حياة الخيام في غزة... قصف البيوت قتل أحلام العودة

28 يناير 2025
حجم الدمار هائل في غزة، 26 يناير 2025 (عمر القطاع/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عودة النازحين وتحديات الإعمار: بعد وقف إطلاق النار، بدأ الفلسطينيون في غزة بالعودة، لكن الدمار الشامل ومناطق التماس مع الاحتلال تعيق عودة الكثيرين، مما يضطرهم للعيش في ظروف صعبة بالخيام ومراكز الإيواء، مع توقعات بأن تستغرق إعادة الإعمار سنوات.

- قصص معاناة الأفراد: يواجه الفلسطينيون تحديات كبيرة في العودة لمنازلهم المدمرة، مثل محمود الزبن الذي لا يستطيع إصلاح منزله، وأحمد محمد الذي يعيش في خيمة بسبب قرب قوات الاحتلال.

- الوضع الإنساني المتدهور: النزوح القسري لنحو مليوني فلسطيني أدى لنقص حاد في الغذاء والماء والدواء، وانتشار الأمراض المعدية، مما أجبر العائلات مثل خالد نبهان وأحمد أبو نصر على العيش في ظروف مأساوية.

يعود عشرات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة إلى مناطقهم التي نزحوا منها قسراً خلال العدوان الإسرائيلي، لكنّ آلافاً آخرين لن يمكنهم العودة لأسباب مختلفة، من بينها الدمار الكبير وعدم انسحاب جيش الاحتلال.

رغم بدء عودة النازحين وفق اتفاق وقف إطلاق النار، لن يتمكن عشرات الآلاف في قطاع غزة من العودة إلى منازلهم، إما نتيجة تدميرها بالكامل، بينما لا يملكون تكاليف إصلاحها، أو لقربها من مناطق التماس مع قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي ما زالت تتمركز بعمق نحو يتراوح بين 700 إلى 1000 متر على طول السياج الفاصل شرقي القطاع، وعلى الحدود مع مصر، مع مواصلة إطلاق آلياتها النار على المنازل ونسف البيوت. 
وبعد المكوث لنحو خمسة عشر شهراً في الخيام ومراكز الإيواء، سيتعين على كثيرين البقاء فيها لفترة زمنية غير محددة، إلى حين انسحاب جيش الاحتلال الكامل من القطاع، وبدء عملية الإعمار التي يتوقع أن تستغرق سنوات طويلة، ما يجعل مصيرهم مجهولاً، ويجعلهم معرضين لمعاناة مستمرة في توفير المياه والطعام وبقية متطلبات الحياة.
ووفق إحصائيات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة مؤخراً، تعرضت 161 ألفاً و600 وحدة سكنية في القطاع للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألف وحدة أخرى أصبحت غير صالحة للسكن، و194 ألفاً تضررت بشكل جزئي، ما يعني تضرر 437 ألف وحدة سكنية.

يتوقع أن تستغرق عملية إعادة إعمار قطاع غزة سنوات طويلة

في رفح، فوجئ الشاب محمود الزبن (29 سنة) أثناء قيامه بمساعدة صديقه في تنظيف بيته الواقع بالحي السعودي في حي تل السلطان غربي المدينة، بصوت دبابات إسرائيلية تقترب، وتطلق نيران رشاشاتها بشكل عشوائي، ثم اقتربت جرافة يرافقها جنود مشاة، وقاموا بهدم أحد المنازل القريبة.
يروي الزبن لـ "العربي الجديد": "كنا نعتقد أن المنطقة آمنة لكونها بعيدة عن مناطق التماس، وكان صديقي ينظف منزله للعودة إليه، واستغرق الأمر منا عدة أيام، وفي الأيام السابقة لم يحدث شيء. كنا نقترب من إنهاء العمل قبل قدوم الآليات، إذ قمنا بتنظيف غالبية مساحة البيت، لكن الواقعة شكلت صدمة لنا، واختبأنا في درج المنزل حتى انسحبوا، ثم غادرنا، وأرجأ صديقي قرار عودته إلى حين اتضاح الأمور".
الزبن نفسه تعرض منزله الواقع بذات الحي لأضرار جزئية، لكن ظروفه المعيشية الصعبة تمنعه من إجراء أي عملية إصلاح للمنزل الذي تعرضت طبقاته الثلاث للتفريغ، ولم يبق منه جدران، وبقيت الأسقف مع الأعمدة، في حين تملأ الحجارة كل أجزاء البيت، ما يجعل إصلاح جزء منه أمراً صعباً ومكلفاً. وإضافة لغياب المقدرة المالية، يحول عدم وجود مقومات حياة بالمنطقة دون التمكن من العودة. 
يضيف: "في كل زيارة أنظر من حولي، وأشاهد حجم الدمار، فأصاب بحالة من اليأس، وأعود إلى خيمتي الواقعة بمواصي خانيونس. ربما أعيش بالخيمة لنحو أربعين يوماً إضافية. المصير مجهول، لكننا سنستمر بالحياة رغم البرد".

