رابعة الأثافي

رابعة الأثافي

19 يناير 2021
لم ننتبه وقتها لتحذير مهاتير محمد (جيمين لاي/ فرانس برس)
+ الخط -

يقولون إنّ الأثافي ثلاث، ولو كانت اثنتين لانكفأت القدر بما تحمل، ولانطفأت النار. ولو أنّها زادت عن ثلاث لضاق مدخل الهواء المساعد على الاشتعال، وقلّت مساحة الوقود. والأثافي أحجار ثلاثة تُوضع عليها القدر فوق الموقد، مفردها أثفية. أما قدر البيئة السودانية فهي كقدر البيئة في دول "العالم الثالث" خصوصاً الأفريقية، إذ ظلّت تغلي فوق نار التخلُّف، على الأثافي الثلاث: الفقر والجهل والمرض. لكنّ حركة الغليان زعزعت القدر، فأبى ساسة هذا الزمان إلاّ أن يضيفوا رابع الأثافي: الفساد.


احتلّ الفساد مكانة مرموقة على طاولات التداول بين الكبار كلما جلسوا لمناقشة قضايا العالم النامي. وفي إحدى جلسات صندوق النقد الدولي (سبتمبر 2001)، خاطب المؤتمرين، مهاتير محمد (رئيس وزراء ماليزيا وقتها) متهماً الغرب والشمال الغني بأنّهما وراء إفساد بيئات واقتصاديات دول العالم الثالث. ثم حذرنا بنفسه عندما زار الخرطوم أنّ "مواردنا الضخمة ستكون سبباً كافياً لوصول اللصوص من جميع أنحاء العالم لممارسة اللعبة نفسها". لم ننتبه وقتها للتحذير، وقد أصبحت بلادنا طاردة للمستثمرين الغربيين، لكنّهم دخلوا علينا من بوابات أخرى، فبتنا نسمع بالمستثمر الذي يصدّر فحم النارجيلة المصنّع من شجر الطلح السوداني، فهل كان يفعل أكثر من قطع الغابات وتحويل أخشابها إلى فحم نباتي يدرّ عليه المليارات من أموال أهل الخليج والشام؟ 

 

موقف
التحديثات الحية

 

عندما انفتح الباب بعد الثورة (2018- 2019) لتبيان فساد النظام السابق، تعرفنا على هوية المستثمرين في مجالات صيد الحيوانات والطيور النادرة، ومن بينها المدرج في قوائم الأنواع المهددة بالانقراض. وكيف أنّ بعضهم حازوا على ملايين الهكتارات ليزرعوها علفاً باعتماد المياه الجوفية، ما لا يفيد الإنسان أو الأرض.


يتخذ الفساد شكل التدمير الهادئ والمخطط لكلّ ما من شأنه رفاه المواطن، وهو ما ساعد في زيادة وتيرة الهجرات من الريف إلى المدن، وإلى الدول الأخرى، في أكبر عملية تحول ديموغرافي بمناطق الإنتاج. كذلك، ظلت الحروب والنزاعات حول الموارد سلاحاً خفياً في أيدي المفسدين الكبار، يمنحهم فرصة الاستئثار بموارد البلدان في ما يشبه ما كان يحدث في عهد الاستعمار سافر الوجه وواضح المعالم، حين كان "العالم الأول" يسيطر سياسياً على دول "العالم الثالث".


أما ما يمارس من إفساد بيئي هنا وهناك، فقد ظلّ البعض بمن في ذلك أصحاب القرار من السياسيين يرونه غير ذي شأن، لأنّ البيئة في نظرهم، وكما يزين لهم الأمر بعض أصحاب المصالح من أهل الخبرات العلمية، قادرة على إعادة تأهيل منظوماتها بشكل طبيعي. لكنّ الأمر زاد عن حدّ قدرات المعالجة الذاتية لعدد من النظم البيئية. فهل من فساد أكثر من ذلك؟ وهل من حلم في الإصلاح؟
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون