حي الزيتون... عودة تدريجية للحياة رغم الدمار الهائل

27 فبراير 2025
حجم الدمار مروع في حي الزيتون، 23 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عودة تدريجية للسكان: بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، بدأ سكان حي الزيتون بالعودة تدريجياً رغم الدمار الواسع، حيث أقام البعض خياماً على أنقاض منازلهم كرمز للصمود.

- تحديات البنية التحتية: يواجه العائدون تحديات كبيرة مثل الدمار وأزمة المياه، مع استمرار التواجد العسكري الإسرائيلي الذي يعيق الوصول لبعض المناطق، لكن السكان بدأوا بإعادة الحياة بفتح المحال التجارية.

- الأمل في الإعمار: يعبر السكان عن إصرارهم على الصمود وأملهم في إعادة إعمار الحي، داعين لتكاتف المجتمع والدعم الدولي لإعادة البناء، مما يعكس روح التحدي في مواجهة التهجير.

بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، رغم الدمار الواسع الذي طاول غالبية منازله وشوارعه ومدارسه وبنيته التحتية خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع

على امتداد أشهر العدوان، كان حي الزيتون في مدينة غزة أشبه بمنطقة أشباح بعدما نزح معظم سكانه تاركين خلفهم منازلهم وممتلكاتهم وذكرياتهم، خصوصاً سكان المنطقة التي تضم شارعي 10 و8 اللذين يقعان ضمن "محور نتساريم" الذي كان يقسم قطاع غزة، وتفصل حواجزه العسكرية الشمال عن الجنوب.
وحي الزيتون هو أكبر أحياء مدينة غزة من حيث المساحة، وثانيها من حيث عدد السكان، وقدر عدد سكانه قبل العدوان الإسرائيلي بنحو 190 ألف نسمة، وهو يقع في قلب المدينة القديمة، ويحتل نصفها الجنوبي تقريباً، وسُمي بذلك نسبة لكثرة أشجار الزيتون التي ما زالت تغطي معظم أراضيه الجنوبية، ويضم العديد من المعالم كمسجد الشمعة، ومسجد العجمي، وجامع كاتب الولاية، وكنيسة دير اللاتين، وقد ارتكب جيش الاحتلال فيه عدداً من أبشع المجازر، ما خلّف عشرات الشهداء والجرحى.
ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، وبدء الانسحاب التدريجي لجيش الاحتلال من بعض مناطقه، بدأت عودة السكان تدريجياً إلى منازل غالبيتها مدمرة أو شبه مدمرة، ما دفع بعضهم إلى الإسراع ببناء خيام على أنقاض المنازل، في رسالة مفادها: "لن نرحل، وسنبقى صامدين فوق أرضنا وركام منازلنا".
يقول الفلسطيني أحمد طوطح لـ "العربي الجديد": "دمر الاحتلال كل معالم الحي، وأصبحت غالبية المنازل غير صالحة للسكن، ولا توجد أدنى مقومات للحياة، فكأن زلزالاً ضرب المنطقة وأخفى ملامحها. لكننا رغم كل ذلك  لن نتركها. أعيش في شارع (10) جنوبي الحي، ومنذ بداية الحرب نزحتُ عدة مرات، كان آخرها إلى جنوبي القطاع، وعندما عُدت فاجأني حجم الدمار، وأن منزلي تعرّض للحرق".
ويوضح طوطح أن "الاحتلال لا يزال متمركزاً في المناطق الجنوبية من الحي، ما يجعل السكان غير قادرين على الوصول إلى منازلهم رغم الانسحاب التدريجي، وتُعتبر تلك المناطق حمراء، وفق التصنيف الإسرائيلي لمناطق قطاع غزة".
يبدو المشهد صعباً بالنسبة للفلسطيني محمد صابر، والذي يؤكد أن الأوجاع تطارده نتيجة ما حلّ بحي الزيتون الذي عاش فيه منذ طفولته، ويقول بكلمات تجتاحها نبرة القهر: "لم أتخيل يوماً أن يصبح الحي الذي كان يضج بالحياة دوماً إلى مكان مظلم مدمر، وكأنه مدينة أشباح، فلا حياة تذكر بعدما عاث جيش الاحتلال فساداً في كل أرجاء الحي ودمر منازله وشوارعه وكل شيء فيه".

