استمع إلى الملخص
- تشمل الجهود الحكومية توفير الدعم الاجتماعي في المناطق القروية، مثل النقل المدرسي والمطاعم، لخفض عدد المنقطعين من 295 ألف في 2024 إلى 200 ألف في 2026.
- تواجه الخطة انتقادات لعدم كفاية "مدارس الفرصة الثانية" و"إعداديات الريادة"، وفعالية خلايا التتبع النفسي، مع نقص المختصين وضعف الإدارة التربوية.
تتجه وزارة التعليم في المغرب لتنفيذ خطة تروم تقليص ظاهرة الهدر المدرسي إلى النصف بحلول عام 2026، في وقت ما زالت فيه مؤشرات الانقطاع الدراسي من أقسام الابتدائي والإعدادي والثانوي مرتفعة. وتستهدف الخطة بحسب ما كشف عنه، أمس الثلاثاء، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة، نحو 80 ألف تلميذ مهددين بالانقطاع من التعليم الإعدادي، وتوجيههم إلى مسارات بديلة مثل "مدارس الفرصة الثانية"، حيث يتلقون تكويناً مهنياً يؤهلهم للاندماج في سوق الشغل، أو العودة لمتابعة دراستهم.
ولتفعيل الخطة، أطلقت الوزارة عدداً من البرامج، من أبرزها مشروع "إعداديات الريادة"، الذي يركز على توفير الدعم البيداغوجي داخل الأقسام، وتنظيم أنشطة موازية في مجالات الموسيقى، والرياضة، والمسرح، بهدف إعادة الثقة للتلاميذ وتعزيز ارتباطهم بالمؤسسة التعليمية، وفق ما أعلن الوزير المغربي في تصريح صحافي عقب اجتماع حكومي حول إنعاش التشغيل، ترأسه مساء أمس الثلاثاء رئيس الحكومة عزيز أخنوش. كذلك ترتكز خطة الوزارة على إحداث خلايا للتتبع النفسي والتربوي للأطفال المعرضين للهدر، اعتماداً على البيانات الرقمية المتوفرة في منظومة" مسار"، من أجل التدخل المبكر ومرافقة هؤلاء التلاميذ بشكل فردي.
دعم اجتماعي لتقليل الهدر المدرسي في المغرب
ووفق الخطة، تعزز الجهود الحكومية في العالم القروي من خلال برامج الدعم الاجتماعي، عبر توفير النقل المدرسي والمطاعم ودور الإيواء، للحد من الانقطاع الناتج من الفقر وبعد المسافة، وهي عوامل تساهم كثيراً في تفاقم الظاهرة. وتندرج هذه الإجراءات ضمن المبادرة السابعة من خطة الحكومة في مجال التشغيل، التي ترمي إلى خفض عدد المنقطعين عن الدراسة من 295 ألف تلميذ سنة 2024 إلى 200 ألف فقط في أفق 2026، في خطوة تهدف إلى تحويل التحدي التربوي إلى فرصة للتكوين والاندماج المهني والاجتماعي.
وبحسب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فإن المغرب يواجه تحدياً كبيراً يتمثل بمغادرة حوالى 280 ألف تلميذ للمؤسسات التعليمية سنوياً، من بينهم 160 ألف تلميذ في المستوى الإعدادي، وهو ما يمثل مؤشراً مقلقاً على اتساع رقعة الهدر المدرسي. ويعد الانقطاع عن التعليم في المغرب من أبرز أوجه الاختلال الذي تعاني منه المنظومة التعليمية، بحسب ما تفيد تقارير رسمية، فيما ترتفع نسبة التسرّب المدرسي خصوصاً في الأرياف، نظراً لبُعد المدارس وارتفاع نسب الفقر.
ومنذ سنوات يطمح المغرب إلى وقف النزف المدرسي عبر مجموعة من البرامج التي توفر النقل المجاني والطعام والمبيت للتلاميذ الذين يقطنون بعيداً عن مقار تعليمهم، أو عبر تقديم الدعم المادي للأسر واستقبالها في سكن التلميذات والتلاميذ، مع مبادرة توزيع مليون حقيبة تضم لوازم مدرسية، بالإضافة إلى إنشاء مدرسة الفرصة الثانية التي تقدّم دعماً مدرسياً للتلاميذ الذين تسرّبوا من التعليم.
