استمع إلى الملخص
- يعيش الدروز في إدلب بانسجام رغم التحريض ضدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض خطباء المساجد. تحاول السلطة المحلية طمأنتهم، لكن يبقى القلق موجوداً مع دعوات لتجريم الخطاب التحريضي.
- تمكنت بعض العائلات من استعادة ممتلكاتها، بينما يواجه آخرون صعوبات بسبب غياب أفراد أو ارتباطهم بأعمال خارجية. بعض النازحين يفضلون البقاء في مناطق نزوحهم الجديدة لتحقيق استقرار اجتماعي واقتصادي.
شهدت محافظة إدلب، شمال غربي سورية، انفراجة في ما يخص أوضاع الطائفة الدرزية، إذ تمكنت عائلات من العودة إلى قراها وبلداتها بعد سنوات من النزوح، وبينما تسعى بعض العائلات إلى الاستقرار في ديارها، وجدت أخرى أن أماكن نزوحها باتت أكثر ملاءمة بعدما أسست فيها حياة جديدة، لكنها رغم ذلك، لا تزال تسعى لاستعادة ممتلكاتها.
ينحدر عبد المجيد شريف، من بلدة كفتين شمالي إدلب، وقد بقي مقيماً فيها، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الأهالي شعروا بانفراجة حقيقية بعد سقوط نظام الأسد، إذ أتيحت الفرصة للغائبين لزيارة أهلهم وذويهم، والشهر الأول كان أشبه بحالة من الفرح العمومي. السكان يعتمدون على دخل الأرض وبعض المهن اليدوية في ظل غياب الموظفين الحكوميين، ما دفع معظم الشباب خلال الفترة الماضية إلى التوجه نحو جرمانا والسويداء، فدخل الأرض لا يكفيهم، والبعض قرروا الهجرة إلى أوروبا ودول الخليج، بينما كان عدد من عملوا في منظمات إنسانية قليلاً".
من الناحية الأمنية، يشدد شريف على أن "أبناء الطائفة الدرزية في إدلب منسجمون مع بيئتهم ومجتمعهم، ولا يوجد بينهم مقاتلون مع النظام أو حتى مؤيدون له، والظروف التي عايشوها بعد تحرير إدلب من النظام مباشرة شملت تعرض بعضهم لعداء يعتمد على الهوية مارسه متطرفون، من دون أن يكون هناك أي عمل عدائي من جهتهم. حالياً، لا توجد مضايقات فعلية على أرض الواقع، لكنّ هناك أصواتاً متطرفة وغوغائية تحمّل الدروز مسؤولية الخلاف، وتحرض ضدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تُكتب على جدران قراهم عبارات مسيئة أو تحريضية، فضلاً عن قيام بعض خطباء المساجد بممارسة التحريض، لكن السلطة لم تشارك في ذلك، وتحاول طمأنتنا، ورغم ذلك لا يخلو الأمر من شعور بالقلق، ومن واجب السلطة تجريم الخطاب التحريضي والمعاقبة عليه، فليس بين أبناء الطائفة الدرزية فلول أو أعداء للثورة".
وحول أوضاع العائدين، يؤكد أن "بعض العائلات عادت وتسلّمت بيوتها وأراضيها، لكن ليس جميعهم، إذ يوجد غائبون، ومتوفون، ما يجعل تنفيذ الإجراءات المطلوبة لاستعادة الأراضي صعبة، كما أن بعضهم مرتبط بعمل في الداخل أو الخارج، ما يجعل عودتهم معقدة، وقد طرحنا على السلطة في إدلب، قبل سقوط النظام، وعندما بدأت بإعادة بعض الممتلكات، أن تردّ جميع الممتلكات إلى من كان يتسلّمها قبل المصادرة بدون تعقيدات، بحيث تُحل الخلافات بين المواطنين أمام المحاكم في حال الاعتراض".
