"خليها تنضف"... مبادرة مصرية لفضح مرتكبي جرائم الشارع

26 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 01:15 (توقيت القدس)
يطالب مصريون الشرطة بضبط الأمن، سبتمبر 2019 (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أطلقت مبادرة "خليها تنضف" في مصر لمكافحة البلطجة والعنف وترويج المخدرات، مع التركيز على رصد المخالفات المرورية، مما دفع النيابة العامة لتخصيص أرقام للإبلاغ وفتح موقعها الإلكتروني لتلقي البلاغات.
- أثارت مقاطع فيديو لاعتداءات وجرائم ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تدخل الجهات المعنية للتحقيق واتخاذ إجراءات قانونية.
- تزامنت المبادرة مع حملات أمنية ضد مشاهير التواصل الاجتماعي، وسط دعوات لتحركات عاجلة وشفافية من الأجهزة الأمنية لضمان حقوق المواطنين.

دشن مصريون في الأيام الأخيرة مبادرة شعبية تحت شعار" خليها تنضف" لفضح حالات البلطجة والعنف وترويج المخدرات، وغيرها من الممارسات المخالفة للقانون التي تهدد حياة المواطنين، مطالبين الحكومة بالتصدي لمرتكبيها، والعمل على ضبط الأمن في الشوارع والمناطق السكنية.
وتستهدف المبادرة كذلك رصد المخالفات المرورية التي يرتكبها السائقون، وتؤدي إلى حوادث دامية، وسيطرة عمال المواقف على الشوارع عبر فرض رسوم إجبارية على صف السيارات، ومكافحة أعمال البلطجة التي تشهدها الشوارع في جميع المحافظات، والتي كانت تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لوضع الجهات التنفيذية أمام مسؤوليتها القانونية.
وانتشرت مقاطع فيديو ترصد جرائم قتل على الطرق، وجرائم خطف وبلطجة من أشخاص مدججين بالأسلحة في مناطق شعبية وأخرى راقية، لتستجيب النيابة العامة المصرية، وتخصص أرقام هواتف للإبلاغ عنها، كما فتحت موقعها الإلكتروني لإرسال المقاطع المصورة، مع اعتبارها بلاغاً رسمياً ضد المعتدين يلزمها بالمتابعة.
وزاد تفاعل النيابة العامة من حماس المشاركين في المبادرة، وأدى إلى توسعها ومشاركة آخرين، كما انضم إليها المئات من مشاهير منصات التواصل الاجتماعي، وصفحات إلكترونية تضم عشرات آلاف المتابعين، وظهر عبرها لأول مرة المقطع المصور الذي يظهر اعتداء ضابط شرطة على شاب جامعي يعمل خلال إجازته الدراسية بموقف سيارات تابع لنادي القضاة بمنطقة العجوزة، غرب القاهرة، لمجرد عدم امتثاله لطلبه تحريك سيارة أحد القضاة، ليوقف الضابط سيارته مكانها.
وخلّف المقطع تعاطفاً كبيراً مع الشاب على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يتدخل نادي القضاة في الأزمة. يقول المحامي علي عبد الرحمن، إن "انتشار مقطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وضع وزارة الداخلية في مأزق شديد، خاصة مع توجه مسؤولين من نادي القضاة مع الشاب إلى مقر قسم شرطة الدقي المقابل للنادي، وتقديم الفيديو الذي يظهر اعتداء الضابط على الشاب أثناء ممارسته عمله، ما دفع الوزارة إلى تحويل الضابط إلى التحقيق، وإجباره على تقديم اعتذار علني للعامل في مقر نادي القضاة الرئيسي بوسط القاهرة".
يضيف عبد الرحمن: "كانت الواقعة تستوجب إحالة الضابط المعتدي إلى النيابة العامة، لكن حدثت تفاهمات بين نادي القضاة ووزارة الداخلية للاكتفاء بإحالة الضابط إلى التحقيق الإداري بمحل عمله، من دون تحويل القضية إلى جريمة اعتداء على مواطن، ورغم نشر اعتذار الضابط على الموقع الرسمي لوزارة الداخلية وفي وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن الحق العام لا يسقط، ويمكن محاسبته على جناية الضرب العنيف التي ارتكبها، خاصة أن قبول الشاب لاعتذار الضابط يبدو أنه جرى تحت ضغوط من سلطة يعمل تحت رئاستها".