يحتمون في خيام في منطقة المواصي لا تحميهم من قسوة المناخ (الأناضول)
خيام نزوح في مواصي خانيونس. 24 ديسمبر 2024 (الأناضول)

لم يستطع أحمد محمد الوصول إلى منزله في حي السلام إلى الجنوب الشرقي من مدينة رفح، بسبب قربه من وجود قوات جيش الاحتلال. يقول لـ "العربي الجديد": "كنت في شوق لرؤية البيت بعد العودة إلى رفح، لكن حجم الدمار بالمنطقة كان كبيراً، وعندما وصلت، وجدت أبراجاً كثيرة لجيش الاحتلال، إضافة إلى موقع عسكري على بعد 500 متر من منزلي، فلم أستطع الاقتراب، ورجعت إلى خيمتي في مواصي خانيونس".
يضيف: "الوضع في رفح صعب. كيف نعود وجيش الاحتلال موجود؟ مساحة رفح صغيرة، ومعظم الناس يسكنون على الحدود مع مصر، وبالتالي ستتواصل جرائم الاحتلال بحق الأهالي، ولا يمكن المخاطرة بأرواحنا للعيش في أماكن تصنف حالياً على أنها مناطق ساخنة أو حمراء. كان أملي أن أتمكن من نصب خيمة قرب منزلي المدمر، أو إصلاح جزء منه، لكني عدت إلى الخيمة التي تفتقر إلى أبسط سبل الحياة الكريمة، وسأكمل فيها حياتي مؤقتاً. قبل أيام غمرت مياه الأمطار الخيمة، وغرقنا وتبللت الأغطية والملابس".
واستشهد أكثر من 20 فلسطينياً في مدينة رفح منذ سريان وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، نتيجة انتهاكات الاحتلال وخروقاته للاتفاق. 
رغم انسحاب جيش الاحتلال من مدينة خانيونس في إبريل/ نيسان الماضي، إلا أن حجم الدمار الهائل بالمدينة يمنع الكثير من سكانها من العودة إلى منازلهم. زار زياد جبارة الأغا منزله في منطقة السطر الغربي بالمدينة، ثم عاد وعلى وجهه حزن واضح لعدم قدرته على إصلاحه للسكن فيه.
يقف الأغا رفقة ابنته على أحد المفترقات محاولاً إيجاد سيارة تنقله إلى خيمته بمنطقة المواصي، والتي غمرتها مياه الأمطار قبل أيام، ما جعله يقرر الذهاب إلى بيته المدمر، أملاً في أن يتمكن من نصب الخيمة إلى جواره لتوفير حماية أفضل في فصل الشتاء، لكن محاولته لم تكلل بالنجاح نتيجة الركام الكبير الذي يحتاج إلى معدات ثقيلة لرفعه.

