استمع إلى الملخص
- أظهرت دراسة في مجلة "ساينس" أن التلوث الضوئي يتزايد بسرعة، مما يؤثر على رؤية النجوم ودورات نوم البشر، وتعمل منظمات مثل "سييلوس ديه تشيلي" على زيادة الوعي بمخاطره.
- مشروع الطاقة الجديد، بتمويل من "إيه إي إس أنديز"، يثير مخاوف العلماء من تأثيره على مرصد بارانال، ويطالبون بإنشاء منطقة "حظر ضوئي" لحماية الموقع.
ما إن يسدل الليل ستاره على صحراء أتاكاما شمالي تشيلي، حتى تبدأ أربعة تلسكوبات في مسح سماء المنطقة التي تُعَدّ من الأنقى والأغنى بالنجوم في العالم، إلا أنّ هذه الميزة التي يفيد منها مرصد بارانال قد يعكّرها التلوّث الضوئي الناجم عن مشروع طاقة ضخم. وتشرح عالمة الفلك الإسبانية إيتثيار ديه غريغوريو، من المرصد الأوروبي الجنوبي الذي يتّخذ من هذه المنطقة مركزاً له، أنّ موقع المرصد على ارتفاع 2635 متراً يتيح له "مراقبة مجرّة درب التبّانة بوضوح لا مثيل له (...)، مؤكدةً لوكالة فرانس برس أنّها "السماء الأوضح والأكثر ظلاماً".
وعلى بُعد بضعة كيلومترات من هذه "المحمية الفلكية العالمية"، يُتوقّع بناء معمل مخصّص للطاقة النظيفة، في إطار برنامج تشيلي الطموح للاستعاضة بها عن الوقود الأحفوري بحلول عام 2050. ويشعر العلماء بالقلق من أن يولّد المشروع تلوّثاً ضوئياً، ويحذّرون من أنّ الضوء الاصطناعي المفرط يحدّ من رؤية بعض الظواهر الطبيعية، من قبيل كسوف الشمس وأمطار النيازك.
يُذكر أنّ دراسة علمية سابقة نشرتها مجلة "ساينس" في يناير/ كانون الثاني 2023، بيّنت أنّ التلوّث الضوئي يتزايد بوتيرة سريعة مع احتمال انخفاض عدد النجوم التي من الممكن مشاهدتها بالعين المجرّدة ليلاً إلى النصف في عدد من المناطق، وذلك في فترة لا تتعدّى عشرين عاماً. ولاحظت الدراسة أنّ الارتفاع في هذا التلوّث الناجم عن الإضاءة الاصطناعية أكبر ممّا رصدته الأقمار الصناعية ليلاً.
ويؤثّر التلوّث الضوئي الذي ينجم عموماً من زيادة الإضاءة العامة وانتشار لوحات إعلانية مضيئة كذلك على دورات نوم البشر ويُربك الطيور المهاجرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أحداً لا يلاحظها في الغالب. وتقول دانييلا غونزاليس من مؤسسة "سييلوس ديه تشيلي" (سماوات تشيلي) التي تحارب هذا النوع من التلوّث لوكالة فرانس برس أخيراً: "عندما نرى صنبوراً مفتوحاً، ندرك أنّنا نفقد المياه، لكن إذا رأيت مكاناً مضاءً بقوّة في الليل، فلن يخطر ببالنا أنّه تلوّث".
في بارانال، تبدأ المرحلة الأكثر كثافة من العمل عند غروب الشمس. وفي خلال النهار، ينصرف علماء الفلك والمهندسون لمعالجة البيانات، أمّا في الليل فيستكشفون اللانهاية. ويقول رئيس العمليات العلمية في الموقع ستيفن ميسكي لوكالة فرانس برس: "هنا، تُركّز الأبحاث على كلّ الظواهر الفضائية تقريباً"، وتُرصَد الكواكب والمذنّبات القريبة من الأرض والثقوب السوداء والحياة خارج النظام الشمسي.
وتندر السحب في منطقة صحراء أتاكاما، التي تُعَدّ الأكثر جفافاً وقحلاً في العالم، الأمر الذي يوفّر الظروف المثالية لمراقبة الكون. وإلى جانب ذلك، ثمّة قدر منخفض من التلوّث الضوئي، إذ يقع مرصد بارانال على بعد أكثر من مئة كيلومتر من أنتوفاغاستا، أقرب مدينة إليها. لكنّ هذا الواقع قد يتغيّر مع بناء المعمل الجديد. وفي رسالة مفتوحة، أعرب نحو أربعين عالم فلك وشخصيات علمية أخرى وحتى شعراء عن قلقهم في الآونة الأخيرة.
ويمتدّ المشروع الذي تتولّى تمويله بمبلغ عشرة مليارات دولار أميركي شركة "إيه إي إس أنديز"، الفرع التشيليني لشركة "إيه إي إس كوربوريشن" الأميركية، على مساحة تتجاوز ثلاثة آلاف هكتار. وتوضح الشركة أنّها تخطّط "لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتخزين البطاريات". ومع ذلك، فإنّ مسألة المسافة ما بين مرصد بارانال والمعمل المستقبلي تثير الخلاف. وفي حين تقدّرها الشركة بما بين 20 كيلومتراً و30، يرى الباحثون أنّها لا تتجاوز 11 كيلومتراً. ومن دون أن يعارض هؤلاء المشروع، يطالبون بإنشاء منطقة "حظر ضوئي" من أجل الحفاظ على سلامة الموقع.
في هذا الإطار، تشدّد شركة "إيه إي إس أنديز"، في بيان مقتضب، على أنّ مشروعها يحترم "أعلى المعايير في ما يتعلق بالإضاءة"، ويستجيب لتلك التي وضعتها الحكومة في شأن هذا الموضوع في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وتهدف خصوصاً إلى حماية مواقع الرصد الفلكي الرئيسية.
ويخضع المشروع راهناً لدراسة الأثر البيئي، ومن غير المتوقع أن يحصل على رخصة التشغيل قبل عامَين أو ثلاثة أعوام. وفي جبال سيرّو أرماسونيس، على بعد نحو عشرين كيلومتراً من المرصد، يتقدّم بناء التلسكوب الأوروبي العملاق، أكبر جهاز بصري في العالم مع قطر يبلغ 39 متراً. ويخشى العلماء كذلك من أن يتداخل مشروع الطاقة الضخم مع تشغيل هذا المرصد المقرّر إطلاقه في عام 2028. وتحذّر عالمة الفلك إيتثيار ديه غريغوريو من أنّ "نافذة الكون" التي تمثّلها تشيلي، ذات القيمة الكبيرة بالبحوث الفلكية، قد تقفل. وترى أنّ زيادة التلوّث الضوئي في هذا الموقع الفريد من نوعه قد تؤدّي إلى تأخير "الإجابة التي نرغب فيها بشدّة (...)، وهي معرفة ما إذا كنّا وحدنا أم لا في الكون".
(فرانس برس)