دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس تونس... محاولات فردية بدون تأطير

دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس تونس... محاولات فردية من دون تأطير

15 أكتوبر 2021
الدمج يأتي في سياق مبدأ المساواة في فرص التعلم (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

 

ما زالت دول عربية كثيرة تتخبّط في إطار دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الإعاقة في التعليم المدرسي. تونس واحدة من تلك الدول.

تبحث مدرّسة الصف الرابع ريم المعيطي عن مساعدة صحية جسدية ونفسية من أجل النجاح في دمج ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الإعاقة من بين تلاميذها هذا العام، مراهنة على كسب تحدّي تحقيق نتائج دراسية جيدة معهم، الأمر الذي من شأنه أن يمنع عنهم شبح الإقصاء المدرسي الذي يعاني منه عدد كبير من هؤلاء في التعليم الحكومي في البلاد. تقول المعيطي لـ"العربي الجديد": "طلبت من إدارة المدرسة حيث أعمل مراسلة مسؤولين في الطب المدرسي في مدينتي من أجل الحصول على حصص مرافقة أو مساعدة تمكّنني من آليات تواصل بيداغوجية (تربوية) مع تلاميذي، ولا سيّما أنّني لاحظت إمكانات كبيرة لدى اثنَين منهم مصابين بطيف التوحّد". تضيف المعيطي: "وما زلت أنتظر رداً رسمياً من إدارة المدرسة للحصول على المساعدة اللازمة لكسب التحدّي الذي رفعته"، مؤكدة بقولها: "أشعر بمسؤولية مضاعفة تجاه هؤلاء التلاميذ، ولا سيّما أنّ كثيرين من المصابين بطيف التوحّد يمتلكون قدرات كبيرة على حفظ المعلومات، حتى إنّ زملاءهم يصفونهم بموسوعة القسم".

وتشير المعيطي إلى أنّ "25 عاماً من التدريس في القطاع الحكومي كانت كافية لأكوّن قناعة بأنّ ذوي الاحتياجات الخاصة (وذوي الإعاقة) يعانون من الإقصاء، على الرغم من محاولات دمجهم بمقتضى القانون التوجيهي للتعليم في بلادي". وتطالب المدرسة بـ"ضرورة تأهيل المدرّسين والكادر التربوي في مجال رعاية هؤلاء ودمجهم، ولا سيّما الذين يملكون قدرات كبيرة تستطيع أن تجعل منهم تلاميذ مميزين". وتتابع المعيطي قائلة إنّ "مبادرات المدرّسين الفردية قد تكون محدودة النتائج إذا لم تأتِ في إطار مجهود وطني يخفف من الإقصاء التعليمي لتلك الفئة من التلاميذ".

والواقع في تونس يختلف عمّا تنصّ عليه القوانين، إذ يجد المدرّسون صعوبات كبيرة في دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في الفصول، لأنّ ذلك يحتاج إلى جهد مضاعف وعناية خاصة، فيما يواجهون في الوقت ذاته اكتظاظ الصفوف وعدم القدرة على الملاءمة ما بين متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة ومتطلبات باقي التلاميذ.

وتنصّ المادة الـ 47 من الدستور التونسي على أنّ "حقوق الطفل على أبوَيه وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم. وعلى الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل". وفي المادة الـ 48 من الدستور "تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كلّ تمييز. لكلّ مواطن ذي إعاقة الحقّ في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان ذلك".

ولا تكشف أيّ بيانات رسمية عن عدد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الإعاقة المدمجين في التعليم الحكومي، غير أنّ تقريراً للأمم المتحدة يشير إلى أنّ عدد المدارس الدامجة هو 327 مدرسة يقصدها 1497 تلميذاً يحملون إعاقات خفيفة ومتوسطة، من دون احتساب هؤلاء المدمجين تلقائياً والبالغ عددهم ستة آلاف تلميذ. لكنّ نتائج الإحصاء الوطني لعام 2014 تشير إلى أنّ 2.3 في المائة من الشعب التونسي (نحو 252 ألف شخص) مصابون بإعاقة ما، و37 في المائة منهم أطفال، علماً أنّ 16 في المائة من بينهم مصابون بإعاقات سمعية.

الصورة
تلاميذ تونسيون في تونس 2 (ياسين قايدي/ الأناضول)
مهمة الدمج صعبة غير أنّها ليست مستحيلة (ياسين قايدي/ الأناضول)

وفي سياق متصل، يؤكد الباحث في علم الاجتماع المتخصص في الشأن التربوي منذر عافي لـ"العربي الجديد" أنّ "دمج ذوي الاحتياجات الخاصة (وذوي الإعاقة) من التلاميذ يندرج في سياق احترام حقوق الإنسان ومبدأ المساواة في فرص التعلم بين الجميع من دون استثناء، شرط توافر الظروف الملائمة". ويقول عافي إنّ "مدارس ابتدائية عدّة عمدت منذ زمن إلى استيعاب التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة (وذوي الإعاقة)، خصوصاً ممّن يعانون من اضطرابات التعلّم وصعوباته. وقد شهد هذا الدمج صعوبات عدّة، وتبيّن في أكثر من حالة أنّ مدارس عدّة لم تكن مهيّأة بما فيه الكفاية لجهة البنية التحتية اللازمة للاهتمام بهؤلاء التلاميذ وحسن رعايتهم وتأطيرهم نفسياً وبيداغوجياً، فضلاً عن نقص التكوين البيداغوجي لدى المدرّسين المكلفين مرافقة هذه الفئة من التلاميذ".

يضيف عافي أنّ "مقاربة الدمج تقتضي توفر مختلف المقاييس العلمية والمعرفية والبسيكوموترية المساعدة في الدمج العادي والمتوازن لتلاميذ مختلفين لكنّهم يستطيعون التكيّف إذا أحسنت الجهات الدامجة التعامل معهم ومرافقتهم". لكنّه يقرّ بـ"صعوبة مهمة الدمج"، غير أنّه يرى أنّها "ليست مستحيلة"، لافتاً إلى أنّ "جهود الدمج المدرسي في تونس بدأت تنتظم في إطار بيداغوجي واضح يهدف إلى الحدّ من الهدر المدرسي والارتقاء بالتحصيل المدرسي إلى المستويات المأمولة". ويطالب عافي بـ"ضرورة الاهتمام بتكوين المدرّسين وتأطيرهم وإعدادهم إعداداً جيّداً لحسن المرافقة والتأطير"، مؤكداً أنّ "المنظومة  التربوية في تونس أدركت بجدية أهمية الدمج المدرسي، وهي تعمل على توفير الأسباب الكفيلة بحسن إنجاحه".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومنذ عام 2005، بادرت وزارة التربية في إطار الإصلاح الشامل للنظام التربوي بإدراج مواد أساسية حول حقوق الإنسان والحريات الأساسية وقبول الآخر في مناهجها. كذلك أُدرجت بمقتضى ذلك محاور تتعلّق بالإعاقة وخصوصيات الأشخاص ذوي الإعاقة ومتطلبات دمجهم من ضمن برامج التعليم والتكوين في الشعب والاختصاصات الجامعية والمهنية.

المساهمون