حلم العودة يراود المهجرين من مقاطعة كورسك الروسية

01 ديسمبر 2024
مسنتان روسيتان في إقليم كورسك (أوليغ بالشيك/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منظمة "غوم سكلاد" تقدم مساعدات إنسانية للأوكرانيين والروس الفارين من النزاع، مع التركيز على المهجرين من بيلغورود وكورسك، وتعتمد على التبرعات لدعم أكثر من 400 عائلة، خاصة المسنين والعائلات متعددة الأبناء.

- بعد الهجوم الأوكراني على كورسك في أغسطس 2023، تم إجلاء 150 ألف شخص لمناطق آمنة، مع تحديات في تقديم المساعدات ونداءات لفتح ممرات إنسانية لم تلقَ استجابة.

- تشهد كورسك توتراً مستمراً مع القصف الأوكراني، مما يعوق الممرات الإنسانية، بينما تسعى روسيا لاستعادة السيطرة، والوضع أكثر استقراراً في المناطق غير الحدودية.

تسخِّر منظمة "غوم سكلاد" للمساعدات الإنسانية جهودها منذ أكثر من عامين لإعانة الأوكرانيين والروس الفارين من مناطق القتال، وهي مبادرة لمتطوعين أطلقت في سانت بطرسبرغ في ربيع عام 2022، بغية جمع المساعدات الإنسانية للمهجرين من داخل أوكرانيا ومن مقاطعتي كورسك وبيلغورود، ويتم تمويل أعمالها بشكل أساسي عبر التبرعات.

تقول مديرة المنظمة يفغينيا إيسايفا، لـ"العربي الجديد": "منظمتنا قائمة منذ عام 2022، وفي البداية، كنا نقدم العون للأوكرانيين الفارين من أتون الحرب، بما في ذلك من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، ثم أضيف إليهم مهجرون من مقاطعتي بيلغورود وكورسك. حتى أغسطس الماضي، كنا نقدم عوناً لنحو 300 عائلة، ولكن العدد ارتفع إلى 400 بعد قدوم نحو 100 عائلة جديدة من مقاطعة كورسك. أغلب الوافدين إلى بطرسبورغ يقيمون في منازل أقربائهم أو معارفهم، بينما نوفر لهم مواد غذائية وألبسة وغيرها من المستلزمات الأساسية".

وتلفت إيسايفا إلى أن "جميع المهجرين يراودهم حلم العودة، وأغلبهم من المسنين أو العائلات متعددة الأبناء من المناطق الريفية، وهم من ثم لا يندمجون في مدينة كبرى بسهولة، ويتمنون العودة إلى ديارهم. في كل مرة، لا يستعجلون حجز المساعدات للشهر القادم، علماً أننا نتعامل مع حالات على هذا الوضع منذ عام 2022 لم تتسن لهم العودة حتى الآن".

وتضرب أمثلة على حالات إنسانية أثناء الأزمات، قائلة: "نقدم عوناً لشقيقين جاء أحدهما من كورسك والآخر من دونيتسك. حضر الأخير إلينا أولاً، ثم أحضر شقيقه بعد بدء الهجوم على كورسك، رغم أنهما يتبنيان مواقف سياسية متباينة. في حالة إنسانية أخرى، اصطحبت امرأة أم طليقها إلى بطرسبورغ، واعتنت بها حتى وفاتها. الحرب لا تميز بين الأوكرانيين والروس الذين عاشوا تجارب مماثلة من جهة الاختباء في الأقبية أولاً، ثم الفرار إلى الأماكن الآمنة، والجميع يحلمون بالعيش في سلام".

إجلاء أكثر من 150 ألف شخص منذ بدء التوغل الأوكراني في كورسك

بعد الهجوم الأوكراني المباغت على مقاطعة كورسك، في بداية أغسطس/آب الماضي، بدأ رئيس الجالية الإسلامية في المقاطعة، الإمام عيسى سلطانوف، تلقّي اتصالات ونداءات استغاثة من المناطق المتاخمة للحدود التي زارها مراراً، فقرر التطوع للمشاركة في عمليات إجلاء المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية والأدوية إليهم.

يقول سلطانوف الذي تلقّى تعليمه في جمهورية داغستان ذات الأغلبية المسلمة ويقيم في كورسك منذ 13 عاماً، لـ"العربي الجديد": "تم إجلاء الأغلبية الساحقة من المواطنين من المناطق الحدودية. لكن البعض اختاروا البقاء رغم تعرّض بلداتهم وقراهم لعمليات قصف مستمرة، ونسعى حالياً لإيصال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية لهم. بشكل عام، كل المستلزمات الضرورية متوفرة لمن تم إجلاؤهم من البلدات الحدودية إلى مدينة كورسك وغيرها من مناطق المقاطعة، وترسل جميع الأقاليم الروسية مساعدات إنسانية ليتم توزيعها على المحتاجين بمراكز الإيواء المؤقت، فضلاً عن الإعانات المالية التي تصرف للمهجرين".