وتعليقاً على خطة وزارة التربية الوطنية المغربية، تقول عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، حليمة اشويكة، لـ"العربي الجديد": "ما أعلنه الوزير لا يخرج عن دائرة المتمنيات والأحلام، ولا علاقة له بالواقع والتخطيط ووضع الإجراءات الفعلية القابلة للتنفيذ"، موضحة أن الاعتماد على مدارس "الفرصة الثانية" باعتبارها آلية من آليات معالجة الهدر المدرسي "ليس بالأمر الدقيق، خصوصاً إذا استحضرنا واقع تلك المدارس والصعوبات التي تجدها الجمعيات التي تشتغل في المشروع، وقدرتها الاستيعابية الضعيفة جداً، ما لا يمكن الرهان عليها حلاً ناجعاً فعلياً يمكّن من تقليص الأعداد الكبيرة للتلاميذ الذين يتعرضون للهدر المدرسي".
وترى اشويكة أن الرهان على "مدارس الريادة" وما يمكن أن تسهم به في تقليص نسبة الهدر المدرسي يبقى "حلماً من أحلام اليقظة، لأن تجربة تلك المدارس إلى حد الآن تجربة مرتبكة تطاولها مجموعة ممن الانتقادات وتطرح بخصوصها العديد من الأسئلة". وتضيف: "عوض أن تقوم الوزارة بتقييم حقيقي لهذه التجربة وإعادة النظر، فيها نسجل الآن أن الوزير يراهن عليها لتقليص الهدر المدرسي في ظل غياب أي دراسة تقييمية لهذه التجربة المرتبكة".
من جهة أخرى، تعتبر اشويكة أن الرهان على إحداث خلايا التتبع النفسي للأطفال المعرضين للهدر المدرسي "يبقى مجرد تمنٍّ وإطلاق للكلام على عواهنه"، شارحة أن "الذين يشتغلون في التعليم ويواكبون ما يعانيه القطاع من إشكالات سيستغربون من إدراج مقترح كهذا بالنظر إلى العديد القليل جداً من المختصين الاجتماعيين الذين يُعيَّنون في مجموعة من المؤسسات التعليمية، وليس في كل المؤسسات، فضلاً عن الغموض والتشويش اللذين يكتنفان مهامهم، وعدم وضوح اختصاصاتهم رسمياً، دون نسيان أنه في ظل واقع نعرفه جميعاً يتعلق بضعف الإدارة التربوية (الإداريين والحراس العامين) يضطر مديرو المؤسسات إلى الاستعانة بهم للقيام بمهام إدارية بالأساس".
وتتابع: "هذا الواقع يدفعنا إلى التساؤل: كيف يمكن الحديث عن إحداث خلايا التتبع النفسي في أفق 2026 تساهم في تقليص الهدر المدرسي بنسبة 50 في المائة في ظل الواقع الذي يعيشه قطاع التعليم. أعتقد أن وصول تلك النسبة في ظرف سنة يبقى مجرد حلم يبدو تحقيقه شبه مستحيل".
وتبدي اشويكة استغرابها من رهان الوزارة على توفير النقل المدرسي والمطاعم ودور الإيواء، للحد من الانقطاع المدرسي في العالم القروي، قائلة: "كيف يمكن الرهان على هذا الأمر، والزعم بالقدرة على حل هذا المشكل، علماً أن الإطعام والنقل المدرسي في العالم القروي معضلتان بنيوتان؟ وكيف يمكن لكل قرى المغرب أن تتوفر على الحد الأدنى من وسائل النقل المدرسي والمطاعم بشكل يسمح بإيقاف نزف الهدر المدرسي في ظرف سنة؟ تبعاً لذلك، أعتقد أن ما قدمه الوزير مجرد أحلام وتمنيات بعيدة كل البعد عما ينبغي أن يقوم به قطاع التعليم، من خلال وضع استراتيجية حقيقية بمؤشرات وآليات فعلية ناجعة قادرة على إيقاف نزف الهدر المدرسي".