Skip to main content
حورية مفتاح تمرض بعيداً عن الصيد
مريم الناصري ــ تونس

تغوص التونسية حورية مفتاح بقدميها في المياه الباردة للبحر من دون الاكتراث بحجارة أو أشواك قد تجرحها. تدفع قارباً صغيراً بضعة أمتار، وتجعله ينساب في الماء، ثم تقفز إليه لتبدأ في التجذيف نحو منطقة في العمق في رحلة قد تستغرق نحو ساعتين، تمهيداً للعثور على مكان تتواجد فيه كميات من الأسماك، من أجل رمي الشباك والصيد. تقول حورية (76 سنة) التي تعمل في الصيد البحري منذ أكثر من 30 سنة في منطقة طبلبة الشاطئية بمحافظة المنستير، لـ"العربي الجديد": "تزوجت بحاراً يعمل في صيد السمك، وكنت أخرج معه يومياً خلال الليل، فتعلّمت المهنة التي تُعتبر حكراً على الرجال". تضيف: "كان زوجي يرميني في البحر لأتعلّم السباحة وأتدرب على إنقاذ نفسي في حال انقلب القارب، خصوصاً أنني لم أكن معتادة على السباحة في عمق كبير". 
وتروي أنها كانت تبحر مع زوجها إلى مواقع في البحر أكثر عمقاً من اليوم، وأنها كانت ترتدي زي الرجال خلال عملية الصيد، حتى أنّ زوجها كان يطلق عليها اسم محمد، إذا سأله حارس بحري عن أسم مرافقه. و"لأننا نعمل ليلاً، كنا نتعرّض لمراقبة دائمة من فرق الحرس البحري الذين يبحثون عن مراكب لمهاجرين سريين". 

وتشدد حورية على أن "العمل في البحر أصعب كثيراً من العمل في البر. تحدق كل أنواع المخاطر بالصياد خصوصاً في فصل الشتاء. وأنا أعمل ليلاً غالباً حين تخرج الأسماك إلى الأعماق. تنطلق رحلتنا مطلع الليل وتستمر حتى فجر اليوم التالي. نجذف بالقارب للوصول إلى مكان تتواجد فيه الأسماك، ونرمي الشباك في عملية تتواصل نحو ساعة، ونبقى في القارب طوال الليل في عرض البحر قبل رفع الشباك. وعند عودتنا في الصباح الباكر نبيع ما اصطدناه إلى تجار السمك في الميناء". 

الصورة
تصطاد بطريقة تقليدية على قارب صغير (العربي الجديد)

وتوضح أن الناس استغربوا في البداية عملها في البحر والمخاطرة يومياً بحياتها، لكنّها تؤكد أنها اعتادت على هذا العمل بسرعة رغم مخاطره الكبيرة. وتذكر أنّها بقيت يومين في البحر، ولم تعد إلى المنزل بسبب الأمطار وعدم القدرة على التجذيف إلى الشاطئ. وتعترف بأنها تخشى مواجهة سوء الأحوال الجوية في البحر، "ففي كلّ مرة يكون فيها البحر هائجاً بسبب قوة الرياح والأمطار، أتوقع أن يكون هذا اليوم الأخير في حياتي، لكنني رغم ذلك لم أفكر يوماً بترك البحر، وإذا غبت عنه يومين أمرض، فأنا لا أستطيع البقاء في البيت وعدم الخروج للصيد. وأحياناً أكتفي بالجلوس على الشاطئ لمشاهدة البحر". 

الصورة
ترمي الشباك على مساحة كبيرة (العربي الجديد)

وبعد وفاة زوجها واصلت حورية العمل على قارب أكبر من الحالي، قبل أن تضطر إلى بيعه بعدما حاولت عصابات شبكات الهجرة السرية سرقته أكثر من مرة، من أجل نقله إلى إيطاليا. واشترت لاحقاً قارباً صغيراً تعمل به بطرق تقليدية جداً من دون استعمال محرك لبلوغ عمق البحر، لأن تلك المزودة بمحركات تتعرض للسرقة في منطقة طبلبة التي تعيش فيها.
وحالياً، يعمل ابن حورية في البحر أيضاً بعدما تعلّم المهنة، ويساعدها في التجذيف بالقارب نحو أعماق البحر، حيث يتبادلان هذا العمل حتى الوصول إلى وجهتهما، ثم يباشران رمي الشباك. وقد يعودان بصيد وفير أحياناً، كما قد لا يلقيان أحياناً أخرى الكثير من السمك لبيعه. لكن حورية تتمسك بعملها الذي تحبه، ولا تنقطع عنه إلا في حالات الطقس السيئ والخطر حين تضطر إلى العمل في حصد الزيتون لإعالة عائلتها. 

الصورة
تهتم بتنظيف الشباك وتجهيزها (العربي الجديد)

وخلال عملية الصيد، تفك حورية الشباك وتنظفها من الشوائب ونبات البحر، وترميها في شكل دائري، فيما يجذف ابنها بالقارب طوال ساعة حتى اكتمال رمي الشباك على مساحة كبيرة، ويلازمان المكان في انتظار استكمال العملية، لكنهما قد يضطران إلى العودة إلى البيت إذا كان الطقس ممطراً أو الرياح قوية، لكن ليس لوقت طويل، إذ يكرران الرحلة عند الساعة الخامسة صباحاً من أجل جمع الشباك، وبيع السمك للتجار. 

الصورة
لا تنقطع عن عملها إلا حين يكون الطقس خطراً (العربي الجديد)

وتتحدث حورية عن أن "بيع السمك يجلب لها نحو 10 دولارات أو أكثر بقليل يومياً، وهو قليل نسبياً، "لكنه يكفي لإعالة عائلتي وعائلة ابني الذي يعمل معي". وتكشف "أنّ الأسماك قلت جداً عن السابق بسبب انتشار سفن الصيد الكبيرة في المنطقة، لكن المال البسيط الذي نجنيه يؤمن احتياجاتنا". 

المرأة
التحديثات الحية

وتعاني حورية من مرض السكري منذ سنوات، لكن ذلك لا يمنعها من العمل ساعات طويلة. وتقول: "أحمل معي زادي وبعض السكر والدواء، وأنا لا أخاف من التعرض لانخفاض في السكر أو فقدان الوعي في عرض البحر، فلدي حقن في القارب، وارتاح قليلاً إذا شعرت بتعب، ثم أواصل العمل طوال الليل".