استمع إلى الملخص
- مقاومة حي بابا عمرو: تحول الحي إلى مركز للمقاومة بعد انشقاق عناصر من الجيش النظامي، مما جعله عصيًا على النظام رغم محاولات الاختراق بالدبابات والآليات الثقيلة.
- التحديات والانسحاب: في فبراير 2012، انسحب الثوار من بابا عمرو بعد مقاومة 27 يومًا، لكنهم عادوا وحرروا الحي في مارس 2013، ودخلوا منتصرين في ديسمبر 2024 بعد سقوط النظام.
يلحظ من يزور مدينة حمص في وسط سورية، فرحة أهلها بانتصار الثورة وإسقاط نظام بشار الأسد، كما يشاهد شوارعها وساحاتها المزدانة بأعلام الثورة، واللافتات التي تتضمن عبارات تدعو إلى التكاتف والتعاضد لبناء سورية الجديدة، ولا بد للزائر أن يتذكر حي بابا عمرو، معقل الثوار الذي بات أيقونة حمص، واستحق لقب عاصمة الثورة في السنة الأولى لانطلاقتها في ربيع عام 2011.
يتحدر ناصر النهار من بابا عمرو، وهو أحد قادة الحراك الثوري، وقد دخل الحي مع طلائع المحررين في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ويروي لـ"العربي الجديد": "كنت في العشرينيات نهاية 2011، وشاركت في التظاهرات السلمية التي واجهها نظام الأسد بالرصاص الحي، ما دفع بعضنا إلى حمل السلاح. في البداية أصبح حي بابا عمرو الذي يقع في الزاوية الجنوبية الغربية لمدينة حمص، عاصمة لمظاهرات الأحياء والقرى القريبة، مثل جوبر والسلطانية، ثم بدأت قوات النظام تتكتل ضد التظاهرات، فسقط الشهداء، عندها بدأنا مواجهة قوات الأمن لمنعها من دخول الحي، وكنا حينها بلا سلاح، واستخدمنا ما توفر لدينا من وسائل، وأغلقنا الطرقات بالحجارة".
يضيف النهار: "لاحقاً انشق عن جيش النظام عدد من العناصر والضباط، من بينهم الملازم عبد الرزاق طلاس، والملازم وليد العبد الله، والملازم قاسم شهاب الدين وغيرهم، فتولى الثوار حمايتهم، وأصبح الحي مركزاً لحماية المنشقين، وبات عصياً على النظام. لكنه حشد مزيداً من الجنود في أطراف الحي. وحين خرجت التظاهرات زاد الاحتكاك مع جنود النظام الذين أطلقوا الرصاص على المشاركين، فزادت عزيمة الثوار، وحملوا السلاح، وسيطروا على الحي بالكامل، ما جعل قوات النظام غير قادرة على دخوله. عندها استخدم النظام الدبابات والآليات الثقيلة لدخول الحي في أغسطس/آب 2011، وتمركزت قوات ضخمة في المؤسسة الاستهلاكية، وطُوّق الحي، لكن الثوار لم يستكينوا، وطوّروا العمل المسلح، واستطاعوا منع قوات النظام من اختراق الحي".
يتابع: "أطلق جيش النظام في منتصف سبتمبر/أيلول 2011، حملة عسكرية شارك فيها نحو 20 ألف جندي من مختلف وحداته بقيادة الحرس الجمهوري، وقد أطلق على العملية اسم "زئير الأسد"، واستمرت ثلاثة أيام، وزادت أعداد القتلى، وزاد أيضاً إصرار الثوار الذين حرروا الحواجز العسكرية داخل الحي، وبقي المقر الرئيس في المؤسسة الاستهلاكية. أما الحملة الثانية فنفذت بمشاركة أكثر من 20 ألفاً، وحملت اسم "الطوق الذهبي"، بعدما جرى حفر خندق حول حمص. دحر الثوار هذه الحملة أيضاً، وتحرر الحي، وتوسعت مناطق الثوار إلى الإنشاءات".
