حماة تستعيد عافيتها... إزالة ركام عقود من المعاناة

13 يناير 2025
احتفالات في شوارع حماة، 13 ديسمبر 2024 (عبد الواجد حاج اسطيفي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت مدينة حماة في التعافي تدريجياً بعد سقوط نظام الأسد، مع تحسن الحياة اليومية وعودة النشاط للأسواق، لكن السكان يواجهون تحديات في إعادة بناء حياتهم وتوفير فرص العمل والتعليم.
- رغم تحسن الخدمات الأساسية، يواجه السكان صعوبات اقتصادية بسبب عدم استقرار الأسعار واستغلال التجار، مما يؤثر على الأوضاع المعيشية.
- يعاني قطاعا الصحة والتعليم من نقص الموارد، لكن هناك جهود حكومية لتحسين الأوضاع، مما يعزز التفاؤل بمستقبل أفضل للمدينة.

نفضت مدينة حماة (وسط سورية) عن نفسها غبار الظلم بعد سنوات طويلة من الحرب والصراع، إذ كانت واحدة من المدن التي عانت بشدة قبل إسقاط نظام الأسد، سواء من القصف، أو من غياب الخدمات الأساسية.
تبدو حماة مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل رحيل نظام الأسد، إذ يحاول الأهالي بناء حياتهم من جديد بعد ما شهدته المدينة من كوارث خلال السنوات الماضية، كما بدأت الحياة تدب تدريجياً في شوارعها، وعادت الأسواق إلى نشاطها المعتاد، وامتلأت بالسكان الذين يريدون تأمين احتياجاتهم الأساسية. 
وتحتل مدينة حماة المرتبة الرابعة من حيث عدد السكان في سورية بعد العاصمة دمشق وحلب وحمص، ويبلغ عدد سكانها نحو 996 ألف نسمة وفق تقديرات عام 2023. 
ما إن سمعت الأربعينية سامية عرفات خبر سقوط النظام حتى نزلت مع مئات الأشخاص إلى وسط حماة للمشاركة بالاحتفالات، وعاشت في شارع التقدم ساعات فرح اختلطت فيها السعادة بالدموع. تقول لـ"العربي الجديد": "ما زلت لا أصدق أن هذا الطاغوت رحل، وأن هذا الظلم انتهى. كنا نعيش تحت التهديد كل يوم، ونخاف من اقتحام قوات الأمن لمنازلنا في أي لحظة. عشنا سنوات من الذل والاضطهاد، واليوم نشعر أننا نولد من جديد. رغم الفرح الكبير، هناك تساؤلات كبيرة حول مستقبل المدينة، وكيفية تعافيها بعد سنوات الحرب. نأمل في بناء وطننا من جديد بعيداً عن القمع والتسلط، ونحتاج إلى فرص عمل، وتعليم جيد لبناء مجتمع قوي. لدينا الكثير من الأشياء لنقوم بها".
وحول توفر الخدمات الأساسية في المدينة، تشير إلى أن "الخبز انقطع لمدة يومين، لكنه عاد مجدداً، وبات أفضل مما كان عليه. في السابق كان هناك بطاقة نحصل من خلالها على الخبز بكميات محدودة بعد الانتظار في طوابير طويلة لساعات، أما الآن فالخبز يباع في كل مكان، وسعر الربطة 4000 ليرة سورية، وفيها عشرة أرغفة، أما الكهرباء فكنا لا نستطيع تشغيل الأجهزة إلا نادراً، والثلاجة كانت رفاهية، ويتم تشغيلها فقط عند توفر الكهرباء لبضع ساعات يومياً، أما اليوم، فزادت ساعات تشغيل الكهرباء إلى أكثر من أربع ساعات بدلاً من ساعتين في السابق، والمياه أيضاً أفضل من السابق، وتكاد لا تنقطع".

عائلات حماة تحتفل. 13 ديسمبر 2024 (عبد الواجد حاج اسطيفي/ الأناضول)
عائلات حماة تحتفل، 13 ديسمبر 2024 (عبد الواجد حاج اسطيفي/الأناضول)

