"دمك برقبتنا"... انتفاضة في السويداء ضدّ "جرائم الشرف"

"دمك برقبتنا"... انتفاضة في السويداء ضدّ "جرائم الشرف"

04 يناير 2021
تتسم السويداء كما مدن سورية عدة بمجتمعات أبوية زراعية متشددة (طلال الأطرش/ فرانس برس)
+ الخط -

بينما تطور القانون في مناطق النظام السوري لجهة تصنيف ما يعرف بـ"جريمة الشرف" باعتبارها كأيّ جريمة أخرى، فإنّ إحدى مواده تستمر في دعم الجناة. في محافظة السويداء ما زال القتلة يستفيدون من تخفيف العقوبات

شهدت محافظة السويداء، جنوبي سورية، في الفترة الأخيرة عدداً من جرائم قتل ارتكبت ضد نساء من المحافظة، يصنّفها جزءٌ من المجتمع "جرائم ماسّة بالشرف" بحسب التصنيف القانوني. وعلى خلفية حوادث القتل هذه، شهدت المدينة تحرّكاً من ناشطين وحقوقيين ومدنيين نظّموا وقفاتٍ احتجاجية تحت عنوان "دمّك برقبتنا" تطالب بوقف هذه الجرائم ومعاقبتها. يأتي هذا فيما شهد القانون السوري تعديلًا على هذه الجرائم وألغى ما يُعرف بـ"العذر المخفّف". لكنّ القائمين على الوقفات الاحتجاجية يرون أنّ هذه التعديلات غير مجدية.

يُشير مصطلح "دمّك برقبتنا" في اللهجة السورية إلى أنّ دماء القتيلة "أمانة في عنقنا"، وهذا الشعار اتخذه المحتجّون على جرائم الشرف في السويداء. والتقت "العربي الجديد" بالطبيبة والناشطة الحقوقية، لجين حمزة، التي تعيش في مدينة السويداء، وتنشط في مجالي حقوق المرأة وحقوق الإنسان. تقول: "دمك برقبتنا هي وقفة احتجاجية دعونا إليها أنا وبعض النشطاء من الزملاء والأصدقاء، كردّ فعل على ازدياد ما يسمى بجرائم الشرف بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، والتي غالباً ما تُرتكب بطريقة عنيفة جداً". تضيف حمزة: "الوقفة الاحتجاجية كانت في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ونظّمناها باستقلالية تامّة كمجموعة نشطاء مؤمنين بحقوق الإنسان وبالحياة لكلّ إنسان، بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو لونه أو دينه" موضحةً أنّ فكرة الوقفة جاءت لإيصال صوت هؤلاء النشطاء وتعريف القائمين على تطبيق القوانين بأنّ الرأي العام فاعل وأنّ دماء الضحايا لن تذهب من دون عقاب.
ووقعت في محافظة السويداء جرائم عدة تحت هذا التصنيف مؤخراً، إذ أحصى القائمون على الحملة تسع جرائم من النوع نفسه، كان آخرها تلك الحادثة التي وقعت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما قُتلت امرأة ثلاثينية بطريقة وحشية تحت ذريعة "الشرف" إذ ضربتها والدتها وخالها بالمطرقة حتّى فارقت الحياة. وبحسب ما ذكر موقع محلي معني بتوثيق أخبار محافظة السويداء، فإنّ الشرطة ألقت القبض على رجل وامرأة  كانا يحاولان إخفاء جثة سيدة تدعى "أمل ز." قرب محلة مشحم المرود، في مدينة السويداء، بعد الإبلاغ عنهما. وبعد نقل جثّة الضحية إلى المستشفى الوطني في السويداء، تبيّن أنّ وفاتها ناجمة عن ضربات شديدة على الرأس بواسطة مطرقة حديدية (شاكوش). وبحسب المصدر نفسه، اعترفت المرأة وشقيقها (أم وخال المغدورة) بارتكاب الجريمة من دون أيّ إكراه، وبداعي "الشرف". ويبلغ عمر الضحية أمل 36 عاماً، وهي منفصلة عن زوجها منذ سنوات، وتقيم مع ابنها الوحيد البالغ من العمر 17 عاماً، في منطقة مصاد، شرقي السويداء.

الصورة

قبل ذلك، وقعت جريمة قتل في محافظة السويداء أيضاً في يونيو/ حزيران 2019، بحق امرأة أربعينية، أرملة منذ عشر سنوات، وهي أيضاً أم لثلاثة أبناء، إذ قتلها شقيقها تحت ذريعة "الشرف" بعدما اتهمها بتشغيل ابنتيها القاصرتين بالدعارة.
وتسرد لجين حمزة قصة أخرى، إذ قُتلت فتاة عمرها 16 عاماً كانت متفوّقة في دراستها، ولديها موهبة الرسم، وذلك بعدما تأخّرت لمدّة ساعة عن الدوام المدرسي، إذ قرّرت أن تتناول مع صديقها المثلّجات وتأخر الوقت، لكن الموجّهة في المدرسة اتصلت بوالد الفتاة وأبلغته أنّ ابنته لم تأتِ إلى المدرسة، ما دفع والد الفتاة للتوجّه إلى هناك، وكانت قد وصلت، فوقعت مشادة كلامية بينه وبين الكادر الإداري، وتطوّرت المشادة إلى حدٍ قال فيه أحد إداريي المدرسة: "ربِّ بنتك" ما دفع والد الفتاة لسحب يدها بعصبية، ثم قتلها بعد ساعة ونصف بإطلاق النار عليها في منطقة نائية. توضح حمزة أنّ الفحص الذي أُجري لجثمان الفتاة أثبت عذريتها، لكنّها راحت ضحية ذلك الموقف.

