رأس السنة الأمازيغية في المغرب: احتفاء ومطالب بتفعيل الطابع الرسمي

14 يناير 2025
جانب من احتفالات السنة الأمازيغية في المغرب، 13 يناير 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يحتفل المغاربة برأس السنة الأمازيغية كعيد وطني، مع تنظيم احتفالات رسمية وشعبية، رغم انتقادات بشأن إدماج الأمازيغية في مؤسسات الدولة.
- تم الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية منذ 2011، ويعزز الاحتفال برأس السنة الأمازيغية التماسك الاجتماعي ويعكس التحولات الثقافية في المغرب.
- تتنوع تسميات الاحتفال وتتميز بطقوس مثل إعداد "كسكس السبع خضروات"، وتختلف الآراء حول أصل الاحتفال بين الزراعة وانتصار الملك شاشناق.

يحتفل المغاربة، اليوم الثلاثاء، بثاني رأس سنة أمازيغية في تاريخ المملكة بعد اعتمادها عيدا وإجازة رسمية، وسط ارتفاع المطالب بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة. ويحيي المغاربة رأس السنة الأمازيغية هذا العام على وقع احتفالات رسمية وشعبية خاصة بهذه المناسبة عمت سائر أرجاء البلاد، من أبرزها الاحتفال الذي تنظمه وزارة الثقافة بمسرح محمد الخامس بالعاصمة الرباط مساء اليوم.

وبالرغم من تأكيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، عشية الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، على التزام حكومته الكامل بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، مؤكدا أن العديد من المشاريع قد تم إنجازها في هذا السياق، لا سيما في مجالات الإدارات العمومية والتعليم، إلا أن فعاليات أمازيغية اختارت الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بوقوفها على ما تقول إنها اختلالات عرفها تفعيل الطابع الرسمي للغة طوال السنوات الماضية.

غياب الإرادة السياسية لإدماج الأمازيغية في المؤسسات

وفي السياق، كان لافتا انتقاد "مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي" ما سمته غياب إرادة سياسية لدى الحكومة في تفعيل حقيقي للترسيم الدستوري للأمازيغية وعدم وجود رؤية واضحة لإدماج الأمازيغية في جميع مؤسسات الدولة والقطاعات العمومية ذات الأولوية أفقيا وعموديا.

وكان الديوان الملكي في المغرب قد أعلن، في الرابع من مايو/ أيار 2023، إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلةً وطنية رسمية. وفي الرابع من أغسطس/ آب من السنة نفسها، أعلن رئيس الحكومة عزيز أخنوش اعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية سنوية مدفوعة الأجر، تنفيذاً للقرار الملكي بهذا الخصوص، مؤكدا أن حكومته ستعمل على رفع وتيرة تنزيل خريطة الطريق التي أعدتها بخصوص تكريس الطابع الدستوري للأمازيغية باعتبارها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. وتتضمن خريطة الطريق 25 إجراءً، تشمل إدماج اللغة الأمازيغية في الإدارات والخدمات العمومية، وفي وزارات التعليم والصحة والعدل، والإعلام السمعي البصري. 

الصورة
جانب من احتفالات السنة الامازيغية في المغرب، 13 يناير 2025 (فرانس برس)
جانب من احتفالات السنة الأمازيغية في المغرب، 13 يناير 2025 (فرانس برس)

واعترفت الدولة المغربية باللغة الأمازيغية في الخطاب الملكي لعام 2001، قبل أن يصار إلى الاعتراف الدستوري بها لغةً رسميةً في عام 2011، في حين صدر القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيلها في مجالات الحياة في عام 2019.

