حقوقيون: استمرار الإخفاء القسري يهدد مستقبل ليبيا

19 مايو 2025
النائب الليبي إبراهيم الدرسي (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار تسريب فيديو لعضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي، المحتجز في سجن سري تابع لقوات خليفة حفتر، موجة غضب وقلق في ليبيا، مما يعيد المخاوف من الاعتقالات التعسفية ضد المعارضين.

- ليست حالة الدرسي الأولى، حيث اختفت النائبة سهام سرقيوة وقتلت الناشطة حنان البرعصي، مما يبرز نمطاً من القمع يمتد من شرق البلاد إلى غربها، وفقاً لتقارير دولية.

- يعبر الحقوقيون عن قلقهم من أن الإخفاء القسري يعرقل جهود التسوية السياسية، مشيرين إلى أن المليشيات المسلحة أصبحت جزءاً من الواقع الليبي، مما يصعب تحقيق العدالة والمصالحة.

عاد الجدل حول ظاهرة الإخفاء القسري إلى واجهة المشهد الليبي، بعد تسريب مقطع فيديو لعضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي داخل أحد السجون السرية التابعة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ظهر فيه شبه عارٍ، وفي رقبته سلسلة حديدية، وكان يستجدي حفتر وأولاده العفو عنه.
ورغم المطالبات المتكررة من عائلة الدرسي وقبيلته ومنظمات حقوقية ونشطاء بضرورة الكشف عن مصيره، إلا أن صمتاً مطبقاً لا تزال تلوذ به قوات حفتر، التي لم يصدر عنها حتى نفي لمعرفتها بمكانه أو مصيره.
لم يكن المشهد الذي هز الرأي العام بقوة مجرد مقطع فيديو عابر، بل ذكّر الليبيين بما يعيشونه منذ سنوات طويلة من مخاوف الاعتقال بذرائع وحجج متعددة، أو ضمن إجراءات انتقامية ضد كل من يعارض السلطات، أو المتنفذين.
وكشفت حالة الدرسي عن أحد أوجه الانتهاكات التي لا يمنعها كونه عضو مجلس نواب، ولا أنه موال لسلطة حفتر، إذ اختفى بعد خروجه من احتفالية عسكرية في بنغازي، في منتصف مايو/أيار 2024 الماضي، بعد يومين فقط من انتقاده عبر فضائية محلية طريقة إدارة حفتر وأبنائه ملفَّ إعادة الإعمار.


لم تكن تلك الواقعة الأولى، إذ اختفت النائبة سهام سرقيوة في سبتمبر/أيلول 2019 عقب انتقادها عدوان قوات حفتر على العاصمة طرابلس، وما زال مصيرها مجهولاً رغم المطالبات المتعددة بإجلاء مصيرها، بينما الناشطة حنان البرعصي، التي انتقدت سياسة التوريث العسكري لأبناء حفتر، فقد قتلتها رصاصة في بنغازي في وضح النهار خلال ديسمبر/كانون الأول 2022، كما اختفت ابنتها لمجرد مطالبتها بالعدالة لوالدتها.
ونال عشرات الأكاديميين والمثقفين نصيباً من الاعتقالات القسرية، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتقل أربعة أساتذة جامعيين بعد ندوة في بنغازي لمناقشة أسباب انهيار سد درنة، الذي أدى إلى فيضان راح ضحيته الآلاف من سكان المدينة،  وتوفي أحدهم، وهو الأكاديمي سراج دغمان، في ظروف غامضة، وحاولت أجهزة أمن حفتر ترويج أنه توفي أثناء محاولته تسلق جدران السجن فسقط ولقي حتفه، لكن أحداً لم يصدق تلك الرواية، ولم يُطلق سراح الثلاثة الآخرين إلا بعد نحو عام كامل.
ولا يعاني شرق البلاد وحده من الإخفاء القسري، فحسب التقارير الدولية، لا تختلف أوضاع السجون في غرب البلاد عن سجني الكويفية وقرنادة التابعين لحفتر، ووثقت تقارير منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية انتهاكات مروعة، وحرمان معتقلين من الوصول إلى القضاء أو زيارة ذويهم لهم، وفي بعض الأحيان، تُسلِّم مجموعات مسلحة تشرف على السجون جثث معتقلين إلى أهاليهم، وتطلب منهم دفنهم بصمت، كما أشارت التقارير إلى أن السجون تضم نساء وأطفالاً احتُجزوا مع ذويهم من دون محاكمات أو تهم، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية.
وفي مارس/آذار الماضي، أصدرت البعثة الأممية في ليبيا بياناً عبرت فيه عن قلقها الكبير حيال موجة اعتقالات تعسفية نفذتها مليشيات في غرب ليبيا، استهدفت خلالها عدداً من المعارضين، وطاولت قضاة ومحامين، وأثارت البعثة قضية عضو مجلس النواب حسن جاب الله، المعتقل لدى إحدى مليشيات طرابلس منذ نحو عام، قبل أن تعلن حكومة طرابلس إطلاق سراحه بعد وقت قصير من تقرير البعثة من دون أي تفسير.
يقول الحقوقي الليبي إبراهيم الناجح إن "الإخفاء القسري والاعتقالات السرية تحولت إلى آلية للحكم يسعى القائمون على السلطة إلى ترسيخها، والسلاح الذي كان منتشراً بأيدي أفراد ومجموعات صغيرة بات في السنوات الأخيرة منظماً بأيدي مليشيات كبيرة تعمل تحت مسميات رسمية".

ويعبر الناجح لـ"العربي الجديد" عن مخاوفه من تحول قضية الإخفاء القسري بمرور الوقت إلى عقبة في طريق أي تسوية سياسية، ويوضح: "مليشيا حفتر لا بد من استيعابها في أي حل لأزمة البلاد، لأنها أمر واقع، وقد فرضت نفسها بقوة السلاح على الأرض، ولا يمكن تصور أن حفتر سيقبل بأي حل ما لم تُسو الملفات الجنائية التي تورط فيها، وهذا يعني دفن الحقيقة وتكريس الإفلات من العقاب وضياع الحقوق".
ولا يخفي الحقوقي الليبي قلقه من تداعيات تنامي ظاهرة الاعتقال خارج القانون على المصالحة الوطنية، متسائلاً: "كيف ستبنى الثقة بين الليبيين وفيهم من يبحث عن جثة ابنه أو والده في مقابر ترهونة، أو يتوسل الوصول إلى شخصية نافذة ليعرف مصير قريب له. إلى كم فيديو مسرب سنحتاج كي تتحرك العدالة الدولية المزعومة؟ فيديوهات مقابر ترهونة الجماعية كانت أكبر شاهد على جريمة الإخفاء القسري، وهي أطول فيديو لا تزال مشاهده تتسرب على مدار أربعة سنوات، ولجان تقصي الحقائق الدولية تقول إنها تجمع الروايات من الشهود وذوي الضحايا، من دون أن يصدر عنها أي حكم، أو نشرة للقبض على الجناة، أو حتى إعلان أسمائهم للرأي العام".

المساهمون