رضيع غزي يحمل اسم أبيه بعد استشهاده

رضيع غزي يحمل اسم أبيه بعد استشهاده

18 يونيو 2021
"لا أستطيع مناداته بأيّ اسم" (محمد الحجار)
+ الخط -

 

لم يقضِ الشهيد محمود المدهون البالغ من العمر 30 عاماً يوماً واحداً كاملاً مع طفله الذي رُزق به في الثامن من مايو/ أيار المنصرم، أي قبل ثلاثة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وبعد يوم واحد من العدوان، حملت الأمّ صغيرها وتوجّهت إلى منزل والدها بعد خروجها من المستشفى. وفي اليوم نفسه، في الثاني عشر من مايو/ أيار المنصرم، عندما توجّه محمود إلى منزله لإحضار ملابس مولوده الجديد وحملها إلى منزل جده، كان القصف الإسرائيلي أسرع منه. فأصيب عند مدخل منزله، ثمّ استشهد بعد يومَين من ذلك.

اليوم، بعد استشهاد ربّ الأسرة، تعيش ألاء سالم المدهون (27 عاماً) وحيدة مع ابنَيها، المولود الجديد وأركان (أربعة أعوام)، وابنتها نسرين (ستة أعوام). يُذكر أنّ حالة ألاء كانت حرجة بعدما خضعت لعملية قيصرية، وعادت إلى المستشفى بعد ثلاثة أيام من الولادة، بعد ظهور اصفرار على بشرة مولودها. واضطرت إلى البقاء مع صغيرها هناك نظراً إلى حاجته إلى عناية مركّزة. وفي اليوم الثاني، تلقّى محمود اتصالاً يفيده بتحسّن حالة مولوده الجديد، فاصطحب زوجته والصغير إلى منزل والدها لتتعافى. طلبت منه إحضار ملابس لطفلهما من منزلهما، لكنّه قبل أن يتوجّه إلى هناك، قصد أحد المحال في سوق مخيّم جباليا لشراء ملابس إضافية لمولوده. وعندما وصل إلى منزله، راحت الطائرات الإسرائيلية تقصف منزل جيرانهم، فأصيب بجروح خطرة.

الصورة
تيم محمود المدهون رضيع استشهد والده في غزة 2 (محمد الحجار)
لا يخفي محمد حزنه الكبير وهو ينظر إلى حفيده (محمد الحجار)

تخبر ألاء "العربي الجديد" أنّ "زوجي نُقل إلى المستشفى على أثر إصابته الخطيرة من جرّاء القصف الإسرائيلي. وبعد ساعات قليلة، أُعلن نبأ استشهاده. وقد أُعلمنا بأنّه لو عاش كان سيعاني إعاقة دائمة. تمنّيت أن يكون الأمر كابوساً". تضيف ألاء أنّ محمود "احتضن للحظات ابننا قبل أن تغتاله صواريخ الاحتلال. شعرت بقيام الحرب قبل الولادة، لكنّني لم أتوقّع أن أخسر أحد أفراد أسرتي".

في عام 2013، تزوّج محمود وألاء، لكنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2014 جعلهما يعيشان تجربة صعبة. فنتيجة القصف الشديد والخوف، أجهضت ألاء جنينها. هما كانا يقيمان في منزل والد زوجها في مشروع بيت لاهيا. وتتذكّر تلك اللحظات حتى اليوم، قائلة: "دخلت لأحضر أمتعتي، ثمّ شعرت بألم في البطن. فأجهضت جنيني وهو لم يبلغ الشهرَين بعد".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبعد العدوان الأخير، تعاني الزوجة صدمة نفسية، وتشعر بأنّ زوجها "سوف يعود إلى المنزل ويطرق الباب فجأة". وتلفت إلى أنّها كانت قد اختارت اسم تيم لمولودها الجديد، لكنّه لم يُسجَّل في وزارة الداخلية إذ كان زوجها ينتظر الأحد 16 مايو/ أيار للقيام بذلك. وبعد استشهاد الوالد، قرّرت العائلة تسمية الصغير محمود تيمّناً به، خصوصاً أنّه لن يتعرّف إليه. تضيف ألاء: "لا أستطيع مناداته بأيّ اسم، لا باسم زوجي ولا بالاسم الذي كنت قد اخترته له". من جهة أخرى، تقول: "لم أخبر طفلَي الآخرَين عن استشهاد والدهما. ابني أركان قد يصدّق أنّ والده مسافر، لكنّ ابنتي نسرين تسألني دائماً: أين بابا؟ فأطفال في الحيّ يردّدون أنّه في الجنة. أمّا أنا فأخبرها بأنّه مسافر ويحتاج إلى وقت طويل قبل أن يعود. لكنّهما يحضران الهاتف في كلّ مرة ويطالبانني بالاتصال بوالدهما حتى يحضر".

الصورة
تيم محمود المدهون رضيع استشهد والده في غزة 3 (محمد الحجار)
نسرين وأركان مع جدّهما (محمد الحجار)

اليوم، يعيش أولاد محمود الثلاثة مع جدّهم محمد المدهون، في عائلة تتألّف من عشرة أفراد قبل أن تصير 14 إذ أضيف إليها هؤلاء مع والدتهم، علماً أنّ للجدّ 13 ابناً. وكان محمد شاهداً على ما أصاب نجله، فهو حاول إغاثته وحمله مردداً: "إصحى يابا... إصحى... أولادك بيستنّوك". فهو كان يريد رؤية حفيده الجديد والاطمئنان على زوجة ابنه، لكنّ القصف صار عنيفاً. ثمّ وجد محمود مع شظايا في مختلف أنحاء جسده، خصوصاً في رأسه. ويشير إلى أنّه عندما توجّهوا بابنه إلى مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا، حُوّل إلى مجمّع الشفاء الطبي نظراً إلى خطورة حالته.

ولا يخفي محمد الحزن الكبير الذي يشعر به وهو يشاهد أمامه حفيده الجديد. وبعد انتهاء العدوان، سجّل حفيده باسم محمود وهو يبكي. ويستذكر أنّ ابنه قال له قبل يوم من إصابته التي أدّت إلى استشهاده: "لا أبالي بهذا العدوان الإسرائيلي، لكنّني أخشى أن يتأثّر أبنائي بصدمات نفسية أو يشعروا بالذعر بسبب القصف". ويلفت محمد لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "محمود عاش معنا في بداية حياته الزوجية لأنّه لا يعمل بشكل ثابت. لكنّه استقلّ في وقت لاحق في منزل بالقرب من أرضنا، في المنطقة نفسها، على بعد 40 متراً فقط منّا". يضيف أنّ "ظروفه كانت صعبة كحال الشباب هنا والخرّيجين. وهو حُرم من الدراسة الجامعية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم تمكّنه من توفير التكاليف اللازمة لذلك".

المساهمون