دونالد بينكل... أول طبيب ساعد في رفع نسب شفاء سرطانات الأطفال

دونالد بينكل... أول طبيب ساعد في شفاء سرطانات الأطفال بنسبة 94%

17 مارس 2022
حاول البحث عن علاجات مبتكرة لمساعدة الأطفال (مستشفى سان جود لأبحاث الأطفال)
+ الخط -

في خمسينيات القرن الماضي، لم يكن سهلاً البحث عن إمكانية إيجاد أدوية خاصة لسرطان الأطفال، نتيجة ضعف الأبحاث الخاصة بذلك، إلا أن الدكتور دونالد بينكل، حاول البحث عن علاجات مبتكرة لمساعدة الأطفال. كما سعى لخلق مساحة للتشاور بين الأطباء للتوصل إلى علاج المرضى الصغار الذين يعانون من أنواع نادرة من سرطانات الدم المعروفة باسم ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد (اللوكيميا).

وبحسب المجلة الطبية الأميركية، يعدّ ابيضاض اللمفاويات الحاد أحد أنواع سرطان الدم ونخاع العظم، وهو يتطور بسرعة كبيرة ويُنتج خلايا دم غير ناضجة، بدلاً من الخلايا الناضجة، وهو أشهر أنواع السرطانات انتشاراً بين الأطفال، وتوفِّر علاجاته فرصة جيدة للتعافي. ومن الممكن أيضاً أن يصيب الكبار، إلا أن فرصة علاجه في هذه الحالة تكون أقل بكثير.

برامج طبية

بدأ دونالد بينكل المتخصص في طب أورام الأطفال، حياته المهنية كطبيب أطفال وباحث في السرطان في مدينة بوسطن قبل أن ينتقل في العام 1961 إلى ممفيس لبدء وظيفة جديدة، مديراً ومؤسساً لمستشفى سان جود لأبحاث الأطفال.

خلال السنوات الـ12 التي قضاها في سان جود، ساعد الدكتور بينكل في تشكيل البرامج الطبية والبحثية للمستشفى المشهور حالياً، وحقق تقدماً كبيراً من خلال تطوير أول علاج فعال لسرطان الدم في مرحلة الطفولة.

فارق الدكتور بينكل الحياة في التاسع من مارس/آذار الحالي، عن عمر يناهز 95 عاماً، في منزله في سان لويس أوبيسبو، كاليفورنيا.

من هو دونالد بينكل؟

  • ولد دونالد بول بينكل في 7 سبتمبر/أيلول 1926 في مدينة بوفالو. كان والده بائع أجهزة، وكانت والدته ربة منزل وأما لسبعة أطفال.
  • أثناء خدمته في البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، درس في جامعة كورنيل واهتم بالبيولوجيا والعلوم.
  • بعد الحرب عاد إلى بوفالو، وتخرج في عام 1947 من كلية كانيسيوس.
  • في عام 1951 تخرج من كلية الطب بجامعة بوفالو (التي أصبحت الآن جزءا من نظام جامعة ولاية نيويورك).
  • خدم في الفيلق الطبي بالجيش كطبيب أطفال.

بعد إجراء أبحاث السرطان في بوسطن، عاد إلى بوفالو لقيادة قسم طب الأطفال في ما يُعرف الآن بمركز روزويل بارك الشامل للسرطان، وهو أقدم معهد لأبحاث السرطان في البلاد.

صحة الأطفال من بيئات فقيرة، وخاصة الأطفال الأميركيين من أصل أفريقي غالباً ما تتعرض للخطر بسبب سوء التغذية.

بالإضافة إلى أبحاثه حول سرطان الدم في مرحلة الطفولة في سان جود، قاد الدكتور بينكل جهوداً لدراسة اضطرابات الخلايا المنجلية وأنواع السرطان والأمراض الأخرى. كما لاحظ أن صحة الأطفال من بيئات فقيرة، وخاصة الأطفال الأميركيين من أصل أفريقي غالباً ما تتعرض للخطر بسبب سوء التغذية. بدأ خطة غذائية في سان جود أصبحت نموذجا لبرنامج التغذية التكميلية الخاصة الفيدرالية للنساء والرضع والأطفال.

غادر بينكل سانت جود في عام 1973 وعمل على مدى العقدين التاليين، في مستشفيات وكليات الطب في ويسكونسن وكاليفورنيا وبنسلفانيا وتكساس. تقاعد من الطب عام 1994 واستقر لاحقا في سان لويس أوبيسبو، إذ قام بتدريس علم الأحياء في جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية حتى بلغ من العمر 89 عاماً.

في عام 1972، كان بينكل أحد العلماء العديدين الذين حصلوا على جائزة ألبرت لاسكر للأبحاث الطبية السريرية. كما حصل على جائزة Charles F. Kettering لأبحاث السرطان والعديد من الجوائز الأخرى. في عام 2017 تم إطلاق اسمه على أطول مبنى في سان جود - والذي يضم الآن حرماً جامعياً ويعمل به نحز 5500 موظف وبميزانية سنوية تبلغ 1.2 مليار دولار – تكريماً له.

