استمع إلى الملخص
- يسيطر الخوف على الأهالي نتيجة وجود فصائل مسلحة غير منضبطة، مما يعيق الحركة ويؤدي إلى توقف الدراسة والعمل وإغلاق المرافق الصحية، ويزيد من عزلة السكان.
- تشهد بعض المناطق استفزازات طائفية، حيث تنتحل فصائل مسلحة صفة الأمن العام، بينما تحاول قوات الأمن في بانياس تحسين الوضع الأمني، مع مطالبات بتدخل الدولة لتحسين الأمان.
بعد الأحداث الأمنية التي شهدها الساحل السوري في وقت سابق من هذا الشهر، يبدو الخوف والقلق مسيطرَين على أهالي المنطقة، الأمر الذي يجعلهم يلازمون قراهم. وتبدو حياة السوريين في هذه المنطقة الواقعة غربي سورية معلّقة، في انتظار معجزة تعيد الأمان إليهم. وفي محاولة للاطلاع على واقع الأمور هناك، كان تواصل لـ"العربي الجديد" مع عدد من أهالي بانياس في محافظة طرطوس جنوب غربي سورية وكذلك مع مواطنين من جبلة في محافظة اللاذقية شمال غربي البلاد.
تقول لينا عيسى، من قرية المزارع في ريف بانياس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أهل القرية يعيشون حالياً على مبدأ التكافل الاجتماعي. ففي القرية بيوت بلاستيكة مزروعة بالبندورة (الطماطم) والخيار والكوسا وغيرها، وبالتالي من يملك خضراوات يوزّعها على جيرانه وأقربائه، علماً أنّ ثمّة من يعتمد على النباتات البرية مثل الهندباء والخبّيزة وغيرهما". وتوضح عيسى أنّ "الناس في ضائقة مالية كبيرة، كذلك لا يستطيعون قبض رواتبهم والمنح المالية المصروفة أخيراً لاستحالة الوصول إلى المدينة. وثمّة من يصعب عليه شراء ربطة خبز، في غياب أيّ دخل في الوقت الراهن". أمّا المواد الأساسية الأخرى، فيوفّرها الأهالي عبر "تجّار يشترونها من قرية دوير بعبدة التابعة لمدينة جبلة ثمّ يبيعونها في قريتي (المزارع) والقرى المجاورة".
في سياق متصل، تتحدّث أسرار مصطفى، من قرية القطيلبية التابعة لمدينة جبلة، عن "واقع الخدمات السيّئ في المنطقة". وتشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "شبكة الاتصالات وكذلك شبكة الإنترنت ضعيفتان جداً وبالكاد نستطيع التواصل مع الأهل والأصدقاء. أمّا الكهرباء، فنحصل على ساعة تغذية واحدة في مقابل خمس ساعات من القطع"، مضيفة أنّ مع "انقطاع المازوت والغاز، نشعل الحطب من أجل الطبخ والاستحمام".
من جهته، يلفت أحمد محسن، من قرية محورتة في ريف بانياس، إلى "غياب الأمان بصورة شبه كاملة". ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يستطيع أحد تجاوز حدود القرية. فالخوف يسيطر على الأهالي، وما زالت فصائل غير منضبطة موجودة في مناطق عدّة، الأمر الذي يثير الرعب بين السكان. وما زالت تردنا أخبار عمليات سرقة ونهب، بالإضافة إلى أخرى تتعلّق بالقتل". يضيف محسن: "وإذا رغب أحد سكان قريتنا في أن يغامر ويتوجّه إلى قرية حريصون الملاصقة لأيّ سبب، فاحتمالات أو قتله ما زالت قائمة. وهذا ما حصل بالفعل لشابَين من قريتنا، في ظلّ غياب مؤسسات الدولة"، مبيّناً أنّ "لا مخفر للشرطة من أجل تقديم شكوى في حال وقوع مشكلة مع أيّ شخص من الأهالي". ويتابع أنّ "ثمّة حاجزاً للأمن العام عند دوّار قرية حريصون على طريق بانياس-جبلة من أجل ضبط الأمور ومنع الخطف، ومع ذلك فإنّ إطلاق نار كثيفاً يُسجَّل يومياً من دون أن نعرف مصدره".
