استمع إلى الملخص
- تزايدت مخاوف السكان مع استهداف التفجيرات للأسواق والأماكن المزدحمة، مما دفع الكثيرين للبقاء في منازلهم وتوقف بعض الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، مطالبين بتعزيز الأمن.
- منبج، الواقعة في الريف الشرقي لحلب، كانت مركزاً سكانياً مهماً، لكن النزوح خلال سيطرة "داعش" أدى لانخفاض عدد السكان، ويأمل السكان في استعادة الأمن والخدمات.
تضرب المآسي مدينة منبج السورية، والتي عاش سكانها لسنوات يترقبون تحررهم من قبضة "الإدارة الذاتية" الكردية، وبعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، سيطر مقاتلو "الجيش الوطني" على المدينة ومناطق محيطة بها، ضمن عملية أطلقوا عليها اسم "فجر الحرية"، لتبدأ مع سيطرتهم فصول من التفجيرات المتكررة.
بدأت مخاوف السكان تتسع مع انفجار أول سيارة مفخخة فيها بتاريخ 20 ديسمبر الماضي، وأسفر الانفجار عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة نحو 15 آخرين، لتلحق ذلك سلسلة تفجيرات، بلغ عددها حتى الآن 7 تفجيرات خلال 37 يوماً، بحسب تقرير صادر عن منظمة الدفاع المدني السوري التي استجابت خلال الشهر الأول من العام الحالي، لـ14 بلاغاً عن تفجيرات وهجمات في مناطق ريف حلب، تسببت بمقتل سبعة مدنيين، وإصابة 27 أخرين، من بينهم 15 طفلًا وامرأتان.
تنوعت التفجيرات والهجمات بين القصف الصاروخي، والسيارات المفخخة، وانفجار ألغام ومخلفات حرب، لكن أكثرها دموية وقع صباح 3 فبراير/شباط الماضي، وتسبب بمقتل وإصابة العشرات، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وأدت التفجيرات التي وقعت في منبج إلى حالة من شلل الحركة، وخلفت رعباً واسعاً بين السكان.
يقول محمد البكار لـ"العربي الجديد": "لا حدود لهذا الإجرام، فاستهداف سيارة تحمل نساء عاملات بحد ذاته لا يتحمله عقل. التفجير أجبر الكثير من الأهالي على البقاء في منازلهم. كنا نتوقع أن الفوضى ستستمر لمدة أسبوع أو أسبوعين بعد تحرير المدينة، لكن طال الأمر، ونترقب في الوقت الحالي إجراءات تنهي حالة الفوضى الأمنية، لكن على ما يبدو أن الأمر قد يطول".
يضيف البكار: "مخاوف الناس تزداد مع تكرار التفجيرات، وكونها تطاول الأسواق والأماكن المزدحمة. نريد أن تستقر الأوضاع في المدينة كي يعود الناس إليها، فهناك الكثير من النازحين الذين باتوا يتخوفون من العودة، ومن بينهم أقارب وأصدقاء، وكلهم يترقبون أن يتحسن الوضع الأمني كي يعودوا".
ونجحت فصائل الجيش الوطني في السيطرة على منبج، لكنها منذ ذلك الحين لم تتمكن من ضبط الأمن في المدينة، وفق ما يقول فاضل العبدو، لـ"العربي الجديد"، موضحاً: "لا يعمل في منبج سوى قطاع الصحة حالياً، وهذا بجهود ذاتية، وبقية القطاعات الخدمية معطلة، والسبب هو خوف الناس. لم نعد نأمن على أنفسنا، والبعض يخشون السير في الشوارع، ومنذ وقوع تلك التفجيرات توقفت عن إرسال أبنائي إلى المدرسة، فلا ندري ما قد يحدث لهم، فربما تنفجر مفخخة قرب المدرسة أو المشفى".
ويطالب العبدو بضرورة وضع حد للتفجيرات، ويقول: "على الأمن العام العمل بجدية أكبر، ونرجو أن يتم التحقق من كل سيارة مشبوهة. البعض لا يريدون الاستقرار لسكان المدينة، ونطالب قوى الأمن بوضع حد لهذا، وتكثيف الحواجز الأمنية، فالخوف أصبح سمة عامة يمكنك مشاهدتها على وجوه الجميع في المدينة بعد التفجيرات التي حدثت عقب مغادرة مقاتلي (قسد). كانوا يختطفون القُصّر ويجندونهم، وكان هذا من بين مخاوفنا، أما الآن فقد أصبحت المخاوف أكبر مع تكرار تفجير السيارات المفخخة".
بدوره، يؤكد فريد العميري ضرورة إرساء الأمن في المدينة، وإعادة الخدمات إليها، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع الأمني داخل منبج صعب، وكذلك الوضع الخدمي. نتهم (قسد) بالوقوف خلف التفجيرات، وقبل تفجير أول سيارة سرت شائعات حول وجود مفخخة، لكن أحداً لم يأخذ الموضوع على محمل الجد، وبعد تكرار انفجار السيارات أصبح الأمر مخيفًا".
يضيف العميري: "المدينة حالياً ليست آمنة، ونخاف من استمرار الأمر على هذه الحال، وتكرار التفجيرات خلال الأيام المقبلة. عاملات في الأراضي الزراعية كنّ ضحية التفجير الأخير، لكن جميع السكان معرضون للخطر أيضاً، ولا نرسل أبناءنا إلى المدارس بسبب الخوف. نريد التعامل بجدية أكبر مع مسألة ضبط الأمن، وتفتيش أي سيارة مشبوهة".
وتقع مدينة منبج في الريف الشرقي لمحافظة حلب شمالي سورية، إلى الغرب من نهر الفرات، وتبعد نحو 90 كيلومتراً عن مدينة حلب، ونحو 35 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، وتسمية "منبج" مشتقة من كلمة "مبوغ" في اللغة الحيثية، وهي تعني "المنبع"، نظراً لوجود عين ماء كبيرة في المنطقة تُعرف باسم "عين الروم".
وفي عام 2005، قُدّر عدد سكان منبج بنحو 85 ألف نسمة، وبحلول عام 2010، ارتفع العدد إلى ما يقارب 150 ألف نسمة، ومع تدفق النازحين في عام 2011، تجاوز العدد 200 ألف نسمة. وخلال فترة سيطرة تنظيم "داعش"، انخفض عدد السكان بشكل حاد إلى نحو 20 ألف نسمة في ظل النزوح الجماعي للسكان.