تزوج بينكل من ماريتا دونوفان في ديسمبر/كانون الأول 1949، ثم انفصلا. وتزوج لاحقا من كاثرين هوارث، الأخصائية في معالجة أورام الدم. لديه تسعة أبناء توفي أحدهم عام 2019. بعد تقاعده كطبيب، انتقل بينكل إلى سان لويس أوبيسبو، كاليفورنيا.

حادث غيّر حياته

تعرض بينكل لحادث غريب في بداية مسيرته المهنية، بحسب ما أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إذ أصيب بشلل الأطفال أثناء علاجه للأطفال في قاعدة عسكرية في ماساتشوستس، بسبب التهاب رئوي تعرض له نتيجة الطقس البارد في القاعدة العسكرية، فقرر الابتعاد عن فصول الشتاء الباردة في الشمال الشرقي، والانتقال إلى مناطق أخرى. في تلك الفترة، لعب صديقه الممثل الكوميدي أنذاك، داني توماس دوراً في تغيير مسيرة الدكتور بينكل. فقد أقنعه بالسفر إلى مدينة ممفيس، حيث كان العمل قد بدأ لتأسيس مستشفى سان جود.

عندما وصل الطبيب بينكل إلى ممفيس، كان المستشفى لا يزال قيد الإنشاء، كان مكتبه هو المساحة الوحيدة الصالحة للاستخدام.

في مقابلة أجراها عام 2016، وصف رحلته إلى ممفيس بالتحدي الكبير. حينها اعتقد المقربون منه، بأن بينكل قد بدأ بإنهاء حياته المهنية في تلك المدينة.

ساعد بينكل في تصميم المستشفى المتخصص بسرطان الأطفال، وأصر على وجود مكان عام مثل الكافيتريا، يمكن للأطباء والباحثين والمرضى وأولياء الأمور الاختلاط مع بعضهم البعض. كما عزز فكرة، مجانية العلاج. في ذلك الوقت، وفي عز الحرب السياسية الأميركية -الروسية، والمواجهة غير المباشرة لتعزيز قيم الليبرالية ومواجهة الشيوعية، كانت فكرة مجانية العلاج خطرة جداً، وقد تعرض بينكل حينها لاتهامات عديدة، أبرزها تسميته بالشيوعي، فبينكل لم يكن يعتقد أن دفع رسوم مالية لمعالجة الأطفال أمر واقعي.

قام بينكل بجولات منتظمة في المستشفى كطبيب، بينما أطلق أيضا جهدا بحثيا لإيجاد علاج لسرطان الدم في مرحلة الطفولة. نظر العديد من الأطباء إلى الدكتور بينكل بشكّ يقترب من السخرية.

وقال المدير الحالي والرئيس التنفيذي لشركة سانت جود، جيمس آر داونينغ، في مقابلة: "كان يعتقد أنه يمكن علاج سرطان الدم في مرحلة الطفولة، وهو أمر صعب جداً".

انتقده الكثير من الباحثين في ذلك الوقت، إذ كان أول من نادى بإمكانية خضوع الأطفال لتجارب طبية، في ظل موافقة الأهل، خاصة وإن كانت نسبة الشفاء قد تتخطى 96 في المائة.

تجارب جديدة

استفاد الدكتور بينكل من تجاربه السابقة في بوسطن من خلال عمله مع سيدني فاربر، الذي كان رائداً في استخدام العلاج الكيميائي لعلاج مرضى سرطان الدم الصغار.

في مستشفى سان جود، جرّب بينكل علاجات وجرعات دوائية مختلفة، وقرر في النهاية استخدام الأدوية  للقضاء على الخلايا السرطانية. كان التقدم بطيئاً في البداية، إلا أن بينكل كافح ليحافظ على أبحاثه وأفكاره.

ابتكر برنامجاً علاجياً يسمى Total Therapy ، ويجمع بين جرعات قوية من العلاج الكيميائي، وإدخال الأدوية في العمود الفقري لمهاجمة الخلايا السرطانية في الجهاز العصبي المركزي والعلاج الإشعاعي (الذي تم التخلي عنه لاحقًا) والعلاج الكيميائي المطول.

في الدراسات التي أجريت في أواخر الستينيات، نجح الدكتور بينكل في رفع "معدل الشفاء" لمدة خمس سنوات لمرضى سرطان الدم في مرحلة الطفولة إلى 50 بالمائة - وهو إنجاز غير مسبوق شكك فيه بعض المهنيين الطبيين في أنه قد يكون صحيحا. نشر بينكل دراسة عن النتائج التي توصل إليها في مجلة الجمعية الطبية الأميركية في عام 1971.

وصف أحد المشككين، ألفين ماور، الدكتور بينكل بالمحتال، ولكن بعد زيارة إلى سان جود، نال إعجابه لدرجة أنه خلف بينكل في منصب مدير المستشفى.

في السنوات التي تلت التجارب الأولى للطبيب بينكل، تم تبني مفهومه للعلاج الشامل على نطاق واسع في الطب. تحسن علاج سرطان الدم لدى الأطفال لدرجة أن معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لدى المرضى يبلغ 94 في المائة.

المساهمون