ويحكي صابر الذي يسكن في أطراف شارع (8) الذي يبعد عن حاجز نتساريم نحو ثلاثة كيلومترات لـ "العربي الجديد": "ألحق الاحتلال بمنزلي أضراراً بليغة نتيجة إحراقه بالكامل، لكن لا ملجأ لي غيره، لذا اضطررت إلى إجراء بعض الإصلاحات الطفيفة كي أسكن فيه رفقة عائلتي. الشوارع مُغلقة بفعل الدمار الذي لحق بها والركام الذي يغرقها، وأزمة المياه تخنق جميع السكان الذين عادوا، والذين يعتمدون بشكل كامل على شاحنات المياه التي تأتي إلى المنطقة بين الفينة والأخرى، ما يفاقم من معاناة العيش في حي مدمر".
بدوره، رفض الفلسطيني عادل ناجي ترك الحي الذي تربى فيه، وآثر أن يبقى خلال أشهر العدوان رغم المخاطر، لكنه اضطر للنزوح عدة مرات خلال الاجتياح الإسرائيلي الذي تكرر، وهرباً من تكثيف القصف الجوي والمدفعي تجاه المنازل، في مشهد يعكس مدى إصراره على البقاء والصمود على الرغم من الخراب الذي طاوله.

إعادة إعمار حي الزيتون ضرورة. 23 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/الأناضول)
إعادة إعمار حي الزيتون ضرورة، 23 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/الأناضول)

ويقول ناجي لـ "العربي الجديد": "بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى الحيّ، وبدأت تظهر حركة أكبر للسكان، إضافة إلى أن بعض المحال التجارية الموجودة في شمالي الحي فتحت أبوابها مجدداً، وآخرين نصبوا (بسطات) على جانبي الطرق المُدمرة في محاولة منهم لإعادة ضجيج الحياة الذي اعتادوا عليه قبل حرب الإبادة. نأمل أن يتم إعادة إعمار الحي من جديد، ومثله كل أنحاء قطاع غزة، وإصلاح البنية التحتية المُدمرة من أجل تخفيف المعاناة التي يعيشها السكان، وكي يتمكن الناس من العودة إلى حياتهم السابقة، ويعود بقية النازحين".
من جانبه، يؤكد الفلسطيني أبو البراء حجازي أن الحياة بدأت تعود إلى معظم مناطق حي الزيتون، خصوصاً بعد عودة السكان الذين نزحوا إلى مناطق جنوبي قطاع غزة في بداية اندلاع حرب الإبادة. ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن "الحي يضم بين جنباته العديد من المناطق الأثرية، وبعض المدارس والمساجد القديمة، وجميع هذه المناطق تعرضت للقصف والتدمير، إضافة إلى منازل وممتلكات المواطنين ومحلاتهم التجارية".
ويضيف حجازي: "منذ بداية العدوان كان جيش الاحتلال يتمركز في حاجز نتساريم، وعلى إثر ذلك لا يستطيع عشرات المواطنين الذين يسكنون في المناطق القريبة من الحاجز الوصول إلى منازلهم، ويتواصل ذلك رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لأن طائرات الاحتلال المسيرة لا تفارق المكان. عدد من مناطق الحي شهدت عودة تدريجية للسكان، وباتت هناك حركة في الشوارع والأزقة، وظهرت بسطات عشوائية يستطيع من خلالها المواطنون سد احتياجاتهم المعيشية، وكل تلك محاولات لإعادة الحياة إلى الحي، كما يجري إقامة بعض المخيمات لإيواء أصحاب المنازل المدمرة أو المتضررة بشدة".

