استمع إلى الملخص
- تتفاقم المشكلة مع أزمات أخرى مثل انقطاع الكهرباء وغياب البدائل الترفيهية، حيث يشير المواطنون إلى غياب فرق الإنقاذ واللافتات التحذيرية، مما يزيد من خطورة الوضع.
- تبذل الشرطة النهرية جهوداً للحد من الحوادث عبر تكثيف الدوريات وحملات التوعية، لكن الخبراء يؤكدون على الحاجة إلى معالجة شاملة تشمل تحسين البنية التحتية وزيادة الوعي الأسري.
مع بداية موسم الحر في العراق، تتجدد حوادث الغرق التي تحصد الأرواح، خصوصاً الشباب والأطفال، في ظل انعدام إجراءات السلامة، وغياب الرقابة، وتتكرر المشاهد ذاتها في كل صيف من دون حلول جذرية تُذكَر. وتسجل غالبية حوادث الغرق في نهري دجلة والفرات، إلى جانب الروافد الفرعية كنهر العظيم، وسد الموصل، وسد الكوت، وبحيرة الحبانية، والتي يقصدها الناس هرباً من حر الصيف.
ويؤكد مواطنون وقوع عشرات حالات الغرق منذ مطلع العام، معظمها سجلت في الأنهار والمسطحات غير المؤمنة. وكشفت الشرطة النهرية بمحافظة نينوى عن انتشال جثة شاب عشريني غرق في نهر دجلة غرب مدينة الموصل، وتعد هذه الحادثة السابعة في محافظة نينوى خلال الشهرين الأخيرين. وغالباً ما يكون سبب الغرق السباحة في مناطق عميقة ذات تيار مائي قوي.
واللافت أن المشكلة تتداخل مع أزمات أخرى، مثل انقطاع الكهرباء وغياب البدائل الترفيهية. من محافظة ديالى (شرق)، يقول أبو حسين، إنّ حوادث الغرق تحصد أرواح العشرات سنوياً في ظل غياب تام لإجراءات السلامة. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن المنطقة تفتقر إلى معايير السلامة؛ فلا فرق إنقاذ قريبة، أو لافتات تحذر من خطورة السباحة في تلك المواقع، مشيراً إلى وفاة أحد الشبان مؤخراً في نهر خريسان ولم يتمكن أحد من إنقاذه.
ومن مدينة الموصل (شمال)، يفيد نزار خالد بأن نهر دجلة تحول خلال السنوات الأخيرة إلى مصدر تهديد حقيقي لحياة الشباب، بعدما كان رمزاً للحياة والبهجة في المدينة. ويوضح: "نعيش قلقاً يومياً على أبنائنا، وغياب المسابح العامة أو الأماكن المخصصة للسباحة يدفع الأهالي نحو ضفاف النهر رغم التيارات القوية. تحول نهر دجلة إلى مصيدة موت بفعل ضعف دور فرق الإنقاذ والتقصير الرسمي في الإرشاد والسلامة. قضى أحد أقاربي غرقاً أخيراً رغم إجادته السباحة، والمطلوب هو تحرك جدي يبدأ بتوفير بدائل آمنة، إضافة إلى توعية الأطفال والأهالي بمخاطر السباحة في الأماكن غير المؤهلة".
من جهته، يفيد المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، بأن "الشرطة النهرية تواصل جهودها منذ مطلع الربيع، في تنفيذ خطة موسعة للحد من حوادث الغرق، تتضمن تكثيف الدوريات والزوارق في مواقع السباحة الشعبية، خصوصاً تلك التي تتكرر فيها الحوادث سنوياً. الشرطة النهرية انتشلت خلال الأشهر الماضية عشرات الجثث في مناطق متفرقة، معظمها لأطفال وشباب غرقوا في أماكن غير مخصصة للسباحة".
ويوضح لـ"العربي الجديد" أن الوزارة وضعت خطة تشمل إجراءات متعددة، منها نشر لافتات تنبيهية في المناطق الخطرة، وتسيير دوريات خلال ذروة الحر، فضلاً عن إطلاق حملات توعية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية، تستهدف الأهالي وتلاميذ المدارس، لرفع الوعي بمخاطر السباحة العشوائية وسبل الوقاية.
ويشدد ميري على أن التصدي للظاهرة يتطلب تعاوناً مجتمعياً حقيقياً، قائلاً: "المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها، بل تستوجب وعياً جماعياً، ومشاركة فاعلة من الأسر في مراقبة أبنائهم وتحذيرهم من السباحة في المواقع الخطرة".
ويؤكد الباحث الاجتماعي مهند الحديثي أن تصاعد حوادث الغرق بين الأطفال والشباب في العراق خلال فترات الحر يعكس خللاً بنيوياً متراكماً في منظومة الخدمات العامة، إلى جانب غياب الثقافة الوقائية. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن الانقطاع المتكرر للكهرباء، وافتقار المدن والأرياف إلى مرافق ترفيهية آمنة، يدفع كثيرين إلى التوجه نحو الأنهار والمسطحات غير المؤمّنة، ما يعرّض حياتهم للخطر في ظل غياب الرقابة والوعي. يضيف أن "هذه الكوارث هي نتيجة بيئة منهكة ومهملة تفتقر إلى التوعية الفاعلة، والإشارات التحذيرية، والرقابة المنتظمة على تلك المسطحات التي تحولت إلى مصائد موت، لا سيما للأطفال الذين يُتركون دون إشراف في ظل انشغال الأهل بمشاغل الحياة".
ويشير الحديثي إلى أن جهود الشرطة النهرية في التعامل مع الحوادث وانتشال الجثث ضرورية، لكنها غير كافية، قائلاً: "نحن بحاجة إلى منظومة متكاملة تبدأ من المدارس وتنتهي بتخطيط عمراني يراعي الاحتياجات المجتمعية خلال الصيف. من دون معالجة شاملة تشمل البنية الخدماتية، والوعي الأسري، والتدخل الحكومي الفاعل، فإننا مقبلون على صيف دموي آخر تسجَّل فيه أرواح جديدة ضحايا لحرارة الجو وسوء الإدارة".