رصاص الاحتلال يخلّف إصابات دائمة في "جبل صبيح"

رصاص الاحتلال يخلّف إصابات دائمة في "جبل صبيح"

23 نوفمبر 2021
رصاص الاحتلال يهدد أرواح الفلسطينيين (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

لم يكن سهلاً بالنسبة إلى الفتى الفلسطيني فايز حامد حمايل (16 عاماً)، الذي يتحدّر من بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس، تقبّل واقعه الجديد، هو الذي سيكمل بقية حياته بعين واحدة، بعدما اضطر الأطباء إلى استئصال عينه اليمنى من جراء الضرر البالغ الذي لحق بها بعد إصابته برصاصة أطلقها عليه أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي.
يستجمع فايز قواه ليرفع الغطاء البلاستيكي عن عينه اليمنى، ويقول لـ"العربي الجديد": "لقد استأصلوها. الحمد لله على كل حال. سأحاول التأقلم مع هذا الوضع الصعب. عيني فداء لفلسطين، وهذا أقل ما نقدمه لها".
وقعت الحادثة في الخامس من الشهر الجاري. كان أهالي بلدة بيتا قد أدوا صلاة الجمعة، ثم تحركوا نحو منطقة "جبل صبيح" التي تشهد منذ عدة أشهر فعاليات الإرباك المستمر رفضاً لإقامة الاحتلال الإسرائيلي بؤرة استيطانية على قمته.
يتذكر فايز اللحظات التي سبقت إصابته، ويقول: "كانت الأوضاع لا تزال هادئة. اقتربت مع مجموعة من الشبان من قمة الجبل، وكنا نضع جميعاً اللثام. اتخذ جندي إسرائيلي كان يقف خلف ساتر بين الصخور وضعية القنص، وأطلق نحوي رصاصة واحدة من مسافة لا تزيد على 100 متر فقط، أصابت عيني مباشرة فوقعت على الأرض".
فقد فايز الوعي من شدة الألم وقوة الارتطام، ولم يستعد وعيه إلا حين كان الشبان يركضون به نحو سيارة الإسعاف. خلال نصف ساعة، كان فايز يخضع لعملية جراحية عاجلة، قرر فيها الأطباء استئصال العين بالكامل. يضيف: "لم يبلغني أحد أنني فقدتها إلى الأبد، لكنني شعرت بذلك فور استيقاظي من البنج. كانت صدمة، لكن معاناتي لا تذكر أمام الشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل التحرير ودحر المستوطنين من بلدتنا".

جرحى "جبل صبيح" (العربي الجديد)
جرحى "جبل صبيح" (العربي الجديد)

أما ماجد مفلح، فيعاني من إعاقة شبه دائمة في قدمه اليسرى، بعدما أدت رصاصة أطلقها عليه أحد جنود الاحتلال إلى تفتت العظام وتقطع الشرايين وتلف الأعصاب. ولولا التدخل الطبي السريع لكانت قد بُترت. يقول لـ "العربي الجديد": "قبل نحو شهرين، وفي ذروة فعاليات الإرباك الليلي، كنت قد كُلّفت ومجموعة من الشبان مهمة الرصد، لكننا وقعنا في كمين على ما يبدو. حدثت مواجهات وواجهنا مصيرنا بشجاعة كبيرة، حتى استطعنا أن نفلت من جنود الاحتلال، لأننا أعلم منهم بجغرافية المكان، فما كان منهم إلا أن أطلقوا الرصاص علينا فانهمر كالمطر".
فجأة لم يعد ماجد قادراً على الركض. حاول أن يقاوم، لكنه سقط أرضاً مضرجاً بدمائه ليدرك أنه أصيب. ويقول: "في البداية شعرت بشيء شبيه بلدغة قوية، لكن الألم لم يعد يحتمل، فوقعت على وجهي. نظرت إلى قدمي اليسرى فرأيت أنني أصبت برصاصة أسفل الركبة تماماً".
وصل ماجد بمساعدة من كانوا معه إلى منطقة قريبة، وكان المسعفون بانتظاره بعدما علموا بوجود مصاب، فنقلوه إلى مستشفى في نابلس على الفور لخطورة حالته، وقد أدخل إلى غرفة العمليات. يقول: "عندما استيقظت ورأيت أصابعي، شكرت الله لأن الأطباء لم يضطروا إلى بتر ساقي. لكن الإصابة كانت شديدة لدرجة أن العظم تفتت والشرايين تقطعت، وتضررت الأعصاب كثيراً. وما زلت حتى اليوم أخضع لجلسات علاج في محاولة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه".

من جهته، يقول مدير جمعية الإغاثة الطبية في محافظة نابلس غسان حمدان لـ"العربي الجديد": "لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الشبان الذين أصيبوا بإعاقات في بلدة بيتا، لكن عددهم لا يقل عن خمسين، ما بين إعاقة دائمة أو جزئية". يضيف: "السياسة التي يتبعها الاحتلال حيال أهالي بلدة بيتا تهدف إلى كسر إرادتهم من خلال إيقاع أكبر أذى جسدي بالمشاركين في المسيرات الشعبية المنددة بالاحتلال والاستيطان، لكنه لن يفلح في ذلك".

جرحى "جبل صبيح" (العربي الجديد)
إصابات متكررة برصاص الاحتلال في "جبل صبيح" (العربي الجديد)

ومن خلال تشخيص الإصابات، يتضح أنّ الرصاصات التي أدت الى ارتقاء الشهداء أو وقوع مئات المصابين أطلقها قناصون مدربون، يستهدفون أجزاءً حساسة من الجسم، مثل مقدمة الرأس، العيون، الأطراف العلوية أو السفلية، الصدر، بحسب ما يؤكد حمدان.
وحتّى طواقم الإسعاف مهدّدة تهديداً حقيقياً، بحسب حمدان، وليس أدل على ذلك من تعرض مسعفين كثر لإصابات بالرصاص أو الضرب المبرح من جنود الاحتلال أو الاختناق بالغاز. وكذلك سيارات الإسعاف التي تعرضت لتكسير وتخريب وإطلاق رصاص كاد يودي بحياة من كان فيها.
يضاف إلى ما سبق إغلاق الاحتلال الطرقات ومنع الطواقم الإسعافية من الوصول إلى المصابين، بتعمد الاحتلال جرف الطرقات من خلال آليات ضخمة، أو وضع حجارة وسواتر ترابية، "لأنهم يدركون أهمية سرعة وصولنا إلى الجرحى ونقلهم الى المستشفى الميداني الموجود في بلدة بيتا أو إلى مستشفيات مدينة نابلس إن كانت الحالة تتطلب ذلك".

المساهمون