يكمل النهار: "في 22 ديسمبر 2011، شن النظام حملة كبيرة على حي بابا عمرو، بعدما أسر الثوار عدداً من الخبراء الإيرانيين، ورئيس استخبارات النظام عبد الكريم نبهان، وضابطاً مهماً هو سمير حويجة، وآخرين. اجتيحَ الحي خلال ثلاثة أيام، فتدخل نائب وزير الدفاع حينها العماد الراحل آصف شوكت، وأجرى مفاوضات مع الثوار الذين رفضوا عرض وقف إطلاق النار في حي بابا عمرو بمفرده، وطالبوا بأن يشمل كل بقعة ثائرة في حمص، لكن شوكت، وهو صهر بشار الأسد، لم يستطع تحقيق هذا، ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، إذ كان النظام يحاول شراء الوقت فقط".
ويكشف أنه "في هذه الأوقات، كادت ذخيرة الثوار أن تنفد، ولم يملكوا سوى 1600 طلقة روسية. شهدت هذه الحملة مقتل عدد كبير من قوات النظام، فتدخل رئيس بعثة مراقبي الجامعة العربية إلى سورية، الفريق مصطفى الدابي، وأجرى مفاوضات أسفرت عن انسحاب جيش النظام من كامل الحي برعاية البعثة، وتعزز موقف الثوار، وأسسوا مجلساً عسكرياً، وإدارة مدنية للحي، وإدارة لرعاية شؤون اللاجئين، وأخرى لشؤون الشهداء، ودخلت وفود صحافية أجنبية لنقل الواقع المعاش. كان الحي محرراً من الداخل ومحاصراً من الخارج، ودخلت المواد الغذائية من بوابة فساد الجيش عبر الرشاوى".
في فبراير/شباط 2012، وفي ذكرى مجزرة حماة التي نفذتها قوات حافظ الأسد عام 1982، حشد النظام قواته من الحرس الجمهوري وقوات مختلفة، وشن هجوماً عنيفاً على الحي، واندلعت معركة استخدم فيها راجمات الصواريخ والمدافع الثقيلة، وتواصل القصف ليلاً ونهاراً. قاوم الثوار27 يوماً، ثم انسحبوا بعدما كشف النظام النفق الذي استخدموه، وكان بطول ثلاثة كيلومترات، باتجاه القصير. وقتِلت خلال هذه الحملة الصحافية الأميركية ماري كولفن، وسقط خلال المعركة عدد كبير من قادة الثورة، ودخل جنود النظام الحي، ونقدر أنه قتل نحو ألف مدني في يوم واحد، وسلمت بعض جثامين قادة الحراك الثوري التي أدخلت الرعب إلى قلوب عناصر النظام، ثم انسحب بقية الثوار المسلحين إلى الوعر.
ويرى نهار أن "انسحاب الثوار من بابا عمر كان كارثة للنظام، إذ توزع المقاومون على أحياء حمص المدينة والقصير والشمال والجنوب، كما توجهوا إلى محافظات أخرى، منها حلب وريف دمشق، ودعموا العمل المسلح فيها، وفي 10 مارس/آذار 2012، اجتاح جيش النظام الحي بالكامل، وأعلن تحرير بابا عمرو، لكن بعد عام واحد، وفي التاريخ نفسه، 10 مارس 2013، عاد الثوار وحرروا الحي، والتقطوا صوراً في المواقع ذاتها التي التقط الرئيس المخلوع صوراً فيها. وأخيراً، وفي 8 ديسمبر الماضي، دخل الثوار بابا عمرو فاتحين بعدما أسقطوا الأسد ونظامه، وعاد أهل الحي الذين كان عددهم قبل عام 2011 نحو 100 ألف نسمة إليه، لكن بنسبة 40% لأن العديد من البيوت أصبحت ركاماً، ولا تصلح للعيش".