منازل عدة طاولها الدمار. 23 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/الأناضول)
منازل عدة طاولها الدمار، 23 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/الأناضول)

بدوره، يقول الفلسطيني محمد سليم إنه توجه إلى حي الزيتون لتفقد منزله بعد انسحاب جيش الاحتلال من بعض مناطق الحي، ويوضح لـ"العربي الجديد": "ما حلّ بحي الزيتون كارثي، ويثبت أن هذا العدو همجي، ولا يفرق بين البشر والحجر والشجر، وأنه كان يتعمد التدمير خلال حرب الإبادة التي شنها على قطاع غزة".
ويضيف سليم: "لن نترك قطاع غزة، وشخصياً لن أترك حي الزيتون مجدداً، مهما كلفني الأمر من ثمن، لكننا ندعو إلى ضرورة تكاتف جميع أطياف المجتمع الفلسطيني، ودعم الدول العربية والإسلامية، وكذا الغربية من أجل إعادة بناء المنازل، وإصلاح البنية التحتية المدمرة".
كان الفلسطيني محمد عبد الرحمن يتنقل بين شوارع حي الزيتون بينما تحمل نظراته قدراً كبيراً من القهر، وهو يقول: "لا أستوعب بعد ما الذي حلّ بحي الزيتون، والذي كان يضج بالحياة، وهو من أجمل أحياء مدينة غزة؛ وكأن زلزالاً ضربه، ودمر كل معالمه، والتي باتت كلها خرابا ودمارا وأكواما من الحجارة".
يضيف عبد الرحمن لـ "العربي الجديد": "شهد حي الزيتون رحلة نزوح كبيرة للسكان منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع، ولاتزال الكثير من مناطقه بلا سكان حتى اللحظة، فيما عادت الحياة إلى مناطق أخرى، خصوصاً الواقعة في وسط الحي وشماله، والتي دبّت فيها الروح بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. يبدو أن الاحتلال كان يسعى من خلال هذا التدمير الكبير إلى تهجير سكان الحي نهائياً، وجعله فارغاً ضمن محاولاته للسيطرة، لكن هذه المخططات باءت بالفشل بفعل صمود المواطنين، ورفضهم كل خطط التهجير، وسيبقى الحي شوكة في حلق الاحتلال دائماً".

ويتابع: "سُنعيد إعمار ما دمره الاحتلال في الحي، وسُنعيد الحياة إليه، وسيعود قريباً كما كان قبل الحرب، فعودة السكان وبناء المخيمات ونصب عدد كبير منهم الخيام فوق أنقاض منازلهم المدمرة يبعث الأمل والطمأنينة بأن الحياة ستعود إلى هذا الحي الكبير. وندعو الجميع من داخل غزة ومن خارجها إلى التكاتف من أجل البدء الفعلي في إعمار كل القطاع، خصوصاً البنية التحتية التي تمثل شريان الحياة وسبيل بقاء الإنسان".
ويقع محور "نتساريم" جنوبي حي الزيتون، وقد انسحب منه جيش الاحتلال في اليوم الـ 22 من سريان اتفاق وقف إطلاق النار، ويعد الشريان الواصل بين محافظات القطاع، إذ يمتد طوله إلى نحو 6,5 كيلومترات جنوبي مدينة غزة، ويقسم شمالي القطاع عن جنوبه من أقصى شرق القطاع إلى البحر، وقد أحدث فيه الاحتلال دماراً وخراباً كبيرين حسبما يقول السكان الفلسطينيين.
ويشار أيضاً إلى أنّ دماراً واسعاً طاول شارع صلاح الدين الواقع جنوبي حي الزيتون، والذي يمتد من شمالي القطاع إلى جنوبه، ويضم محيطه العديد من المنشآت الصناعية والحيوية، والتي أصبح الكثير منها أكواماً من الحديد والحجارة.

المساهمون