خطف الأطفال في ليبيا: تمويل بطالة عصابات

خطف الأطفال في ليبيا: تمويل بطالة عصابات

24 يونيو 2022
تستمر عصابات بخطف أطفال ليبيين (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد الطفل مصطفى البركولي الى حضن أسرته، مؤخراً، بعد أكثر من عام من خطفه على يد عصابة مسلحة. وعكس ذلك واقع أن حقوق الأطفال لا تزال مهدورة في ليبيا، وأن السلطات المتعاقبة لم تستطع وضع حدّ للانتهاكات التي يتعرضون لها. 
وكان مصطفى قد خطف من أمام منزل أهله في مدينة سبها في إبريل/ نيسان من العام الماضي، وغابت أخباره أياماً قبل أن تطالب العصابة عائلته بدفع فدية مالية مقدارها مليون دولار، وفق ما أفاد قريب له يدعى حسن حامد لـ"العربي الجديد"، والذي يقول إن "أسرة الطفل المخطوف أبلغت حينها كل الجهات الأمنية والقضائية، لكنها لم تتلقَ أي تجاوب منها، ما عزز الاشتباه في علم أجهزة الأمن بالجهة الخاطفة، أو في احتمال غضها الطرف عن الخاطفين بسبب ضعفها وعدم قدرتها على مداهمة المكان الذي احتجز فيه الطفل".
وبالتزامن مع حادثة سقوط الطفل ريان في بئر بالمغرب في فبراير/ شباط الماضي، نظم عدد من أهالي مدينة سبها احتجاجاً في إحدى ساحات المدينة لمحاولة لفت أنظار العالم إلى قضية طفلهم، مع تأكيدهم مشاركة أسرة الطفل المغربي مشاعر المواساة. وأطلق عدد من النشطاء وسم "أنقذوا الطفل مصطفى"، وكتب أحدهم لمحاولة إحياء تفاعل الرأي العام مع قضية الخطف: "لم يقع الطفل مصطفى في بئر بسبها، جنوب ليبيا، بل في قبضة عصابة خطف وابتزاز منذ أشهر. وطلب الخاطفون فدية عجز عنها أهله".
وتحدث رئيس مجلس النواب أحميد حومة حينها، خلال جلسة رسمية عقدها مجلس النواب، عن قضية مصطفى، وأوضح أن العصابة التي خطفته لا تزال تطالب أسرته بمبالغ ضخمة لإطلاق سراحه، وأنها أرسلت لأسرته مقاطع مرئية تظهر الطفل يصرخ تحت التعذيب.
وفيما يخضع الجنوب الليبي لسيطرة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فهي بادرت إلى استثمار الحدث، وأظهرت الطفل مصطفى، بعد إطلاقه، يتجول في صحبة آمر المنطقة الجنوبية التابع لقيادة حفتر، في شريط فيديو تداولته منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. أما حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، فأعلنت منح الطفل وأسرته رحلة لتلقي العلاج في الخارج ليتمكن من تجاوز الآثار النفسية التي رافقت فترة خطفه، وهو ما استنكره الناشط المدني معتز المقرحي قائلاً: "هذا حال أصحاب الكراسي الذين لا يتجاوبون مع النداءات ولا يقدمون شيئاً، لكنهم يحسنون اقتناص الفرص لخلق شعبية مؤيدة لهم في أوساط الناس". وبعدما زعمت المنطقة العسكرية التابعة لحفتر أنها ساهمت في تحرير مصطفى، تداولت منصات التواصل الاجتماعي شريط فيديو أظهر أحد أعيان منطقة سبها يشرح ظروف تواصل العصابة الخاطفة معه للاتفاق على إطلاق سراح الطفل، وكيف تسلمه بعدما أيقنت العصابة الخاطفة عدم قدرة أسرته على دفع الفدية.
وليست هذه المرة الأولى التي تخطف فيها عصابات مسلحة أطفالاً في الجنوب، ففي يناير/ كانون الثاني 2019، خطف محمد البركولي، شقيق مصطفى نفسه، لمدة عشرة أيام، فجمعت أسرته فدية مالية مقدارها نحو مليون دولار لإطلاق سراحه.

وفي تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، كشف العضو السابق في الغرفة الأمنية المشتركة المهدي سويسي أن "عدد الأطفال الذين خطفوا عام 2016 بلغ 8، وارتفع إلى 11 عام 2017، ثم بلغ 6 عام 2018. وجميعهم عادوا إلى أسرهم بعد دفع أموال للعصابات الخاطفة، ولم تقف أي جهة عسكرية أو حكومية وراء عملية إطلاق سراح هؤلاء الأطفال".
وفي فبراير/ شباط 2021، أعلنت السلطات الأمنية عن تفكيك عصابة مسلحة تمتهن خطف الأطفال في مدينة بنغازي، ما شكل أول اعتراف رسمي بوجود عصابات تنفذ هذه العمليات مقابل فدى مالية.

يطالب ناشطون بتحسين الأوضاع الحقوقية للأطفال (محمود تركية/ فرانس برس)
يطالب ناشطون بتحسين الأوضاع الحقوقية للأطفال (محمود تركية/ فرانس برس)

وأوضح مكتب الإعلام في جهاز شرطة النجدة ببنغازي حينها أنه "جرى اعتقال أفراد في عصابة مسلحة وخطرة تمتهن خطف الأطفال وسلبهم بقوة السلاح داخل مناطقهم، ومن أمام منازلهم، استناداً إلى بلاغات تلقتها عن وجود عصابة تستخدم السلاح والسيارات المعتمة، ويقوم أفرادها الملثمون بخطف الأطفال بهدف الحصول على أموال من أسرهم".
ويرى المقرحي أن هذه الحوادث تدل بوضوح على عجز السلطات عن القضاء على الظاهرة، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا نزال نحاول إيجاد أعذار للسلطات من خلال الحديث عن عجزها، لكن الواقع قد يشير إلى أنها تتغاضى هي نفسها عن الظاهرة، ما يسمح لنا بأن نتهمها بالمشاركة في توسيع الظاهرة وانتشارها. ونسأل ما مصير عصابة بنغازي التي أعلن عن تفكيكها في العام الماضي، وكذلك خاطفي مصطفى؟ لم نسمع سابقاً أي حكم صدر في حق عصابات كي يكونوا عبرة لغيرهم، وأي تطبيق لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، ولا أعتقد بأننا سنسمع بذلك لاحقاً".

أما الناشطة الحقوقية بدرية الحاسي، فتلفت في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "حقوق الأطفال في ليبيا تنتهك في شكل صارخ، وعلى مرأى ومسمع الجميع، وحتى السلطات. ولا يقتصر ذلك على الخطف، بل يشمل أيضا ظاهرة عمالة الأطفال وتجنيدهم في الحروب وبيع المخدرات".
وتقرّ الحاسي بأن "خطف الأطفال من أجل التكسب غير المشروع من أبشع أنواع الانتهاكات، لكن أضرار الانتهاكات الأخرى ليست أقل، ويجب أن يلجأ النشطاء والحقوقيون للمنظمات الدولية من أجل الضغط على السلطات لتحسين الأوضاع الحقوقية للأطفال".

المساهمون