رأس السنة الأمازيغية في الجزائر... احتفالات بالخير والهوية

13 يناير 2025
من احتفالات رأس السنة الأمازيغية في الجزائر، 13 يناير 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يحتفل الجزائريون بعيد رأس السنة الأمازيغية "عيد الناير"، الذي يعود تاريخه إلى 2975 سنة وفق التقويم الأمازيغي، ويشمل تظاهرات ثقافية تُبرز الألبسة والمنتجات التقليدية.
- تتنوع تسميات السنة الأمازيغية الجديدة وتختلف بين المناطق، وتُحيي العائلات المناسبة بإعداد أطباق تقليدية مثل "الكسكسي" و"العصيدة"، مما يعزز الهوية الثقافية والروابط العائلية.
- تتبع الأسر عادات متنوعة مثل توزيع الأطباق في الشوارع، وتُنظم احتفالات رسمية وثقافية، مما يعزز التضامن بين الأفراد، رغم الجدل حول أصل الاحتفال.

احتفل الجزائريون، اليوم الاثنين، بعيد رأس السنة الأمازيغية "عيد الناير" الـ2975 بحسب التقويم الأمازيغي الذي يسبِق التقويم الميلادي بنحو 950 عاماً. وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرّت الاحتفال الرسمي برأس السنة الأمازيغية، بدءاً من يناير/ كانون الثاني 2018. وبحلول السنة الأمازيغية شهدت معظم المناطق الجزائرية تظاهرات ثقافية وتراثية جديدة تميّزت بإبراز مختلف أنواع الألبسة والمنتجات التقليدية والتحف الفنية التي تحتفل بالأرض، باعتبارها من الرموز المقدسة للمحتفلين بالتزامن مع انطلاق الحرث والبذر، وذلك في انتظار حصاد ما جرى زرعه. 

وتحمل بداية السنة الأمازيغية الجديدة تسميات "ثَابُورْثْ أُو" سُقَّاسْ" أو "أَمَنْزُو يَنَّايِرْ" و"إِضْ النَّايِرْ"، وهي تتعدد بحسب اللهجات بين منطقة وأخرى. ورغم تنوّع التسميات يبقى الاحتفال برأس السنة الأمازيغية مُرتبطاً في شكل وثيق بأرض الأجداد وجذور الهوية الثقافية. وتحيي عائلات عادات السنة الجديد في علاقتها بالأرض والفلاحة بإعداد أشهى الأطباق المرتبطة بأهم البقوليات والحبوب. وفي هذه المناسبة يتبادل الجزائريون التهاني بـ"أسقاس أمغاز" أو "عام سعيد"، فالمناسبة فرصة ثمينة للاحتفال مع الأهل والأصدقاء، حيث يجتمع الجميع حول مائدة العشاء في جو من الفرح والبهجة.

وفي هذه المناسبة تتبع الأسر الجزائرية أساليب عدة للتعبير عن فرحتها بقدوم العام الجديد، وتشمل العادات المتوارثة تحضير أطباق خاصة تطهى في هذا اليوم. ويُطلق على عشاء العيد "عشاء يناير" أو "اِيمَنْسِي نَيناير"، وتتضمن الأطباق ما تنتجه الأرض من خيرات ومحاصيل زراعية، وهي تعتمد على السميد والخضراوات، والحبوب، والفواكه الجافة. ويتصدّر طبق "الكسكسي" قائمة الأطباق التي يجري تحضيرها في هذه المناسبة، ويحتوي على حبوب القمح والحمص والفول مع مرق غني بالخضار.

تقول سعيدة رواسي (45 عاماً) المتحدرة من مدينة القليعة قرب العاصمة الجزائرية لـ"العربي الجديد": "يشتهر طبق الكسكسي في الجزائر، وله ميزة خاصة في هذه المناسبات لأنّه يلمّ العائلة، فيما ترمُز مكوّناته إلى مختلف ما تنتجه الأرض وتشكل فاتحة خير للعام الذي يبدأ مع برودة الطقس في يناير. وتُفضل العائلات طهي حساء "أوفتيان"، ويعتمد تحضيره على الحمص والقمح والفول وحبوب جافة أخرى ترمز إلى الوفرة والخصوبة، لكن أسراً تُحضّر طبق "العصيدة" الذي يتضمن الطحين والقمح والزبدة، وطبق "الشرشم" الذي يتكون من العدس والحمص والقمح، وهي مكونات تغلى مع الماء والملح. 

واللافت توزيع عائلات الأطباق في الشوارع لتقوية روابط الجيرة، ويُمارس سكان في مناطق وسط الجزائر، مثل تيبازة والتنس والشلف، طقساً تقليدياً يُسمى "أسفال" يلحظ ذبح رب البيت ديكاً رومياً أمام عتبة المنزل وإراقة دمه عند المدخل، وذلك بحسب اعتقاد سائد يهدف إلى "جلب الأماني وطرد الشر". ويجري شراء الحلوى واللوز والجوز وغيرها التي تعرف "بالدراز". أيضاً يوضع في هذه المناطق أصغر فرد في العائلة داخل إناء كبير، ويجري صب كل هذه المقتنيات عليه كرمز للخير.

وقال الباحث في الثقافة الشعبية بجامعة الجزائر، محمد تيميزار، لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتفالات بالسنة الأمازيغية تهدف إلى ترسيخ وحدة العائلة وتعزيز الروابط بين سكان الحي والمنطقة الواحدة، كما تعتبر فرصة للفرح ونشر التضامن بين الأفراد. ولا فرق بين غني وفقير في هذه المناسبة، وعلى مر العصور، اعتمد الأمازيغ على التقويم الفلاحي في زراعة أراضيهم وسقيها، حيث ينفذ هذا العمل من خلال التعاون والتضامن في ما بينهم خصوصاً في القرى.

ونظمت المحافظة السامية للأمازيغية احتفالات رسمية بالعام الجديد في مدينة تيميمون جنوب الجزائر. وجرى تكريم مبدعين في مجالات الثقافة والأدب والأنشطة الاجتماعية والحرفية ذات الصلة بالأمازيغية. وأمس الأحد نظِمت احتفالات في المدارس ودور الشباب تضمنت عروضاً مختلفة للملابس التقليدية والأطعمة والحرف القديمة، ومظاهر حياتية للمجتمعات الأمازيغية المحلية. ومنذ أن أقرت الحكومة الجزائرية الاحتفال الرسمي برأس السنة الأمازيغية في يناير 2018، بات هذا الاحتفال يوم عطلة رسمي في البلاد.

وتحمل السنة الأمازيغية بعداً تاريخياً مهماً إذ تشير إلى انتصار الملك الأمازيغي "شاشناق" على الملك رمسيس الثالث من الفراعنة في مصر عام 950 قبل الميلاد، إثر معركة اندلعت في منطقة بني سنوس قرب ولاية تلمسان أقصى غرب الجزائر عام 950 قبل الميلاد. لكن هذه القصة تثير جدلاً إذ يُنكرها مؤرخون يعتبرون أنها خرافة، وأن رأس السنة الأمازيغية يرتبط فقط ببداية السنة الزراعية، فيما يشمل جدل آخر الشق الديني إذ يحرّم شيوخ مظاهر الاحتفال، ويعتبرونها من الشرك. 

المساهمون