"الجرائم الماسة بالشرف" عبارة قانونية تعني الجريمة المدفوعة بـ"الدافع الشريف" لكنّ قانون العقوبات السوري عرّف الدافع بأنّه "العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها" غير أنّ القانون لم يعرّف "الدافع الشريف" وترك أمر تعريفه وتحديده للقاضي. وقالت المحكمة في اجتهاد آخر إنّ "الدافع الشريف هو عاطفة نفسية جامحة تدفع صاحبها إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه لا سبيل إلى تجاهلها وإهمالها وطرحها وهي الحفاظ على العرض والذود عنه ويعتبر الدافع موجوداً لمجرد وقوع القتل تحت تأثير اعتداء القتيل على عرض القاتل ولا عبرة في ذلك للزمن طال أم قصر". وأخرجت محكمة النقض من شمول "الدافع الشريف" من يبتغي من جريمة القتل مصلحة شخصية أو إشباع أحقاد أو إطفاء شهوة في الانتقام أو ثورة لكرامة شخصية، لأنّ "الدافع الشريف" يجب أن يكون بعيداً عن الحقد أو الانتقام أو الثأر، كما أكدت أنّه لا يجوز الأخذ بالدافع الشريف عند انتفاء التلازم بينه وبين فعل القتل وذلك بظهور أدلة أخرى تكفي للدلالة على قيام حالة معاكسة تنفي وجود هذا الدافع، وتؤكد أنّ الفعل وقع نتيجة دوافع أخرى، وعلى هذا، فإنّ قتل الأب لابنته بعد تزويجها، ولأسباب تعود إلى سوء سلوكها قبل الزواج، ينفي عنه "الدافع الشريف" على سبيل المثال.

الصورة

ويُمكن توضيح التدرّج القانوني السوري في ما يخص قضايا "جرائم الشرف" في أربعة تطوّرات قانونية، الأول وفقاً للمرسوم التشريعي رقم 148 الصادر عام 1949، وهذا المرسوم يعفي القاتل بدافع الشرف من العقوبة، ويقضي بإطلاق سراحه. أمّا التطوّر الثاني، فحدث في عام 2009، عندما جرى التخلي عن المرسوم رقم 148 الذي يعفي القاتل، وصدرت عوضاً عنه المادة 548 في قانون العقوبات السوري، والتي نصّت على معاقبة القاتل، لكن بشكلٍ مخفّف، لتكون عقوبته الحبس لمدة سنتين كحدّ أقصى، مع الإشارة إلى أنّ استخدام مصطلح "الحبس" بدلاً من "السجن" في هذه المادة بشير إلى اعتبار عملية القتل هنا جنحة وليست جناية. وفي عام 2011، أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، المرسوم رقم 1، ونصت المادة 15 منه على إلغاء المادة 548، ووضع بدلاً منها نصاً يقول: "يستفيد من العذر المخفف، من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته، في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما، أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، وتكون العقوبة الحبس من 5 سنوات إلى 7 سنوات في القتل". وفي 12 مارس/ آذار 2020، أقرَّ مجلس الشعب (البرلمان) السوري، إلغاء الأعذار المخفّفة لمرتكبي "جرائم الشرف" لتصبح هذه الجرائم حالها كحال أيّ جرائم أخرى على حدٍ سواء.
لكن، على الرغم من ذلك، تشير حمزة إلى أنّ هذا التعديل غير مجدٍ طالما أنّ "المادة 192" من هذا القانون ما زالت قائمة. وتنصّ هذه المادة على أنّه إذا تبيّن للقاضي أنّ الجريمة كانت بـ"دافع شريف" فإنّه يقوم بالاعتقال المؤبّد أو 15 سنة بدلاً من الأشغال الشاقّة، أو الاعتقال المؤقّت بدلاً من الأشغال الشاقّة المؤقّتة، أو الحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل. وترى حمزة أنّ هناك مشكلة كبيرة بتطبيق القانون، بالإضافة إلى وجود مشكلة في المجتمع، قائلةً: "مجتمعنا زراعي يعتمد على ملكية الأراضي الزراعية واليد العاملة، وانحصرت هذه الملكية بالرجال لذلك همشت المرأة كثيراً وباتت هي نفسها أشبه بالملكية، في حياتها واختياراتها ورغباتها التي تتبع رغبات العائلة".

كوفيد-19
التحديثات الحية

في البحث عن أسباب هذه الجرائم، تستبعد لجين حمزة أن تكون لها علاقة بالحريات الجنسية، لأنّ غالبية النساء اللواتي قُتلن تبيّن أنّهن عذراوات، لكنّ حرّية اختيار الفتاة والمرأة شريكها دافع وارد، خصوصاً إذا كان الشريك من طائفة دينية مختلفة، إذ يُنظر لهذا الأمر في بعض الطوائف على أنّه عار كبير ويستوجب القتل. تلفت إلى أنّه في الوقت الذي يقبل المجتمع زواج رجل من طائفة معينة، لا سيما الطوائف المغلقة، من امرأة من طائفة أخرى، فإنّه يرفض زواج الفتاة من رجل من طائفة أخرى. وترى أيضاً أنّ جرائم عدة يجري ارتكابها بهدف مادي، مثل الاستيلاء على الميراث أو أموال تملكها الضحية أو السرقة، ويجري التذرع بـ"الشرف" فيما كثير من الجرائم هي بهدف التخلص من الزوجة مثلاً، للزواج بأخرى، أو لأسباب كيدية وانتقامية.

المساهمون