وواكب هذا الحادث، نشر مقطع فيديو آخر من داخل أحد أقسام الشرطة، لضابط يطلب من أمناء الشرطة التابعين له، فرض إتاوات مالية شهرية على أصحاب محال ومقيمين في دائرة قسم الشرطة، كي ينفق من عوائدها على تجديد السيارات والمكاتب وغيرها من مصروفات القسم. وتضمن المقطع رفض أحد أمناء الشرطة الانصياع لطلب الضابط، لعدم قدرته على فرض تلك الإتاوات على المواطنين في منطقة يعيش بها قيادات من الشرطة وأناس لا يقدر على مواجهتهم بهذه المطالب غير القانونية، عارضاً على الضابط إبعاده عن تلك المهمة، أو تنحيته عن عمله المكتبي حتى لا يتحمل وزر ما يريده قائده.
وأثار المقطع حفيظة كثيرين، وأثار دعوات إلى محاكمة الضابط لفرضه الإتاوات على المواطنين، ومحاولته إجبار أمين الشرطة على فعل يخل بمهام وظيفته. وقُدمت بلاغات إلى هيئة الرقابة الإدارية والنيابة العامة ووزارة الداخلية، وشكاوى إلى رئاسة مجلس الوزراء حول الواقعة، تطالب بمحاسبة الضابط، مع إعادة النظر في رواتب العاملين بوزارة الداخلية، حتى لا يضطروا إلى فرض إتاوات على المواطنين كي تساعدهم في تدبير احتياجاتهم اليومية، أو الإثراء على حساب المواطنين.
وأظهرت منشورات مبادرة "خليها تنضف" استغاثة من سكان حي عين شمس شرقي القاهرة، حول وجود هجوم مسلح من ثمانية أفراد على المواطنين، وجريمة تحرش بلطجية بالفتيات في مدينة هيهيا بمحافظة الشرقية، وإطلاق نار عشوائي لتهديد المواطنين بمدينة أسوان (جنوب)، وتهديد مارة بالسلاح الأبيض في حي المعادي الراقي بالقاهرة، والذي يضم مقار عدة سفارات ومؤسسات دولية، وأعمال بلطجة يمارسها سائقو مركبات "توك توك" وعربات نقل جماعي "ميكروباص" في شوارع مدن مختلفة، أو اتّجار علني بالمخدرات بكافة أنواعها.  


وغالباً ما يستفيد المشاركون في المبادرة من كاميرات المراقبة التي تفرض الأجهزة الأمنية تركيبها على مداخل المحال التجارية، او يستخدمون أجهزة الهواتف النقالة في التوثيق، مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في رصد وتتبع الجناة، وفضح ممارستهم، وتوجيه استغاثات لوزارة الداخلية والنيابة العامة، ومطالبات بإغاثة المتضررين.
واستجابت وزارة الداخلية المصرية أخيراً، لاستغاثة من ثلاث فتيات، وقبض عناصرها على مجموعة من الشبان الذين كانوا يلاحقون الفتيات على طريق محور مدينة 6 أكتوبر غربي العاصمة، وجرى تقديمهم للمحاكمة بعد تسببهم في اصطدام سيارة الفتيات بحافلة.
في المقابل، واكبت المبادرة حملات أمنية شنتها أجهزة الشرطة على عدد من المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل "إنفلونسرز"، والذين تعقبتهم "خليها تنضف" في الآونة الأخيرة. لكن تبدو أجهزة وزارة الداخلية أكثر اهتماماً بتوقيف المؤثرين، وإحالتهم للمحاكمة بتهم من بينها الفجور، وإثارة الغرائز، ومخالفة قيم المجتمع، أو غسل الأموال، من اهتمامها بمكافحة ظواهر مثل انتشار البلطجة.


ويرى الناشط الحقوقي صلاح سلمان أن ذلك محاولة واضحة لتحسين صورة أفراد الشرطة، وإثبات أنهم يقومون بدورهم المفترض في حماية المواطنين. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر لا ينفي أن الشرطة تحاول استغلال مبادرة خليها تنضف لإحكام القبضة الأمنية على وسائل التواصل الاجتماعي بزعم حماية القيم، أو توجيه أنظار المواطنين تجاه قضايا لها صدى جماهيري، من دون أن تتحمل الشرطة مسؤوليتها القانونية في مواجهة انتشار البلطجة وبيع المخدرات، أو الحد من  جرائم بعض أفراد الشرطة، وكلها أمور تتطلب تحركات عاجلة ضمن ضوابط قانونية، وشفافية من الأجهزة الأمنية، بما لا يهدر حقوق المواطنين، ويعظم الدور المدني في حماية المجتمع".

وأظهرت مقاطع منشورة هجوم شبان على مصطافين بإحدى قرى الساحل الشمالي القريبة من مدينة الإسكندرية (شمال)، لرفضهم دفع إتاوة مقابل جلوسهم على شاطئ القرية التي يملكون وحدة شاطئية بها، إذ يدعي المهاجمون حقهم في فرض الرسوم باعتبارهم مكلفين بحماية الشاطئ بالاتفاق مع السلطات المحلية، وذلك وفقاً لعرف متبع يقر بحق "البدو" في المناطق غير المأهولة في تحصيل إتاوات.
وتنتشر ظاهرة حراسة البدو، والذين يطلق عليهم شعبياً "العربان" بكافة المدن الجديدة ومراكز الاستثمار الصحراوية، ما يجعل سكانها رهينة في يد القبائل التي تفرض إتاوات تتحدد قيمتها وفق نوعية النشاط وحجم المنازل أو المصانع أو المزارع، وفي حال عدم الالتزام بالدفع، تتعرض الممتلكات إلى السرقة، وقد يمنعه العربان من دخول مزرعته أو مصنعه إذا ما واصل رفض دفع الإتاوات غير القانونية شهرياً.
ومع تكاثر البلاغات ضد موزعي المخدرات والبلطجة، أو سير المركبات في الاتجاه العكسي للسير بشوارع عشرات المدن والمناطق، والتي رصدها المشاركون في مبادرة "خليها تنضف"، بدأت وزارة الداخلية المصرية الاستجابة، وملاحقة بعض الجرائم، مستغلة البلاغات ومقاطع الفيديو في التوصل إلى الجناة. وتكرر الوزارة نشر صور متهمين أثناء القبض عليهم، وتحويلهم إلى النيابة العامة، ما أعطى للمبادرة زخماً، وأتاح رصد وقائع جديدة.

المساهمون