دروس من الإبل

دروس من الإبل

17 ديسمبر 2020
لا تدانيها سوى مكانة الخيل (فرانس برس)
+ الخط -

كان الأعراب يسمونها (المال)، كيف لا وهي عزوتهم، وقياس ثرواتهم، ومقياس قوتهم، ولها في نفوسهم مكانة عظيمة لا تدانيها سوى مكانة الخيل. فقد كانت الإبل رفيقة بهم، ورفيقة لهم، تعلمهم الصبر، وتشاركهم مكابدة العيش، وعشق الحياة القاسية. فهي لديهم وسيلة النقل والترحال، وأنيس الخليات، ورفيق الدروب الطويلة. وهي المطية والزاملة، ولها عديد الأسماء والأنواع. 
تتميز الإبل بذاكرة قوية تستطيع من خلالها معرفة الأماكن التي نشأت فيها، والطرقات التي تمشيها، وتتمتع بقدرات عجيبة في التعرف على الطريق في عتمة الليل وفي أعماق الصحراء، ولها قدرة على مساعدة البدو في التعرف على الطريق الذي يقصدونه في حال تاهوا في الصحراء. ويقولون أن مسمى (سفينة الصحراء) جاء من تشبيه طريقة سيرها بين الكثبان، كما السفينة وهي تتمايل بين الأمواج.
المعروف أنه عندما يتعرض الجمل للجوع أو العطش الشديد فإنه يقوم بتحويل ما يحتاج إليه من الدهون المخزنة في سنامه الذي قد يصل إلى 45 كيلوغراماً من الوزن إلى غذاء وماء، وبذلك يمكنه أن يصبر على الجوع والعطش لعدة أيام. لذا نقول عن الإبل أنها (حمّالة التقيلة) إذ يستطيع البعير أن يحمل ما وزنه 500 رطل، ولمسافة تبلغ الـ40 كيلومتراً، أو لثلاثة أيام دون أن يشرب الماء، ولكن كيف يدرك صاحب البعير الوزن الأمثل لحمولة بعيره دون أن يشق عليه، ودون أن يعرض حمولته للإسقاط في منتصف الطريق؟
لدينا في السودان تعبير يعني تحمُّل المسؤولية، نردده ولا يدرك الكثيرون أن مصدره الإبل. إذ نقول (دقّ سدره) بمعني تحمّل مسؤوليته، و(دُق سدرك) والسين هنا هي صاد في الدارجة السودانية، أي تحمّل مسؤوليتك، وقم بواجباتك. ولأهل البوادي حكمتهم عندما يضعون أغراضهم على أحد الجمال، إذ يجلعونه يقف على قدميه، ويراقبون ردة فعله، فإن قام بضرب صدره بيسراه، فمعني ذلك أنه قادر على توصيل هذه الحمولة إلى أي مكان، وإن لم يفعل فإنهم يبركونه (يجلسونه) ويُنقصون الحمولة، وهكذا حتى يقوم بـ(دق صدره)، حينها يدركون أن حمولتهم في مأمن، وأن البعير نفسه في مأمن.

موقف
التحديثات الحية

لماذا لا يتعلم لدينا من يحملون مسؤوليات إدارة شأن الموارد من البعير، وإخطارنا بمقدرتهم من عدمها، حتى لا تصبح المسؤولية الملقاة على عاتق الواحد من هؤلاء عُرضة لخطر الإسقاط قبل بلوغ منتهى الرحلة، أو أنها ستُهلك حاملها، فلا يستطيع تحملها، فيسمح لأيدي الآخرين بالوصول إليها، وبعثرتها من على ظهره؟ 
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون