استمع إلى الملخص
- يصف السكان المحليون ما حدث بأنه جزء من خطة تهجير ممنهجة لصالح التوسع الاستيطاني، حيث تم تدمير منازلهم وملاجئهم دون اعتبار لحقوقهم الإنسانية، ويواجهون تهديدات مستمرة من الاحتلال.
- تعاني منطقة مسافر يطا من نقص الدعم الدولي والمحلي، حيث لم تتمكن المؤسسات الفلسطينية من توفير المأوى الكافي، ويواجه السكان تحديات كبيرة في مقاومة التهجير.
تعرضت خربة "خلّة الضبع" في الضفة الغربية لمسح شبه كامل بعد تهجير الاحتلال الإسرائيلي 85 من أصل 113 هم سكانها الفلسطينيين، بعد هدم منشآتهم من دون إنذار مسبق، صباح الاثنين الماضي، وذلك ضمن سياسات تهجير متواصلة ضد سكان منطقة مسافر يطا الواقعة جنوب الخليل.
ونفّذت سلطات الاحتلال مجزرة هدم طاولت أكثر من 25 منشأة سكنية وزراعية ورعوية، ما جعل سكّان خلّة الضبع أمام خيارين، إما ترك أرضهم، أو البقاء بجوار الحطام والركام بلا مقوّمات للحياة. وبات الفلسطيني جابر الدبابسة في العراء مع أسرته المكوّنة من خمسة أفراد، من بينهم ثلاثة أطفال أحدهم رضيع، بعد أن هدمت آليات الاحتلال الإسرائيلي منزله والمغارة التي حفرها على مدار السنوات الماضية كي تكون ملجأً له عندما يهدم الاحتلال المنزل. ويروي لـ"العربي الجديد": "أطفالي خرجوا صباحاً إلى المدرسة، وعادوا ظهراً ليجدوا المنزل ركاماً. نعيش حالة من الصدمة، ونركض وراء الماشية للحفاظ على آخر شيء نملكه، والبعض يفتش بين الأنقاض عن بقايا مقتنياته كي يحافظ على شيء من منزله المدمر".
ويصف الدبابسة ما جرى بأنه "اقتلاع لمقوّمات الحياة ضمن خطط التهجير القسري الممنهج. هدموا المنزل المكون من غرفتين وحمام، والمغارة والخيمة، والتي كانت تؤوي 15 فرداً من عائلتي، ولم يكن لدينا ملجأ بعد هدم بيت والدي وبيت أخي، وكان الواحد منا يلجأ إلى مسكن الآخر حال الهدم. المغارة التي جرى هدمها ولد فيها والدي البالغ عمره 86 سنة. اقتحم نحو 70 جندياً خلّة الضبع، وفرضوا طوقاً على السكّان، وشرعوا في الهدم من دون إنذار، ومنعوا السكان من إخراج مقتنياتهم، مع الاعتداء على المعترضين. هذا هو الهدم الثامن خلال سبع سنوات، والثاني هذا العام، ما يؤكّد أنه ليس إجراء أمنياً، بل دفع للتهجير، فلا شيء سلم من التدمير، حتى خزانات المياه".
يضيف بمرارة أن "الاحتلال لا يريد تهجيرنا بطريقة علنية، بل يريد دفعنا للمغادرة بأنفسنا، أو كما يسميه (التهجير الطوعي). أخرجوا الأغنام من الحظائر، وأطلقوها في الجبال، ولم يسمحوا لنا بجمعها، وفقد السكان نحو مائة رأس من الماشية خلال الهدم، ولا نستبعد أن يستولي عليها المستوطنون. حملة الهدم الأخيرة كانت أكبر من المرّات السابقة، والتي كان يتم فيها هدم عدد أقل من المنشآت، ضمن إجراءات التضييق على الناس، كما هدموا المركز الاجتماعي الذي كان يستقبل المتضررين، ليصبح الجميع بلا مأوى".
ويعاني جميع سكّان مسافر يطا من خسائر كبيرة بفعل تكرار الهدم، بينما انخفض الدعم الدولي بالتزامن مع غياب الدعم الفعال من مؤسسات السلطة الفلسطينية وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وعجز المجلس المحلي عن توفير مأوى، ولا حتى خيام بديلة. وقد حاولت "العربي الجديد" التواصل مع رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، مؤيد شعبان، ومع مدير الهيئة في محافظة الخليل، محمد عمرو، للاستفسار عن أدوار الجهات الرسمية، لكن من دون رد.
و"خلّة الضبع" واحد من بين 12 تجمعاً سكنياً رفضت المحكمة الإسرائيلية في 4 مايو/ أيار 2022، استئنافها ضد قرار الاحتلال القاضي بإغلاق منطقة المسافر كاملة، وإعلان ما يزيد عن 30 ألف دونم من أراضيها مناطق "إطلاق نار"، ما يعني أن على سكان تلك التجمعات الذين يبلغ عددهم قرابة أربعة آلاف نسمة المغادرة. ويؤكد رئيس المجلس المحلي لمسافر يطا، نضال أبو عرام، لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات هدم مساكن الفلسطينيين لصالح التوسع الاستيطاني تشكّل دليلاً قاطعاً على تناقض سلوك الاحتلال، فبينما تُعلن خلة الضبع منطقة إطلاق نار، تقوم سلطات الاحتلال بتسهيل إقامة ثماني بؤر استيطانية في ذات المنطقة. لو كانت منطقة إطلاق نار كما يدّعون لما أقيمت هذه البؤر، ما يعني أن القانون الإسرائيلي يستخدم كقناع يخفي وراءه نيات التهجير".
ويوضح أبو عرام أن "خلة الضبع تتوسط منطقة تُعتبر عقدة استراتيجية للاحتلال، وتهجيرها يُسهّل إفراغ منطقة المسافر، لا سيّما أنها تربط بين القرى والخرب. هدم الخلّة يعني مسحاً كاملاً للقرية، والتي لم يبقَ فيها سوى منزلين ومدرسة، ويخشى هدمها لاحقاً. اختيار الخلّة نقطة بداية للهدم ليس عشوائياً، لأن إخلاءها يفتح الباب أمام ربط البؤر الاستيطانية ببعضها، وتحديداً بمستوطنة ماعون المقامة على أراضي مسافر يطا".
ويقارن أبو عرام الوضع الحالي بعام 2022، مؤكداً انخفاض عدد السكان. ويضيف: "من بين الأسباب صعوبة تنقل طلبة الجامعات من المسافر إلى المدن، وصعوبة ظروف المرضى والنساء الحوامل، فضلاً عن هجمات استيطانية، وقطع الطرق. رغم تقلص عدد السكان من 4000 إلى 2700، يتشبث بعض السكان بأرضهم، ويقاومون التهجير. مجلس المسافر وهيئة مقاومة الجدار وفّرا نحو عشر خيام لعشرين عائلة مشردة، ورغم كونها غير كافية، فإن الاحتلال يترصّد لمصادرتها".
يتابع: "تحتاج مسافر يطا إلى حلول أعمق من الخيام لتعزيز صمود السكان، مثل الحل الذي ابتكره سكّان الخلة بحفرهم خلال السنوات الثلاث الماضية 12 كهفاً لاستخدامها كملاذ حال الهدم، وعلى الجهات المعنية حثّ السكان في مدينة يطا على الهجرة العكسية إلى المسافر لخلق وجود سكاني يصعب اقتلاعه".
بدوره، يقول الباحث في قضايا الاستيطان، سهيل خليلية، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يجري هو نتيجة لقرار إسرائيلي غير معلن، لكنه واضح سلوكياً، بتفريغ التجمعات الفلسطينية من سكانها، وخاصّة مسافر يطا، والطريقة الأسهل والأنجح بالنسبة للاحتلال هي هدم المساكن، وضرب مصدر رزق الناس، ومنع المياه عنهم. جرى تهجير أكثر من 70 تجمعاً سكانياً فلسطينياً خلال السنوات الماضية، بإجمالي نحو 1600 شخص".
ويشير خليلية إلى التغييرات الجوهرية التي حدثت داخل "الإدارة المدنية الإسرائيلية" خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد تسليم صلاحيات واسعة لوزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، والذي عيّن هيلل روط، وهو عضو في منظمة "ريغافيم" الاستيطانية، نائباً لرئيس الإدارة المدنية، إضافة إلى تأسيس وحدة جديدة تُسمى "إدارة الاستيطان" مختصة بالهدم.
ورغم عدم وجود هدف استيطاني مباشر حالياً في خلة الضبع، يعتقد خليلية أن الاحتلال ينفذ سياسة استيطانية بعيدة المدى تهدف لمنع أي تمدد فلسطيني في منطقة المسافر، وخلق فراغ ديموغرافي، بحيث يمكن لاحقاً إعادة توظيف الأرض لصالح مشاريع استيطانية، كما جرى في بداية احتلال القدس، كون العقيدة الاستيطانية لا تُفكر فقط باليوم أو الغد، بل لما بعد سنوات، والهدم والتهجير والبؤر العشوائية هي وسائل تمهيدية.