بدورها، تقول منال سلمان، من قرية الكرامة في ريف جبلة، إنّ "حالة التوتّر دائمة" عندهم. وتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المريض غير قادر على زيارة طبيب بعد وقوع حوادث قتل وخطف على الطرقات المؤدية إلى المدينة. فقد أرعب ذلك الأهالي وجعلهم يلازمون بيوتهم. وممّا زاد الطين بلّة إغلاق مشفى جبلة في الأيام الماضية، لكنّه عاد ليستأنف عمله اليوم، ولو بطاقم صغير". وتتساءل: "إلى متى سوف يستمرّ الوضع على هذه الحال؟".
ولم توفّر أحداث الساحل السوري الأخيرة وتداعياتها أياً كان من أهالي المنطقة. فقد حُرم الطلاب الجامعيون من دراستهم، وهذه حال الطالبة ريما حسن من قرية الكرامة التابعة لمنطقة صافيتا في محافظة طرطوس. تخبر "العربي الجديد" أنّها كانت تتابع دراستها في "جامعة اللاذقية"، لكنّها لم تعد تلتحق بالدوام "بسبب التوتّر الأمني الحاصل على الطرقات" و"التخوّف من التعرّض للخطف". وبالتالي رأت نفسها تتّخذ قرار تأجيل دراستها إلى العام الجامعي المقبل، "لعلّ الوضع يصبح أفضل".
بدوره، انقطع وسيم، موظف في مصفاة بانياس، عن العمل. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الدوام توقّف منذ وقوع مجازر في عدد من أحياء مدينة بانياس وقراها، والتواصل مقطوع كلياً ما بين قريتي والمدينة. كذلك فإنّ الحركة متوقفة بين قريتي والقرى المجاورة، بعد سرقة بيوت ومحال تجارية وإحراق عددٍ منها". ويتوقّع وسيم أن "يستمرّ الوضع على حاله حتى عيد الفطر (بعد أقلّ من أسبوعَين) ريثما يتبدّد الخوف والقلق وتعود الحركة تدريجياً" إلى المنطقة. ويلفت إلى توقّف التعليم في المدارس أيضاً، مؤكداً أنّ "الأهل يعبّرون عن خوف شديد على أبنائهم".
من جهة أخرى، يتحدّث محمد علي، من سكان مدينة جبلة، لـ"العربي الجديد" عن الاستفزاز الطائفي في عدد من أحياء المدينة، مضيفاً "لا نستطيع التمييز ما بين رجال الأمن العام والفصائل المسلحة". ويروي ما تعرّض له في أثناء مروره بالمدينة، حين راحت عناصر أحد الحواجز توجّه له الشتائم، بعبارات طائفية، إذ إنّه من الطائفة العلوية. وقد "تبيّن لاحقاً"، بحسب ما يوضح علي، أنّ الحاجز يعود إلى "فصيل مسلّح انتحل صفة الأمن العام"، مناشداً "الدولة بضرورة إخراج كلّ الفصائل الغريبة الأجنبية من جبلة بأسرع وقت".
وفي حين ما زال الوضع الأمني يُعَدّ حذراً في الساحل السوري عموماً، يصف ساهر برهوم أبو حمزة الوضع الأمني في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس، بأنّه "جيّد"، علماً أنّه من عناصر قوات الأمن العام فيها. ويشير أبو حمزة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "مهمّتنا الأساسية تقضي بمساعدة الناس في المدينة، خصوصاً في حيّ القصور والمناطق القريبة منها والتخلّص من الأجانب والمهرّبين والعصابات المسلّحة وفلول النظام". ويؤكّد أنّ "الحواجز وُضعت على مداخل مدينة بانياس كلها من أجل حماية المدنيين من السارقين والمخرّبين، وكذلك لمنع المظاهر المسلحة".
وردّاً على سؤال حول فصائل مسلّحة تنتحل صفة الأمن العام وتعمد إلى تخويف الناس والاعتداء عليها، يقول أبو حمزة إنّ "لا حلّ لهذا الموضوع في الوقت الراهن". يضيف أنّ في حال حصل ذلك، "أرقام الأمن العام معروفة من قبل الجميع في بانياس، ويجب بالتالي الاتصال بها مباشرة. فثمّة دوريات تستطيع التوجه فوراً إلى أيّ مكان بسرعة قصوى". ويتابع أنّ ثمّة مواطنين يتّصلون بالأمن العام "من أجل تأمين احتياجاتها، خصوصواً السكان في حيّ القصور حالياً، ونحن نعمد إلى تلبيتها".