حياة المغتربين في روسيا رهن "الإبداع" في اللغة

07 مايو 2025
سيفرض قانون التعليم إتقان أبناء الأجانب اللغة الروسية، 8 أكتوبر 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحديات التعليم لأبناء المغتربين: توقفت المدارس الروسية عن قبول أبناء المغتربين الذين لم يجتازوا اختبار اللغة الروسية بنسبة 90%، مما يهدد بتسرب الطلاب من التعليم ويثير القلق حول استهداف القانون للمغتربين.

- التداعيات القانونية والاجتماعية: يُحال الأطفال الراسبون إلى دورات مدفوعة لتقوية اللغة الروسية، مما قد يكون مكلفًا للمغتربين، ويُحرمون من الطعن في قرارات الرفض، مما يضع العائلات أمام خيارات صعبة.

- وجهات نظر متباينة: يرى البعض أن القانون يحفز تعلم اللغة الروسية، بينما تشير الاختبارات إلى أن 18% فقط من التلاميذ يواجهون مشكلات لغوية، مما يثير تساؤلات حول حجم المشكلة.

زاد توقف المدارس الروسية، بدءاً من مطلع إبريل/ نيسان الماضي، عن قبول أبناء المغتربين الأجانب إذا لم يجتازوا اختبار اللغة الروسية، المخاوف من تسرّب أعداد هائلة من أبناء العمال الوافدين من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى من التعليم. وتقول منسقة مشروع إتاحة التعليم في لجنة العون المدني المعنية بأوضاع المغتربين واللاجئين في روسيا، صوفيا إسماعيلوفا، لـ"العربي الجديد": "النسبة العالية المطلوبة لاجتياز اختبار اللغة الروسية قد تؤدي إلى تسرّب أعداد هائلة من أبناء المغتربين من التعليم، ما يوحي بأن القانون يستهدف إرغام المغتربين على إعادة أبنائهم إلى أجدادهم في أوطانهم".
تضيف: "جرت مناقشة القانون منذ الصيف الماضي، وكنا نأمل عدم تبنيه بطريقة تجعل ضعف مستوى الطفل في اللغة الروسية عقبة أمام التحاقه بمدرسة لأنه يتعارض مع الدستور الذي يحصن الحق في التعليم على نفقة الدولة في المرحلة المدرسية على الأقل، لكن اعتُمِدَت اختبارات بالغة الصعوبة مع اشتراط حصول المتقدم على درجة لا تقلّ عن 90%، وهو مستوى قد لا يجتازه حتى بعض الأطفال الروس".
وتضمن المادة الـ43 من الدستور الروسي حق الجميع في الحصول على تعليم مجاني في كل مراحل الدراسة، حتى الثانوية أو المرحلة المتوسطة، مع حصر الحق في التعليم العالي المجاني في من يستوفون شروط إثبات الجدارة العلمية، ويُلزم أولياء الأمور بضمان تلقي أبنائهم التعليم المدرسي.
وتحذر إسماعيلوفا من التداعيات الخطرة لتطبيق القانون المعدل، وتقول: "يُحال الأطفال الراسبون في الاختبار على دورات مدفوعة لتقوية لغتهم الروسية، التي قد تكون خارج متناول فئات واسعة من المغتربين الذين سيُحرمون أيضاً الطعن في رفض قبولهم أبناءهم إلى المدارس أمام المحاكم، لذا ستواجه عائلات المغتربين خياراً صعباً بقبول تسرّب أبنائهم من التعليم، أو إعادتهم إلى أجدادهم في أوطانهم، وهو ما يهدف إليه القانون، بحسب ما يبدو".
في المقابل، يعتبر رئيس النادي الأوراسي للتحليل، الباحث المتخصص في قضايا الهجرة، نيكيتا ميندكوفيتش، أن تبني إجراءات تنظم حياة المغتربين في روسيا أمر طبيعي في ظل تزايد أعدادهم، ويتوقع أن يحفز القانون الجديد عائلات الأجانب على تعليم أبنائها اللغة الروسية إن أرادوا العيش في روسيا، ويقول لـ"العربي الجديد": "هذا الإجراء طبيعي، وسببه زيادة كثافة حركة الهجرة الوافدة إلى روسيا بقدوم بعض المغتربين مع عائلاتهم لإدراكهم أن روسيا تتفوق على أوطانهم على صعيد معايير جودة الحياة والراحة والأمان. ويؤدي ذلك إلى تزايد عدد الأجانب الذين يريدون إلحاق أبنائهم بالمدارس الروسية. وإذا كان الطفل لا يجيد اللغة سيعرقل كل العملية التعليمية للصف".

