حفّار القبور: جزائريون يتحدثون عن موت يسير على قدمين

24 مايو 2025   |  آخر تحديث: 01:45 (توقيت القدس)
حفر القبور مصدر رزق للبعض، 21 مايو 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعيش حفارو القبور في الجزائر حياة مرتبطة بالموتى، حيث يواجهون نظرة سلبية من المجتمع رغم دورهم المهم في تحضير مثوى الموتى والعناية بالمقابر.
- يواجه الحفارون تحديات مثل ضيق المساحات المتاحة لحفر القبور، مما يؤدي أحياناً إلى مشاكل قانونية، ويعانون من ضغوط نفسية بسبب النظرة السلبية لمهنتهم.
- لا يوجد قانون ينظم مهنة حفاري القبور، مما يؤدي إلى فوضى في إدارة المقابر، ويستدعي وضع إطار قانوني لتحسين الوضع.

يهيئ حفارو القبور للموتى مثواهم الأخير، وهم يعيشون في رحاب الموتى، يحافظون على القبور، ويعتنون بالمقابر، ويصونون حرمتها، لكنهم يعانون من نظرة المجتمع إليهم وإلى مهنتهم.

في المقبرة تختلف الأسماء والألقاب، وعدا ذلك كل الموتى سواسية تحت التراب، حيث تدفن معهم قصص وحكايات ومواقف تبقى تروى بين الأهل والأقارب والأصدقاء. وأكثر من يدرك هذه القاعدة حفارو القبور الذين يهيئون للموتى مثواهم الأخير.
في مقبرة سيدي صنوبري، بمنطقة أحمر العين، في محافظة تيبازة، غرب الجزائر العاصمة، ووسط القبور حيث الهدوء والسكون يبعثان الرهبة والخوف، يقضي ميلود حلوي، وهو شاب قوي البنية، معظم الأيام على مدار السنة منهمكاً في تنظيف القبور، أو إعادة بنائها وترتيب الشواهد التي سقطت بفعل الزمن، وإزالة الحشائش التي تغزو المقبرة بعد فصل الشتاء.

ويقول لـ"العربي الجديد": "أتكفل بالمقبرة منذ أكثر من عشر سنوات، وأيضاً بحفر قبور المتوفين. بمجرد إعلان وفاة أو الاطلاع عليها في مواقع التواصل الاجتماعي أتلقى اتصالاً من أهل المتوفى لحفر مكان الدفن. وباعتباري أعرف المقبرة جيداً، أحاول في كل مرة اختيار مكان مناسب للدفن، من أجل الحفاظ على التنظيم المحكم للقبور".

يضيف: "يعرفني الجميع في المنطقة، وكنت شاهداً على دفن غالبية الموجودين هنا، وأعرف عائلاتهم، وأستطيع أن أخبرك بأسمائهم وتواريخ وفاتهم حتى قبل عشر سنوات. عرفت كل تفاصيل الأشخاص الذين دفنوا هنا، وأخذت على عاتقي مسؤولية إعادة بناء القبور وتنظيفها وإزالة الحشائش الضارّة عنها، وإعادة دهن أسوارها، كي تكون في حلة جيدة، كما أتكفل بالحراسة لمنع دخول غرباء إلى المقبرة والحفاظ على حرمتها".

ينظر كثيرون إلى حفاري القبور كأنهم الموت يسير بقدمين، 21 مايو 2025 (العربي الجديد)
ينظر كثيرون إلى حفاري القبور وكأنهم الموت يسير بقدمين، 21 مايو 2025 (العربي الجديد)

بدوره يُخبر علي قيطون، الذي يحفر القبور منذ 20 سنة في مدينة بورقيقة، "العربي الجديد"، بأن حفر قبر واحد يستغرق بين ساعتين وثلاث ساعات حدّاً أقصى، بحسب طبيعة التربة. ويشير إلى أن المقابر في الجزائر باتت في السنوات العشر الأخيرة ضيّقة، ولا تفي بحاجة السكان لدفن موتاهم، ويقول: "اقترحت سابقاً على أفراد من أهل المتوفين أن أحفر قبراً في مكان يوجد به قبر قديم مرت عليه عقود، لكنهم عارضوا ذلك في كثير من الأحيان. وقد تعرّضت مرة لملاحقة قضائية بسبب انتهاك حرمة قبر، لأنني اتخذت قرار دفن ميت فوق قبر قديم، فرفعت عائلة الميت الأول دعوى قضائية ضدي، وهي من المتاعب التي أواجهها مرات سنوياً". ويلفت إلى أن عائلات غنية تمنحه أموالاً لتهيئة القبور بطريقة فخمة، وتزيين مظهرها الخارجي برخام.

ويعيش حفارو القبور في الجزائر جزءاً من حياتهم مع الموتى، ويرتبط اسمهم غالباً لدى الناس بالشؤم والخوف والرعب، فبمجرد ذكرهم ترتجف النفوس، بسبب علاقتهم بالموت والدفن والمصير الذي ينتظر جميع البشر. وعلى الرغم من طبيعة هذه المهنة التي وجد فيها الكثير من حفاري القبور مصدر رزق زهيداً نسبياً، قد يعوضونه بالحصول على حسنات كثيرة عند تكريمهم المتوفين، ورغم مشقة وصعوبة الحفر في كثير من الأحيان في أراضٍ قد تكون صلبة وقاسية، لم تتغيّر نظرة الجزائريين إليهم منذ زمن طويل.

ويقول حكيم، الذي يتطوع أيضاً في حفر القبور، لـ"العربي الجديد": "عندما يلتقي شخص بحفار قبر، أو يسمع عنه، تتغيّر ملامحه كأنه يرى الموت والموتى أمام عينيه، وينتابه إحساس بأنه سيموت قريباً. ارتسمت نظرة مخيفة عن حفاري القبور لدى المواطنين لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، وقد أصيب أبنائي بعقدة نفسية، بسبب ممارستي هذه المهنة التي ترتبط بالموت مباشرة، وهو ما يرغب الجميع في تجنبّه".

ويضيف "الحقيقة أن الكثير من الناس ينظرون إليّ كأنني أوحي بالموت نفسه سائراً بقدمين، وبالطبع هم يقصدونني اضطرارياً لحفر قبور موتاهم، باعتبار أنه لا يوجد شخص آخر لتنفيذ هذه المهمة، لكنهم يتعمّدون تجنبي في الأيام العادية. وحين يسألني أبنائي دائماً لماذا اخترت حفر القبور، أحاول أن أقنعهم في كل مرة بأنها مهنة شريفة، لأنني أهيئ مكاناً يكون الملاذ الأخير للجميع من دون اختيار، والذي يتساوى فيه الجميع، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، نساء أو رجالاً، كباراً أو صغاراً".
ولا يوجد في الجزائر قانون ينظم مهنة حفاري القبور. وتحدد مجالس البلديات مسؤولياتهم بشكل وظيفي بعيداً عن المبادرة الذاتية والتطوعية، وهم يعيدون صيانة المقابر ضمن مهماتهم الأساسية. وفي الغالب تترك هذه المهمات لمتطوعين من جمعيات خيرية ولجان في المساجد، لذا يبدو أن المسألة تحتاج إلى تنظيم ووضع إطار مناسب ينظم المقابر في شكل جيد، ويُنهي حالة غير مناسبة تعرفها المقابر في الجزائر، بسبب هذا الأمر، خصوصاً في المدن الداخلية.

المساهمون