دراسة: الأطفال يتذكرّون أكثر مما نعتقد

21 مارس 2025
صورة تعبيرية تظهر طفلة تلهو بألعاب خشبية، 21 أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهرت دراسة في مجلة "ساينس" أن الأطفال قادرون على تكوين ذكريات باستخدام قرن آمون، المسؤول عن الذاكرة العرضية، لكن استرجاعها لاحقاً قد يكون صعباً بسبب عدم اكتمال تطور هذا الجزء في الطفولة المبكرة.
- استخدم الباحثون تقنيات مثل اللهايات والدمى المحشوة للحفاظ على انتباه الأطفال أثناء فحوصات fMRI، ووجدوا أن الأطفال فوق عام يظهرون نشاطاً أكبر في قرن آمون عند مواجهة ذكريات سابقة.
- رغم تأكيد الدراسة على قدرة الأطفال على تكوين ذكريات، إلا أن مصير هذه الذكريات الأولى لا يزال غامضاً، مما يستدعي مزيداً من الأبحاث حول إمكانية إعادة تنشيطها لاحقاً.

تمثّل سنوات الحياة الأولى فترة من التعلّم المكثّف، لكنّ البشر لا يتذكّرونها عموماً، وهذه نظرية تُعرَف بفقدان الذاكرة الطفولي. وفيما أظهرت دراسة جديدة، نُشرت أمس الخميس في مجلة "ساينس" العلمية، أنّ الأطفال يكوّنون ذكريات بطريقة جيدة، يُطرَح السؤال حول صعوبة تذكّرها في مرحلة لاحقة من الحياة.

يقول أستاذ علم النفس في جامعة ييل الأميركية نيكولاس تورك-براون، المعدّ الرئيسي للدراسة، لوكالة فرانس برس: "لطالما أثارت هذه الفجوة الغامضة في تاريخنا الشخصي اهتمامي". ويضيف أنّ ببلوغهم عامهم الأول تقريباً، يُظهر الأطفال قدرات تعلّمية استثنائية، إذ يكتسبون اللغة ويمشون ويتعرّفون إلى الأشياء ويقيمون روابط اجتماعية وغيرها، و"مع ذلك لا نتذكّر أيّاً من هذه التجارب".

في هذا الإطار، يفيد مؤسس علم النفس التحليلي سيغموند فرويد بأنّ آلية الكبت تجعل الذكريات الأولى غير قابلة للعودة إلى الوعي. لكنّ النظريات الحديثة تعيد مسؤولية عدم استرجاع الذكريات الأولى إلى قرن آمون أو الحُصَيْن، وهو جزء من الدماغ ضروري للذاكرة العرضية ولا يتطوّر بصورة كاملة في خلال مرحلة الطفولة المبكرة، علماً أنّه كذلك من مناطق الدماغ الأولى المعرّضة للتلف عند المصابين بمرض ألزهايمر.

وقد استند العلماء، الذين أعدّوا الدراسة الحديثة، إلى دراسات سلوكية سابقة أظهرت أنّ الأطفال الذين لا يستطيعون التعبير عن ذكرياتهم يميلون إلى النظر لفترة أطول إلى الأشياء المألوفة بالنسبة إليهم، والتي يتذكرونها. في موازاة ذلك، أظهرت دراسات حديثة أُجريت على نشاط دماغ فئران أنّ الإنغرامات، تكوينات للخلايا التي تخزّن الذكريات، تتشكّل لدى الفئران الصغيرة، لكنّه من الصعب الوصول إليها مع مرور الوقت.

وكان من المستحيل حتى اليوم مراقبة الأطفال الذين لا يحافظون على هدوئهم عند إخضاعهم لفحص بالرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ (fMRI) الذي يراقب تدفّق الدم من أجل رصد نشاط الدماغ. وللتغلّب على هذه العقبة، استخدم فريق نيكولاس تورك-براون تقنيات حسّنها مختبره مع الوقت، وهي اللهايات المصاصة ودمى محشوّة على هيئة حيوانات وأنماط مرسومة في الخلفية لإبقاء انتباه الأطفال مركّزاً.

وأجرى الباحثون مئات الجلسات التعويضية، إذ إنّ صوراً كثيرة كانت لا تزال غير واضحة رغم كلّ شيء. وقد شارك 26 طفلاً، نصفهم لا تتخطّى أعمارهم عاماً ونصف عام (18 شهراً)، في التجربة التي تضمّنت إجراء مسح ضوئي لأدمغتهم. في البداية، عُرضت عليهم صور وجوه أو أغراض، وفي وقت لاحق، عُرضت أمامهم صورة سبق لهم رؤيتها إلى جانب صورة جديدة. ويوضح نيكولاس تورك-براون: "لقد قسنا الوقت الذي أمضوه (الأطفال المشاركين في الدراسة) في التمعّن بالصور المعروفة من قبلهم، وهذا هو مقياسنا لفهم ذكرياتهم للصورة المعنية".

ومن خلال فحص نشاط الدماغ عند مواجهة إحدى الذكريات، يؤكّد العلماء أنّ قرن آمون كان نشطاً في تشفير الذاكرة منذ سنّ مبكرة جداً. وكانت هذه حال 11 طفلاً من بين 13 طفلاً تزيد أعمارهم عن عام واحد، ولكن ليس بالنسبة إلى الذين تقلّ أعمارهم عن عام. ولاحظ الباحثون أنّ الأطفال الذين كانوا أفضل في الحفظ يتمتّعون بنشاط أكبر في قرن آمون. ويقول نيكولاس تورك-براون إنّ "ما يمكن استنتاجه من دراستنا هو أنّ لدى الأطفال قدرةً على تشفير الذكريات العرضية في قرن آمون بدءاً من عمر 12 شهراً تقريباً". من جهتهما، كتب الباحثان آدم رامساران وبول فرانكلاند، في مقال مصاحب للدراسة، أنّه "من غير الممكن الاستهانة ببراعة نهجهم التجريبي".

لكنّ الغموض ما زال يحيط بمصير هذه الذكريات الأولى، ربّما لم تُثبت بصورة كاملة في التخزين طويل المدى أو ربّما تكون موجودة، لكن من غير الممكن الوصول إليها. ويميل نيكولاس تورك-براون إلى الفرضية الثانية، وهو يقود في الوقت الراهن دراسة جديدة لتحديد ما إذا كان الأطفال الرضّع والصغار يتعرّفون إلى الصور التي سبق لهم رؤيتها. وتشير النتائج الأولية لتلك الدراسة إلى أنّ الذكريات تظلّ قائمة ربّما حتى سنّ الثالثة قبل أن تتلاشى. ويُبدي الباحث رغبته الكبيرة في معرفة ما إذا كان من الممكن إعادة تنشيط أقسام في وقت لاحق من الحياة.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون