داء الليشمانيات الحشوي يعود إلى السودان

داء الليشمانيات الحشوي يعود إلى السودان

26 فبراير 2022
ينتشر المرض في المناطق الفقيرة (فرانس برس)
+ الخط -

يزداد القلق من ارتفاع أعداد الإصابات بداء الليشمانيات الحشوي (المعروف أيضاً بالكالازار، وهو أشد أشكال الليشمانيات خطورة) في السودان، خصوصاً في شرق البلاد، في ظل ضعف العمل على مكافحته خلال السنوات الماضية.
والكالازار مرض مميت في 95 في المائة من الحالات إذا تُرك من دون علاج، بحسب منظمة الصحة العالمية. ويتميز بنوبات غير منتظمة من الحمى، وفقدان الوزن، وتضخم الطحال والكبد، وفقر الدم. وتتركز معظم حالاته في البرازيل وشرق أفريقيا والهند. وانتشر المرض في السودان خلال عقود طويلة، وتحديداً في المناطق الريفية الزراعية والأماكن الأكثر فقراً وتلك التي تغيب عنها الخدمات الصحية.
وكانت لولاية القضارف الواقعة على الحدود الشرقية مع إثيوبيا، والتي تبعد عن الخرطوم نحو 500 كيلومتر، الحصة الأكبر من عدد الإصابات بالكالازار. وتراجعت الإصابات نتيجة للجهود المحلية والدعم الدولي وحملات التوعية. لكن مع تراجع تلك الجهود خلال السنوات الماضية، ارتفعت أعداد الإصابات مجدداً، كما أعلنت وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية بولاية القضارف. وكشفت مديرة إدارة مكافحة نواقل الأمراض في الوزارة ياسمين التوم أبو بكر إصابة 2973 شخصاً بالمرض خلال عام 2021، بزيادة 836 حالة عن عام 2020، الذي سجل 2137 إصابة. وخلال العام الماضي، لقي 69 شخصاً حتفهم في مقابل 38 حالة وفاة خلال عام 2020.
وتعزو أبو بكر ارتفاع أعداد الإصابات إلى انتشار الذباب الرملي وعدم توفر الدعم اللازم والكافي لمكافحته، مشددة على أهمية تكامل أنشطة المكافحة لتغطي كل بؤر الانتشار، وخصوصاً في ظل وجود ظروف طبيعية تمثل بيئة مناسبة لتوالد ناقل المرض، منها التربة الطينية وأشجار الطلح والهجليج. يشار إلى أنّ طفيليات الليشمانيات تنتقل عن طريق لدغات أنثى ذباب الرمل الفاصد المصابة التي تتغذى على الدم لتضع بيضها. وتتوقف الخصائص الوبائية لداء الليشمانيات على السمات الخاصة بأنواع الطفيليات وذباب الرمل، والخصائص البيئية المحلية لمواقع انتقال المرض، ومدى تعرض السكان من البشر للطفيليات في الحاضر والماضي وسلوك الإنسان.

من جهتها، تقول المديرة العامة السابقة لوزارة الصحة والتنمية الاجتماعية بولاية القضارف، علياء يوسف إبراهيم، إنّ الوضع الحالي في الولاية ينذر بوباء حقيقي قد يمتد تأثيره إلى بقية ولايات السودان، خصوصاً تلك القريبة من القضارف، مشيرة إلى أنّ معدل الوفيات إلى تزايد مستمر، ويمكن أن يصل إلى حالتين في اليوم. والخطر الأكبر مع تراجع نشاطات المكافحة هو انعدام الدواء في ظل التجاهل التام من قبل السلطات الاتحادية، وانسحاب بعض المنظمات الدولية العاملة وتوقف خدماتها العلاجية منذ عام 2018. وتشير إلى أنّه كان لتفشي فيروس كورونا الجديد تأثير على مكافحة الكالازار. 
وتُطالب إبراهيم، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، الحكومة الاتحادية والمنظمات الدولية بإيلاء الأمر الاهتمام اللازم، واستمرار حملات المكافحة بصورة دائمة، وليس مرتين في العام، للحدّ من ارتفاع نسب الإصابة وتقليل أعداد الوفيات. كما تشدد على أهمية أن يتناول المريض الأدوية داخل المستشفى مع الالتزام بالإرشادات الطبية، وزيادة المراكز العلاجية (تضم الولاية 13 مركزاً فقط)، مبينة أنّ للكالازار تأثيرات صحية خطيرة. 

طفل أفغاني يعالج من جراء إصابته بالكالازار (مجيد سعيدي/ Getty)
طفل أفغاني يعالج من جراء إصابته بالكالازار (مجيد سعيدي/ Getty)

ويحمّل جعفر خضر، وهو من مبادرة "القضارف للخلاص"، مسؤولية تزايد أعداد الإصابات إلى ضعف الميزانيات التي تخصصها الحكومات المتعاقبة لقطاع الصحة. ويوضح أن تلك الحكومات لا تبدي اهتماماً بالخدمات الصحية في الريف حيث الانتشار الأكبر للكالازار، مشيراً إلى أنّ انتشار المرض في ولاية القضارف يؤثر على الأسر، إذ تتوقف أعمالها، هي التي تعتمد معيشتها على العمل اليومي. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه في إحدى الفترات، ضيّقت السلطات الأمنية على عمل المنظمات الإنسانية الدولية التي حضرت إلى البلاد للمساعدة في مكافحة المرض، في وقت ساهمت الحروب في شرق البلاد وموجات النزوح إلى القضارف في زيادة نسبة الإصابات والضغط على القطاع الصحي. ويشير إلى أنّ الحلّ يتمثل في مجيء حكومة مدنية تضع على رأس أولوياتها قضية الصحة ومكافحة الأمراض الوبائية والمتوطنة وغيرها.
أما ياسر فضل، وهو مدير معهد الأمراض المتوطنة، فيرى أنّ انتشار مرض الكالازار في عدد من المناطق له عواقب اجتماعية كبيرة، لدرجة أنّ بعض المجتمعات تعدُه وصمة، الأمر الذي يفرض زيادة حملات التوعية والتثقيف في المجتمعات الريفية، محذراً من أنّ الكلازار قد يؤدي إلى الموت في حال عدم العلاج.

ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ السودان لم يولِ المرض الاهتمام الكافي، وترك الأمر للمنظمات الدولية"، مشيراً إلى أنّ تلك المنظمات هي التي تتكفل بتوفيرالعلاج وتوزيعه مجاناً، محذراً من ظهور سوق سوداء للدواء الخاص بالمرض. يضيف أنّ الدولة والأجهزة الأمنية تتحمل المسؤولية، لأنّ الدواء يباع بأسعار مرتفعة جداً قد لا تكون في مقدور الشرائح الضعيفة.  
يضيف أنّ أكبر تحدٍ هو شح الدواء وضعف حملات التوعية والتدريب، مشيراً إلى أنّ المعهد يسعى لإيجاد وسائل بديلة في التشخيص والعلاج. ويؤكّد أهمية التنسيق بين الولايات والحكومة الاتحادية لزيادة الدعم المالي والفني، وتطوير نظام التثقيف والتدريب داخل المجتمعات المحلية، وحث الشركات العالمية المنتجة الدواء على مواصلة إنتاجه خوفاً من شحّه، بالإضافة إلى تطوير أنظمة وأجهزة التشخيص للحصول على نتائج سريعة، وتشجيع الأبحاث العلمية وتمويلها.

المساهمون