دورات المياه في مخيّمات نزوح غزة: معاناة مضاعفة في قلب الكارثة

21 ابريل 2025
دورات مياه وسط الركام في غزة، خانيونس، 29 مايو 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني مخيمات النزوح في غزة من أزمة حادة في دورات المياه بسبب تدمير البنية التحتية وزيادة أعداد النازحين، مما يؤدي إلى طوابير طويلة وغياب الخصوصية والنظافة، خاصة مع نقص المياه، مما يزيد من المعاناة النفسية والجسدية للنازحين.

- تساهم الظروف غير الصحية في المخيمات في تفشي الأمراض وتهدد بانتشار الأوبئة، خاصة مع نقص الأدوية والرعاية الطبية، مما يدفع النازحين لتقليل استخدام الحمامات، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

- يلجأ النازحون إلى إنشاء مراحيض طوارئ بدائية، مما يزيد من تفاقم الأزمة الصحية والبيئية، حيث يتم تجميع المياه العادمة في حفر قريبة من المخيمات، مما يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة والحشرات.

برزت أزمة دورات المياه (الحمامات) في مخيّمات النزوح في خضم الأزمة الإنسانية الخانقة التي يعيشها أهالي قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، بوصفها واحدةً من أكثر القضايا إلحاحاً وتأثيراً على حياة النازحين. ومع تزايد أعداد العائلات التي اضطرت إلى مغادرة منازلها ومناطقها السكنية قسراً بسبب العدوان وتدمير البنية التحتية، لم تعد مرافق الإيواء المتوفرة قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من الناس.

في العديد من المدارس والمباني العامة التي تحولت إلى مراكز إيواء مؤقتة، يتشارك المئات من الأشخاص حماماً واحداً أو اثنين فقط، ما يؤدي إلى طوابير طويلة وانتظار لساعات، خاصّة للنساء والأطفال، الأمر الذي يفاقم من معاناتهم اليومية. ويتسبب الاكتظاظ الشديد أمام الحمامات المشتركة وغير المجهزة أصلاً لاستقبال هذه الأعداد في غياب الخصوصية وانعدام النظافة، خاصّة في ظل عدم توفر المياه بشكل كافٍ، وهو ما جعل استخدام الحمامات أمراً مرهقاً نفسياً وجسدياً.

الصورة
مدرسة تابعة لوكالة أونروا غرب مدينة غزة، 25 أكتوبر 2024 (Getty)
مدرسة تابعة لوكالة أونروا غرب مدينة غزة، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

وتساهم هذه الظروف غير الصحية في تفشي الأمراض الجلدية والهضمية، وتهدد بانتشار الأوبئة، خصوصاً في ظل نقص الأدوية والرعاية الطبية جراء إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، إذ يشعر العديد من النازحين، خاصة النساء والفتيات، بالحرج والقلق المستمر بسبب غياب الحمامات المناسبة والآمنة وانتشار الحمامات المصنوعة من الأخشاب والبلاستيك، ما يدفع البعض إلى تقليل شرب المياه أو تجنّب استخدام الحمامات لساعات طويلة، ما قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة مثل التهابات المسالك البولية.

ويعتبر الأثر النفسي والاجتماعي أعمق من الجانب الصحي، فالحرمان من حمام نظيف وآمن ليس مجرد مشكلة لوجستية، بل يصيب النازحين بشعور دائم بامتهان وانتهاك كرامتهم الإنسانية، بسبب شعور الإذلال والعجز، بينما تتعمق مشاعر الغضب والحزن، لحظة التعرض لمواقف محرجة. 

ويجري تصنيع مراحيض الطوارئ "المراحيض الجافة" عبر حفر حفرة عميقة وتغطيتها بصفيحة أو لوح خشبي مع فتحة، ويبنى حولها سور من القماش أو الخشب لخصوصية الاستخدام، وعند امتلاء الحفرة بالفضلات يجري ردمها وحفر أخرى.
ويقول النازح عبد الله اللوح (32 عاماً) إنه اضطر إلى التشارك مع بعض أصحاب الخيام المجاورة في حمام واحد بسبب التكاليف المرتفعة وسوء الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب محدودية المكان المخصص لخيامهم. ويلفت اللوح لـ"العربي الجديد" إلى تشارك نحو 18 شخصاً في استخدام حمام صغير، جرّاء عدم تمكّنهم من الحصول على الحمامات الجاهزة والمصنوعة من الصفيح التي يجري توفيرها لبعض المخيمات، ويقول "على الرغم من ضعف الحمامات الجاهزة أيضاً، إلّا أنها أفضل من الحمامات البلاستيكية". ويضطر اللوح ومن معه للتناوب على تنظيف محيط الحمام المؤقت، وتغطية الفضلات بالرمل، لإخفاء الروائح الكريهة والحد من انتشار الحشرات قدر المستطاع، ويقول إنهم يواجهون تحديات كبيرة نتيجة شح المياه، والغلاء الشديد في أسعار مواد التنظيف.

وتتمحور نواة الأزمة في إجبار الفلسطينيين على ترك بيوتهم والتوجه نحو المناطق المفتوحة وغير المجهّزة بالبنية التأسيسية وشبكات الصرف الصحي، الأمر الذي يدفعهم نحو إنشاء حمامات صغيرة، سيئة التصريف، إذ يجري تجميع المياه العادمة في حفرة ملاصقة للحمام المؤقت، وهو ما يتسبب بتفشي المكرهة الصحية.
ولم يتمكّن الكهربائي المتعطل عن العمل أسعد الأيوبي (45 عاماً) من تخصيص حمام لأسرته المكونة من ستة أفراد، بسبب ضيق المكان المخصّص لخيمته، وعدم وجود مساحة فاصلة بينه وبين الخيام المجاورة، ويلفت الأيوبي لـ"العربي الجديد" إلى أنه تشارك مع عدد من جيرانه في حمام واحد، إذ حُفِرت حفرة تبعد أمتاراً عدّة عن الخيام، وغُطِّيت بأكياس النايلون وألواح الزينكو، فيما يحمل كل من يريد استخدام الحمام المياه الخاصة به، بفعل عدم تمكنهم من حل أزمة المياه.

وتواجه الفلسطينية أم عزام حماد (40 عاماً) تحدياً يومياً في استخدام الحمام، إذ لا يمكن لحمام لا يتجاوز مساحة 80 سنتيمتراً، أو متر مربّع، تلبية الاحتياجات المختلفة لكل الفئات العمرية، سواء للأطفال أو كبار السن، كما لا يمكنه مراعاة خصوصية النساء والفتيات. وتوضح حماد وهي أم لخمسة أبناء لـ"العربي الجديد" أنه في الأيام الأولى للنزوح لم تمتلك الأسرة حماماً خاصاً، ما كان يضطرهم لاستخدام حمام عام، حتى صنع زوجها حماماً بسيطاً من شادر وخشب، وحفر حفرة صغيرة إلى جانبه ويحاول ردم الطفح على الدوام. وتصف حماد أن الأوضاع التي تمرّ بها عائلتها بأنها "كارثية وغير آدمية"، إذ تعيش في خيمة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، كما أنها تستخدم حماماً يفتقر إلى أدنى متطلبات الكرامة أو الخصوصية.

وتعد أزمة الحمامات والمراحيض في مخيّمات النزوح في غزة من أكبر التحديات الإنسانية، خاصة في ظل تدمير البنية التحتية، ما ينذر بانتشار الحشرات والروائح الكريهة والأمراض، فيما تصنع عقبات أمام النظافة الشخصية، إذ تحُدُّ من قدرة العائلات على الاستحمام أو غسل الملابس.

المساهمون