في ذلك، على كتاب طرحه الطبيب الفرنسي، أوغست أمروز تارديو (1818- 1874) بعنوان: دراسة طبية- شرعية للانتهاكات الأخلاقية (1857) وواجه انتقادات عدة إثر نشره، لأنّ ما ذكره لا أساس علمياً له". وتدفع المنصة في تبرير منطقها الرافض لتلك الفحوص بما أكدت عليه لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، أنّ "الفحوص الشرجية لا أساس ولا قيمة علمية لها". وتضيف منصة "أطياف" أنّ "ما تعمل مصلحة الطبّ الشرعي على تبريره، وإثبات جدواه بشكل يثير الشفقة، يرجع أساسه إلى أكثر من 150 عاماً، وهي نظريات وضعت على يد رجل يتحدث من منظوره الأخلاقي ليس إلا، ولا يتحرك على أساس علمي. مع ذلك، وعلى الرغم من المطالب الأممية من لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والمنظمات الحقوقية، ومخالفة مصلحة الطبّ الشرعي للمواثيق الدولية التي وقّعت عليها مصر، والتي يلزمها الدستور المصري بالالتزام بها، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب (اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، تستمر مصلحة الطبّ الشرعي، ووزارة العدل المصرية، ونقابة الأطباء، في تجاهل صارخ للقانون الدولي والمحلي والمواثيق الدولية، وتكمل مسيرة أكثر من 100 عام من انتهاك كرامة أجساد المصريين".

وسبق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة مجتمع مدني) رصد نماذج من بعض تقارير الطبّ الشرعي للمتهمين في قضايا اعتياد ممارسة الفجور. واعتبرت المبادرة أنّ هذا الدور المتزايد للقطاع الطبي وللطبّ الشرعي تحديداً في قضايا اعتياد ممارسة الفجور، يعدّ مؤشراً مثيراً للقلق على تورط المنظومة الطبية في انتهاكات بمثل هذه الفداحة، فكشوف الشرج الإجبارية هي الآن، وفقًا للأمم المتحدة، ضرب من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، والتي قد ترقى إلى مرتبة التعذيب.

المساهمون