استمع إلى الملخص
- يعبر المواطنون عن قلقهم من تقلبات الطقس الحادة وتكرار الكوارث مثل فيضانات إعصار دانيال، مع نزوح السكان في مناطق مثل غات وتهالا، مما يعكس عدم فعالية الاستجابة الحكومية.
- يشير الأكاديمي سليمان الزحاف إلى زيادة المخاطر بسبب عدم استعداد السلطات وغياب أنظمة الإنذار المبكر، مع نزوح الآلاف في غات وأضرار في البنية التحتية.
لا يزال كابوس فيضانات درنة حاضراً في أذهان الليبيين في ظل التحذيرات من أمطار مبكرة وسيول وسط ضعف في الاستجابة الحكومية
وسط تحذيرات مبكّرة من المركز الوطني للأرصاد الجوية عن حدوث سيول وتساقط أمطار غزيرة في وقت مبكر من موسم الأمطار المعتاد أن يحل في الخريف من كل عام، تتصاعد المخاوف من عدم قدرة البلاد على مواجهة التداعيات المتسارعة لتغير المناخ، في ظل ضعف البنية التحتية وغياب الإجراءات الحكومية الفاعلة.
وأخيراً، حذر المركز، في بيان، من هطول أمطار رعدية على مناطق الجنوب الغربي، ما قد يتسبب في جريان الأودية، مبيناً أن المناطق المتوقع أن تشهد موجة أمطار هي العوينات ومرزق وتهالة وسبها وبنت بيه وأوباري والقطرون. ورغم تساقط أمطار في مناطق الجنوب الغربي من دون خسائر كبيرة، وتسرب المياه بين شعاب الأودية من دون أن تصل إلى المدن، عاد المركز الوطني ليحذر من جديد من استمرار مخاطر سيول الأودية في المناطق نفسها، خصوصاً تلك الحدودية مع الجزائر، كمدن غدامس وغات، إذ من المرجح أن تضرب موجة أمطار مرتفعات شرق الجزائر المتصلة بالأودية التي تصب في مناطق غرب البلاد وجنوب غربها.
وجاءت هذه التحذيرات على وقع أمطار غزيرة ضربت شرقي ليبيا، تسببت في جريان أودية وسيول، ما دفع مديرية أمن درنة إلى تحذير السائقين من السرعة على طريق الحسي - التميمي بسبب الأمطار والسيول الجارفة. ووفقاً لبيان لمديرية درنة، فقد شهدت المنطقة بين الحسي والتميمي سيولاً جارفة انخفض خلالها مدى الرؤية الأفقية، وجددت مطالبتها السائقين بتخفيف السرعة واتباع إرشادات المرور، وتجنب المناطق المنخفضة، واستخدام الأضواء الأمامية، وتأجيل السفر غير الضروري.
وأعرب مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوف عميقة من تقلبات الطقس الحادة التي تمر بها البلاد منذ ثلاث سنوات، في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد، وضعف الخدمات، وسوء البنية التحتية، وأعربوا عن انزعاجهم من إهمال حكومات البلاد لمخاطر تقلبات المناخ. وفي مناسبات عدّة، كرّرت هيئة الأرصاد الجوية افتقارها إلى الإمكانات اللازمة لمواجهة هذه الظواهر، خصوصاً مراصد الإنذار المبكر.
وأعرب العديد من المواطنين عن قلقهم بسبب ما شهدته الأعوام الثلاثة الماضية من كوارث، أبرزها وأكثرها فاجعة فيضانات إعصار دانيال الذي ضرب درنة وشرقي ليبيا في سبتمبر/أيلول 2023، متسببة بدمار هائل وخسائر بشرية جسيمة، بالإضافة إلى الفيضانات التي اجتاحت مناطق الجنوب في وقت مبكر من خريف العام الماضي، وتسببت في غرق مناطق ونزوح سكانها لأسابيع عدة في غات وتهالا والقطرون جنوب غربي البلاد، والأضرار الجسيمة التي لحقت بمنطقة الكفرة جنوب شرقي البلاد جراء السيول، فضلاً عن فيضانات شمال غربي البلاد التي طاولت ترهونة وبني وليد في العام نفسه.
وتعكس هذه المخاوف واقعاً يتكرر كل عام، بحسب شهادة إبراهيم أبا، وهو من سكان تراغن جنوبي البلاد، الذي يرى أن إعلانات حكومتي طرابلس وبنغازي المتكررة عن رفع حالات الجهوزية في كل عام للتعامل مع السيول والأمطار، يقابله واقع غير عملي، فأقصى ما تقوم به الحكومتان لا يتعدى إرسال بعض المعونات الغذائية وسيارات النقل والإسعاف. يضيف لـ "العربي الجديد": "في كل عام، يجد السكان النازحون أنفسهم مضطرين للعودة إلى مساكنهم المتضررة لإصلاحها بأنفسهم من دون أي دعم حكومي حقيقي، ما يزيد قلقه في الموسم الحالي بسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف الإصلاح المتكرر".
في هذا السياق، يعرب الأكاديمي وأستاذ الدراسات المناخية سليمان الزحاف، عن قلقه إزاء استباق موجة الأمطار والفيضانات لموسمها المعتاد في الخريف، مشيراً إلى أن موجة الأمطار الغزيرة التي شهدتها مناطق شرق البلاد، والتحذير من أخرى في جنوب غرب البلاد، يعكسان مؤشراً على تحولات مناخية قد تفاجئ البلاد إذ وقعت في بداية موسم الصيف.
ويؤكد الزحاف، لـ"العربي الجديد"، أن خطر هذه التحولات يتضاعف كثيراً بسبب عدم اكتراث السلطات بهذه المخاطر وغياب الاستعدادات الجادة لمواجهتها، سواء على مستوى البنية التحتية غير القادرة على الصمود أو أنظمة الإنذار المبكر أو خطط الإخلاء والإيواء والإغاثة الفعالة. ويلفت الزحاف إلى جملة من الظواهر والمؤشرات الأخرى التي يرى أنها تدق ناقوس خطر تغير المناخ في ليبيا، التي لا تزال السلطات عاجزة عن تقديم تفسيرات واضحة أو إجراءات وقائية حيالها. من بين هذه المؤشرات التي يذكرها الزحاف، التشققات الأرضية في مناطق جنوب العاصمة طرابلس وجنوب غربها، والتي قد يتوقع ارتباطها بتغيرات جيولوجية أو هيدرولوجية مرتبطة بالمناخ، وكذلك الحرائق الضخمة التي اندلعت في منطقة الأصابعة (جنوب طرابلس) منذ فبراير/شباط الماضي. ولا تزال الحكومات عاجزة عن تقديم تفسير لأسباب الظاهرتين ومعالجتهما.
في أغسطس/آب 2024، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة نزوح أكثر من 5800 شخص في منطقة غات جنوب غربي ليبيا بعد فيضانات شهدتها المنطقة، موضحة أن غالبية النازحين لجأوا إلى ذويهم، بينما لجأ آخرون إلى المخيمات والمدارس بواقع 720 في تهالا، و3280 في غات، و100 في وادي إيسين، و1725 في البركت. وتسببت السيول آنذاك في أضرار جسيمة بشبكات الكهرباء والاتصالات في مناطق جنوب غربي البلاد، وكذلك في مناطق شرقي طرابلس، وخصوصاً في ترهونة وبني وليد.