مياه الصرف الصحي في شوارع غزة. 30 ديسمبر 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
مياه الصرف الصحي تحاصر خيام غزة. 30 ديسمبر 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

يقول لـ "العربي الجديد": "كان بيتي مكوناً من ثلاث طبقات، وهو مدمر بشكل كلي، ولا أستطيع بإمكاناتي البسيطة أو بالأدوات المتاحة رفع الركام، كما أن المنطقة بأكملها قلبت رأساً على عقب. شعور مؤلم أن يعود كثيرون إلى منازلهم، ونبقى نحن أصحاب البيوت المدمرة في مراكز الإيواء أو في الخيام إلى أمد غير معلوم. قبل أيام غرقت الخيمة بالكامل، واستيقظنا في منتصف الليل، وبدأنا نضع الأواني والأطباق أسفل الثقوب من أجل منع تبلل الملابس والفرش والأغطية، لكننا فوجئنا بتدفق سيل من المياه من أسفل الخيمة".
وتضيف ابنته هديل الأغا: "كنت نائمة وإلى جواري أطفالي عندما بدأ أبي بالصراخ علينا مع سماعه صوت المطر، فوجدت أبنائي قد تبللوا بالمياه، وبدأت بنقلهم من زاوية إلى أخرى. كانت لحظات صعبة".
وأجبرت الحرب نحو مليوني نسمة من سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون فلسطيني على النزوح، والعيش لأشهر طويلة في أوضاع مأساوية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء. وتؤكد إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي أنّ نحو 110 آلاف خيمة اهترأت، وأصبحت غير صالحة لإيواء النازحين، فيما أُصيب غالبية سكان القطاع بالأمراض المعدية نتيجة تكرار النزوح، وغياب سبل الحياة الآدمية، وانتقلت عدوى التهاب الكبد الوبائي إلى أكثر من 71 ألف نازح فلسطيني.
كان خالد نبهان وعائلته يتوقون طوال أشهر لمغادرة جنوب القطاع والعودة إلى مدينة غزة للاطمئنان على بيتهم الواقع بمنطقة الصفطاوي، لكن انسحاب جيش الاحتلال من شمالي القطاع كشف عن تدمير المنطقة بالكامل، ما جعلهم يقررون إرجاء العودة.
يقول نبهان لـ "العربي الجديد": "كنت أريد العودة لإنهاء معاناة العيش في الخيام، لكن الصور الصادمة التي وصلت إلينا أظهرت أن القصف سوّى بيتنا بالأرض، وبالتالي قتلت أحلامنا. أفكر في البقاء قليلاً في الخيمة إلى حين اتضاح شكل الحياة في شمال غزة، وكيف يمكننا العيش هناك، وتوفر مقومات الحياة".

يسكن أحمد أبو نصر بمخيم جباليا في شمالي القطاع، وهو ينتظر عودة زوجته وأطفاله من الجنوب، لكن الدمار الذي أصاب المخيم، وغياب أي مقومات للحياة قد يدفعه إلى إرجاء عودتهم إلى حين تمكنه من إيجاد مكان يؤويهم، أو مكان لنصب خيمة.
يقول أبو نصر لـ"العربي الجديد": "تعرض منزلنا للقصف في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبدأت مبكراً رحلة نزوحنا إلى مراكز الإيواء، والمدارس، والمستشفيات، ثم نزحت زوجتي وأطفالي قسراً إلى مدينة رفح، وبقيت بمفردي أتنقل بين مراكز الإيواء. عشت لحظات صعبة خلال عملية الاحتلال الأخيرة على شمال القطاع، ولم أغادر المخيم سوى بعد تهديد حياتي بشكل مباشر. عايشت ارتكاب جيش الاحتلال الكثير من المجازر، وقصف البيوت والمربعات السكنية، ونجوت بأعجوبة، فقررت المغادرة إلى مدينة غزة".
يضيف: "أثناء تنقلي، رأيت جثامين عشرات الشهداء، ودماراً هائلاً في الشوارع والبيوت، وبعد انسحاب جيش الاحتلال عدت إلى المنطقة. بالتأكيد سأنصب خيمة في المخيم، لكن هذا الأمر يحتاج وقتاً ومالاً، وعودة النازحين من الجنوب ستؤدي إلى ازدحام في ظل عدم وجود أماكن للسكن، ولا مراكز إيواء يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة المقرر عودتها".

المساهمون