يعاني المدنيون من تداعيات القتال في كورسك (أوليغ بالشيك/Getty)
يعاني المدنيون من تداعيات القتال في كورسك (أوليغ بالشيك/Getty)

في الأثناء، تقدم أهالي محاصرين في مدينة سودجا التي سيطرت عليها القوات الأوكرانية فور اختراقها الحدود الروسية، بطلب إلى الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من أجل الإسراع في فتح ممر إنساني لإجلاء المدنيين الذين يقدّر عددهم بـ186 شخصاً انقطع الاتصال عنهم جميعاً. إلا أن مثل هذه النداءات لم تجد استجابة حتى الآن. ومع ذلك، خصصت الحكومة الروسية حتى الآن ما يزيد مجموعه عن 13 مليار روبل (نحو 130 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي) لصرف إعانات لسكان مقاطعة كورسك ممن خسروا ممتلكاتهم.

وفي غياب إحصاءات دقيقة، تشير الأرقام الصادرة عن السلطات المحلية في كورسك إلى إجلاء أكثر من 150 ألف شخص إلى "مناطق آمنة" منذ بدء التوغل الأوكراني، فيما تمت إقامة مراكز إيواء مؤقتة توفر لهم الوجبات والمبيت في نحو 30 إقليماً روسياً.

ويصف المراسل الحربي في صحيفة "أوكرانيا رو" الإلكترونية الروسية، فيودور غروموف، الوضع في مدينة كورسك بأنه يشبه الهدوء الحذر على عكس بقية المناطق الحدودية التي لا تزال تشهد مرحلة ساخنة من النزاع. ويقول في اتصال مع "العربي الجديد"، من كورسك: "الوضع مستقر، لكنه متردّ للغاية في المناطق الحدودية التي لا تزال تشهد قتالاً، وتتعرض لقصف أوكراني بواسطة مسيرات وصواريخ (هيمارس) الأميركية، بما لا يسمح بإقامة ممرات إنسانية على طول خط التماس. أستبعد قرب عودة المهجرين إلى منازلهم في حال أقصيت القوات الأوكرانية من مقاطعة كورسك، وثمة توقعات بأن الوضع الراهن سيستمر لثلاثة أو أربعة أشهر أخرى. روسيا قد تستعيد السيطرة على كامل أراضي المقاطعة في موسم الشتاء، وهذه الفترة غير مناسبة لإجراء أعمال إعادة الإعمار".

ويصف غروموف الوضع في المناطق غير الحدودية قائلاً: "في كورسك نفسها وفي المناطق الشمالية من المقاطعة، الوضع آمن والمدارس تعمل بشكل طبيعي، على عكس مدارس المدن الواقعة بالقرب من منطقة القتال التي انتقلت إلى نظام التعليم عن بعد. في مدينة كورتشاتوف المحتضنة لمحطة كورسك النووية، لا يسمح بالدخول إلا للمقيمين فيها إقامة دائمة وحملة تصاريح الدخول، وهذا إجراء طبيعي في مثل هذه الأوقات".

ودخلت القوات المسلحة الأوكرانية إلى المناطق الحدودية من مقاطعة كورسك في 6 أغسطس/آب الماضي، وأعلن الرئيس زيلينسكي أن كييف تعتزم الإبقاء على السيطرة على تلك الأراضي لفترة غير محددة، وأن ذلك جزء لا يتجزأ من "خطة النصر". وتعليقاً على تصريحات زيلينسكي، اعتبر الكرملين أن السلطات الأوكرانية "تكشف جوهرها"، متوعداً بأن روسيا "ستمضي في طريقها وستحقق أهدافها".

وعلى إثر الهجوم الأوكراني، فرضت السلطات الروسية "عملية مكافحة الإرهاب" في ثلاث مقاطعات حدودية، وهي بريانسك وكورسك وبيلغورود، مع إعلان حالة الطوارئ ذات المستوى الفيدرالي في الأخيرتين، بلا أي انفراجة للأوضاع في الأفق المنظور. ومع ذلك، تمكنت القوات الروسية بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، من إحراز التقدم على الجبهة في مقاطعة كورسك، وإقصاء القوات الأوكرانية من عدد من المناطق أو فرض طوق حولها.

المساهمون