ويقول الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري والكاتب المهتم بالثقافة الأمازيغية مصطفى عنترة إن "الاحتفال برأس السنة الأمازيغية ليس ظاهرة مستحدثة، بل تقليد متجذر في ثقافة شعوب شمال أفريقيا، حيث ارتبط هذا الحدث بالتقويم الزراعي الذي يعكس العلاقة الوثيقة بين الإنسان والأرض"، ويوضح مؤلف "المسألة الأمازيغية بالمغرب.. من المأسسة إلى الدسترة"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاحتفال أصبح يحمل أبعادا رمزية متعددة، منها أنه على المستوى الداخلي يعزز روح المواطنة والانتماء إلى وطن يحتضن هويته المتنوعة. كما يساهم في تقوية التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي، من خلال إعادة الاعتبار للمكونات الثقافية المختلفة"، ويرى أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يعد اليوم "خطوة رمزية تعكس عمق التحولات التي شهدتها السياسات الثقافية في المغرب"، لافتا إلى أنه رغم التحديات القائمة، فإن تحقيق الرهانات المرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف المجالات المحددة من قبل القانون ذي الصلة يبقى قائما ومستعجلا، معتبرا أن تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية بصفته مؤسسة دستورية مستقلة مرجعية في مجال السياسات اللغوية والثقافية "يظل مسألة حيوية لتعزيز الهوية الوطنية الموحدة المتعددة والغنية بتعدد روافدها، وترسيخ نموذج تنموي ديمقراطي يعكس تطلعات كافة المغاربة".

الصورة
جانب من احتفالات السنة الامازيغية في المغرب، 13 يناير 2025 (فرانس برس)
تزايد المهتمين باحتفالات رأس السنة الأمازيغية في المغرب، 13 يناير 2025 (فرانس برس)

من جهته، يرى الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (حكومي)، كمال أقا، في الاحتفال للسنة الثانية على التوالي برأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، محفزا كبيرا من أجل الدفع بمشروع تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة و"تسريع وتيرته بما يحقق ما التزمت به القطاعات الحكومية ذات الصلة بالمشروع"، مشيرا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن احتفال هذه السنة "يكتسب طابعا خاصا لكون المهتمين به في تزايد ملحوظ، ولكون البرامج والأنشطة المبرمجة له من طنجة إلى الكويرة تلامس مختلف الجوانب الفنية والإبداعية والثقافية والحضارية التي طبعت ولا تزال الشخصية المغربية الأمازيغية على مر العصور، وذلك بإسهام مؤسساتي وجمعوي رفيع، مضاف إليه ما بصمته بعض البعثات الأجنبية ومعاهدها الثقافية من انخراط فعال في هذا الاحتفال".

ويطالب أقا بأن "لا يبقى الإقرار برأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية حدثا لحظيا وعابرا، بل محفزا للعمل من أجل أن تكون للأمازيغية المكانة اللائقة بها في ظل احترام تام للدستور والقانون التنظيمي 26/16 والقانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين 51/17، والمخططات الحكومية لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، خاصة في مجال التعليم، من أجل تعميمها أفقيا وعموديا في القطاعين العام والخاص، وإدراجها في سلكي الثانوي وتوسيع تدريسها في الجامعات المغربية ومختلف المؤسسات التكوينية، وإدراجها في مختلف المشاريع المستقبلية، بما يضمن ويعزز حضورها في الحياة العامة".

تسميات متعددة لرأس السنة الأمازيغية

وتتباين تسميات رأس السنة الأمازيغية في المغرب من منطقة إلى أخرى، ما بين "إيض يناير"، و"إيض سكاس"، و"حاكوزة"، وهذا هو العام 2975 بالتقويم الأمازيغي، وهو يتجاوز التقويم الغريغوري (الميلادي) بـ950 عاما.
وينقسم المؤرخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فريقين، الأول يربطه بالاحتفال بالأرض والزراعة، لذا يصفونه بـ"السنة الفلاحية"، في حين يعيده الفريق الآخر إلى إحياء ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الفرعون المصري رمسيس الثاني.

وتطبع ليلة رأس السنة الأمازيغية طقوسا احتفالية شعبية تتميز بإعداد أطباق خاصة، من أبرزها "كسكس السبع خضروات"، وعصيدة "تاكلا" التي تحضر بمزج دقيق الشعير أو الذرة مع الماء قبل أن توضع على النار لتنضج، ثم تقدم بعد تزيينها باللوز والتمر، أو البيض المسلوق، ويسكب وسطها زيت زيتون أو زيت أرغان أو عسل، وتعمد النساء إلى وضع "أغورمي"، وهو نوى التمر، في عصيدة رأس السنة قبل تقديمها إلى أفراد العائلة، ويعتقد شعبياً أن من يعثر على النوى في أثناء تناول العصيدة الساخنة يكون الأوفر حظاً خلال السنة الفلاحية الجديدة. وكان لافتا في الأعوام الأخيرة انتقال الطقوس الخاصة بالاحتفال من المجال الخاص إلى العام، لتصير ممارسة جماعية في البلاد.

المساهمون