في سياق متصل، يشير شريف إلى قضية الأملاك العامة التي صودرت من دون سبب، ومن بينها فرنا في قريته (كفتين)، والذي تسلّموه من إحدى المنظمات الإنسانية، لكنه تمت مصادرته مع جميع لوازمه ومؤونته من دون وجه حق، وما زال حتى الآن على هذه الحال، معرباً عن أمله في أن يتمكنوا من استعادته بدعم من الجهات المعنية لخدمة أهالي القرية.
بدوره، يوضح راضي سليمان لـ"العربي الجديد"، أنه وصل إلى محافظة السويداء نازحاً من منطقة جبل السماق في ريف إدلب، عقب المعارك العسكرية هناك في عام 2015، وحينها ارتُكبت انتهاكات بحق الدروز في المنطقة القريبة من الحدود التابعة لمنطقة حارم.
يضيف سليمان: "بالنسبة لي، لا أفكر في العودة إلى بلدتي في الوقت الحالي، ولا حتى في المستقبل القريب، فقد تزوجت هنا في السويداء، وكونت أسرة، كما حققت نوعاً من الاستقرار في العمل الذي أسسته خلال سنوات إقامتي هنا. في هذه المنطقة لا أشعر أبداً بالتمييز، فأنا بين أناس كونت معهم صداقات وعلاقات أخوة. قد أذهب لزيارة منطقتي، لكن أن أستقر هناك فهذا الأمر مستبعد".
ويوضح أن "قسماً من الأهالي بقي في المنطقة، واستمروا في العمل بالزراعة ومتابعة أمور ممتلكاتهم، وعلمت مؤخراً من بعض أقاربي أن بعض العوائل بدأت بالعودة إلى منازلها".
ويقول إبراهيم الدغيم، وهو نازح من بلدة جرجناز في ريف إدلب الجنوبي، لـ"العربي الجديد"، إنه يقيم في كفتين منذ حوالي ستة أشهر، مشيراً إلى أن من تركوا منازلهم وغادروا قبل نحو عامين، كان يقيم في منازلهم أناس آخرون، لكن منذ أكثر من عام، بدأ هؤلاء بدفع إيجار هذه المنازل، ومنذ سقوط النظام، عادت بعض العوائل، في حين أن بعضهم العائدين غادروا مجدداً.
ويوضح الدغيم أن "الوضع في كفتين ومعرة الإخوان شهد بعض الإساءات في وقت سابق، لكن الأمور أصبحت جيدة مؤخراً، والكثير من الأهالي مرتبطون بأعمال أو وظائف، ولم يستقروا بعد، وجاري الذي لا يزال منزله مغلقاً، زار المنزل قبل فترة لتفقده، وأخبرني أنه لا يمانع في تأجيره إذا رغب أحد في استئجاره. أحد أقاربي كان منزله مأهولاً بأحد الأشخاص، وبعد سقوط النظام، طلب منه إخلاءه، فاستجاب المستأجر لذلك من دون أي إشكال".
أما رياض العبد الله، وهو تاجر أحذية مقيم في مدينة السويداء، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنه نزح من محافظة إدلب في عام 2013، واستقر مع عائلته في السويداء، وامتهنوا تجارة الأحذية، وأنهم تركوا خلفهم أرزاقهم حتى تتضح الصورة، وكلفوا أقاربهم بالاهتمام بها، خاصة مشاريع الزيتون. ويضيف أنه تزوج قبل خمس سنوات، ولديه طفلان، ولا يفكر في العودة إلى إدلب، بل يخطط لزيارتها فقط لأغراض اجتماعية بعد أن استقر به الحال في السويداء.
وتبقى القرى الدرزية في ريف إدلب شاهدة على تاريخ عريق يمتد إلى قرون، حيث يلتقي التراث المعماري بالحياة اليومية للسكان، وأبرز هذه القرى بنابل، وقلب لوزة، وبشندلنتي، وكفر كيلا، وعبريتا، وجدعين، وبشندلايا، وكفر مارس، وتلتيتا، وحلي، وكوكو، والدوير، وعرشين، وكفربني، كما توجد قرى في السهل مثل كفتين وبيرة كفتين، إضافة إلى معارة الإخوان التي تعد من أبرز المناطق التاريخية في شمال إدلب.