تستقبل روسيا ملايين المغتربين من جمهوريات سوفييتية سابقة، 2 سبتمبر 2024، (Getty)
تستقبل روسيا ملايين المغتربين من جمهوريات سوفييتية سابقة، 2 سبتمبر 2024 (Getty)

ومع ذلك، يقلل ميندكوفيتش من مزاعم اتساع المشكلة، ويقول: "أظهرت الاختبارات الأخيرة أن 18% فقط من التلاميذ الأجانب يواجهون مشكلات لغوية، وأعتقد أن القانون يهدف إلى تحفيز أولياء الأمور على تعليم أبنائهم اللغة الروسية إن أرادوا العيش في روسيا، وستساعدهم الدولة في ذلك عبر دعم دورات التقوية، على أن تُقدِم الأسرة على الخطوة الأولى لحل المشكلة". ويخلص إلى أن "وجود مشكلات تتعلّق بالمهاجرين يجب أن يشكل خبراً ساراً لروسيا، لأنه يعكس جاذبيتها للأجانب".
وكان نواب في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، بينهم رئيسه فياتشيسلاف فولودين، ونائبته إرينا ياروفايا، ورؤساء كل الكتل البرلمانية، قد قدموا مشروع التعديلات على قانون التعليم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي من أجل مناقشته في البرلمان. وزعم فولودين حينها أن "41% من أبناء المغتربين لا يجيدون اللغة الروسية أو يلمون بها في مستوى متدنٍ للغاية، ما يؤثر سلباً في جودة الخدمات التعليمية المقدمة إلى باقي التلاميذ".
وصدّق الدوما بالإجماع على القانون في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثم قررت الهيئة الروسية للرقابة في مجال التعليم "روس أوبر نادزور" في منتصف فبراير/ شباط الماضي ألّا تقلّ درجة الطفل في الاختبار عن 30% كي يُقبل في المدرسة، لكنها تراجعت بسرعة عن هذا الشرط بعدما أثار جدلاً واسعاً. وفي نهاية المطاف تقرر اعتماد اختبار مدته 80 دقيقة يضم واجبات شفهية وأخرى كتابية، على ألّا تقلّ نسبة الإجابات الصائبة عن 90%. وفي حال الرسوب، يمكن أن يجتاز الطفل الاختبار مرة أخرى بعد ثلاثة أشهر على الأقل.

يذكر أن ملايين المغتربين من الجمهوريات السوفييتية السابقة ذات الأوضاع الاقتصادية المتردية في آسيا الوسطى، وعلى رأسها طاجيكستان وقرغيزستان، لا يجدون بديلاً من التوجه إلى روسيا التي لا تفرض عليهم تأشيرات دخول مسبقة، بحثاً عن مصدر رزق وغد مشرق. وتساهم التحويلات المالية لهؤلاء المغتربين بحصة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي في بلدانهم الأصلية، لكن ضعف مستوى إتقانهم اللغة الروسية وعيشهم ضمن تجمعات وفق تقاليد مجتمعاتهم يتسبب في توترات مع السكان المحليين، ويعلي الأصوات التي تطالب بتشديد القوانين في حقهم.

المساهمون