لا يهم عرفات عودة الخدمات الأساسية بقدر ما يهمها تفعيل دور المرأة في المجتمع، خاصة أن نساء حماة عانين من القمع الاجتماعي والاقتصادي في ظل حكم نظام الأسد. تقول: "نحاول أن نبني من جديد، لكننا نحتاج إلى دعم كبير من الحكومة، ومن المجتمع الدولي، فلدينا أفكار وطموحات، لكننا نفتقر إلى الموارد".
تعلو أصوات الباعة في السوق الشعبي بوسط المدينة، وسط زحام غير معهود، وقد بدا واضحاً تحسن الحركة الشرائية. يقول بائع الخضروات العشريني علي الشيبان: "لم أستطع إكمال دراستي بسبب الفقر، والآن أعمل في السوق. الحياة صعبة، لكننا نحاول التأقلم مع الواقع. حركة الأسواق زادت بعد سقوط النظام، فالجميع يحتفلون بهذه المناسبة، ما زاد الإقبال على محال الخضار واللحوم والحلويات، وكأنه موسم أعياد. سقوط النظام كان بمثابة حلم تحقق، ورغم كل ما مرت به حماة في عهد ذلك النظام الظالم من دمار وإرهاب، ستعود أفضل مما كانت عليه. الأمور ليست سهلة، ومع ذلك هناك تفاؤل بين الأهالي بمستقبل أفضل، لكنه يتطلب وقتاً وجهوداً كبيرة لتحقيق الاستقرار الحقيقي".

دوريات أمنية في شوارع حماة. 13 ديسمبر 2024 (عبد الواجد حاج اسطيفي/ الأناضول)
دوريات أمنية في شوارع حماة. 13 ديسمبر 2024 (عبد الواجد حاج اسطيفي/الأناضول)

بدورها، تشكو رؤى المحمد من عدم استقرار الأسعار، واستغلال البعض عدم وجود شرطة التموين أو الرقابة على الأسواق. تقول لـ"العربي الجديد": "الناس يعيشون في حالة يرثى لها من الجوع والفقر، والرواتب لا تكاد تغطي نصف كلفة المعيشة شهرياً، فالدخل محدود والأسعار تحلق باستمرار. أرجو العمل على تحسين هذا الواقع من الحكومة الجديدة، والنظر بعين الاعتبار إلى هذا الشعب الذي عانى لسنوات بسبب نظام الإجرام المخلوع".
في أحياء مثل الكيلانية وباب قبلي، تبدو الحياة مختلفة، ويعمل السكان جاهدين لترميم منازلهم. تقول حياة الخسرف، وهي أم لخمسة أطفال: "عندما هدأ القصف، وتنفسنا الصعداء بسقوط نظام الظلم والاستبداد بدأنا نفكر كيف نعيد ترتيب حياتنا. نعتمد على مساعدات الأقارب والجمعيات المحلية لإصلاح البيت، لكن كل شيء مكلف، من مواد البناء إلى الطعام. في السابق كنا نعاني انقطاع الخبز وغلاءه، والآن بات متوفراً، والحكومة الجديدة تسهم بتشغيل الأفران بكامل طاقتها عبر تقديم الدعم، وتوفّر الوقود والكهرباء، كما تحسنت شبكة المياه بعد تعرضها لأضرار كبيرة".
وعلى صعيد الاتصالات، توضح أن "خدمة الإنترنت كانت ضعيفة، وغير مستقرة، ويعتمد كثيرون على شبكات يديرها أفراد، أو شركات صغيرة محلية، لكن الخدمة كانت بطيئة ومكلفة، ومعظمنا يعتمد على شبكات الهاتف المحمول التي لا يمكنها تحميل ملف بسيط أو توصيل مقطع صوتي على واتساب، على عكس ما عليه الأوضاع اليوم من سرعة واستمرارية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي ما يتعلق بالمشافي والخدمات الصحية، يقول الممرض فؤاد الصافي، إن القطاع الصحي في حماة كان يعاني نقصاً حاداً في التجهيزات والكادر البشري، فمشفى حماة الوطني، وهو أكبر المراكز الصحية في المدينة، كان يعمل بطاقة محدودة، ولغايات عسكرية، ومعظم الأجهزة الطبية بحاجة إلى صيانة، أو استبدال، والأدوية الأساسية غير متوفرة بكميات كافية، ويواجه الكادر الطبي صعوبات في التعامل مع الحالات الطارئة.
وكان قطاع التعليم في حماة يعاني نقصاً حاداً في أعداد المدارس، ويعمل وفق موارد محدودة، مع ضعف في اللوجستيات والتدفئة والكتب المدرسية. وتقول المعلمة روعة الخشاب، إن "أطفال حماة فقدوا سنوات من التعليم، وآن الأوان لتعويضهم قدر الإمكان، وقد تمت إعادة دوام المدارس رسمياً، ولدينا تفاؤل بتحسن أحوال المدارس وسط ما نشاهده من بوادر إيجابية من الحكومة الجديدة، والتي تتفقد أحوال المدارس والمراكز التعليمية، وتسعى للعمل على إعادة تفعيلها ودعمها".
وفي ما يتعلق بالنقل والمواصلات، تتابع الخشاب، أن "شبكة المواصلات في حماة كانت شبه مشلولة، ويعتمد السكان على وسائل النقل الخاصة، مثل (السرافيس) والدراجات النارية، في ظل غياب حافلات النقل العام، والتي عادت إلى المدينة بفضل جهود الحكومة الجديدة".

المساهمون