حصار وجوع في كناكر السورية

حصار وجوع في كناكر السورية

21 ديسمبر 2020
يعمل في أرضه رغم الظروف الصعبة (محمد الرفاعي/ Getty)
+ الخط -

تعيش بلدة كناكر السورية، التي اجتاحتها قوات النظام في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واقعاً صعباً في ظل النقص الكبير في الغذاء والدواء والخدمات الطبية الأساسية وغير ذلك. ورغم تخريب الأراضي الزراعية، يحاول الأهالي تأمين ما تيسّر.

يعتبر أهالي بلدة كناكر الواقعة جنوب منطقة قطنا بريف دمشق الغربي، بمحاذاة جبل الشيخ، والتي ستتحوّل إلى مدينة باعتبار أن عدد السكان فيها تجاوز 25 ألفاً، أنّهم أبناء ريف متأصلون، وما زالوا متمسكين بذلك، في ظلّ كلّ ما يمرون به.

ويقول الناشط صهيب الرحيل، وهو أحد أبناء البلدة لـ "العربي الجديد"، إنّ أهالي البلدة يعتمدون على الزراعة، مضيفاً أنّه حين طوّق عناصر جيش النظام السوري البلدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اجتاحوا الأراضي الزراعية وتعمّدوا تخريب المحاصيل وسرقة المعدّات الزراعية، كمرشات المياه والمضخّات وغيرها من المعدّات، ما تسبب بأزمة حقيقية للمزارعين.
 



في الوقت الحالي، جادت أرض البلدة على أهلها بالفطر بكميات وفيرة، يقول الرحيل. في الصباح الباكر، يتوجه الأهالي إلى أراضيهم الزراعية لقطف الفطر. أحد الأسباب هو الواقع المعيشي الصعب الذي تعيشه العائلات المقيمة في البلدة. مخصصات الخبز لا تكفي العائلات، إذ يحصل كل فرد في العائلة على رغيف واحد يومياً، يقول الرحيل.

في المقابل، فإنّ الخبز غير المدعوم من قبل النظام باهظ الثمن. ومع انتهاء موسم الفطر، يقطف الأهالي الأعشاب كالهندباء والعليكة، التي تنبت بوفرة في الأراضي الزراعية، والتي تخفف عبء تأمين الأهالي الطعام والخوف من الجوع في حال حوصرت البلدة من قبل النظام كما حدث سابقاً، بحسب الرحيل. يتابع أنّ "الأهالي يواجهون صعوبة في الحصول على عمل. وفي حال تحقق ذلك، فإنّ ما يحصلون عليه لا يؤمّن احتياجاتهم الأساسية. صحيح أنّ المواد الغذائية متوفرة إلا أنّ أسعارها مرتفعة"، موضحاً أن حال البلدة كحال بقية المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وهو ما يُفاقم معاناة الأهالي.

من جهته، يقول أحد أهالي البلدة، محمد كناكري، إنّ الخدمات الصحية متردية للغاية، فالمستوصف الوحيد في البلدة متهالك وبالكاد يعمل ويستقبل المرضى. بالإضافة إلى النقص في المعدات الطبية الأساسية، قلّة هم أطباء الاختصاص. ويعاني الأهالي، خصوصاً مرضى الكلى الذين يحتاجون إلى غسل الكلى بشكل دوري، ما يدفعهم إلى التنقل من مكان إلى آخر، وقد توفي كثيرون من جراء إصابتهم بفيروس كورونا وغياب المستشفيات، من بينهم عم كناري، مع معاناة إدخاله إلى أحد المستشفيات لكن بعد فوات الأوان. يضيف: "الخدمات سيّئة جداً في مجال الصحة. ويجب أن يكون في البلدة مستشفى على الأقل ومركز لغسل الكلى، باعتبار أن أعداداً كبيرة من المصابين بالفشل الكلوي يضطرون للانتقال إلى مناطق قريبة كالكسوة أو مستشفى مدينة البعث في القنيطرة أو دمشق، علماً أن المواصلات سيّئة جداً، وتضرّ المرضى بشكل كبير، كما أنها ليست متوفرة تماماً عدا عن ارتفاع أسعار بدلات النقل. وفي البلدة عدد من الصيدليات لكن هناك نقص في الكثير من الأدوية، ما يدفع الأهالي إلى البحث في مناطق أخرى".
 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

 

ويعيش الشبان والملاحقون من قبل النظام داخل البلدة حالة قلق وخوف دائم من الاعتقال. وهؤلاء إما متخلفين عن الالتحاق بالجيش أو مطلوبين لقضايا أمنية. يضيف كناكري أنه رغم التسويات، لم تُحلّ معظم مشاكلهم. ومن سلموا أنفسهم للنظام، نُقلوا إلى الخدمة الإجبارية. كما أن أولئك القاطنين في البلدة ليس لديهم عمل أو يعملون في الأراضي. أما بقية الشبان من غير الملاحقين، فيعملون في المعامل والمطاعم في العاصمة دمشق.

أما فاطمة التي اختبرت الظروف الصعبة التي مرّت بها المدينة منذ عام 2011، من حصار وخوف من اقتحام جيش النظام، فتتحدّث لـ "العربي الجديد" عن الواقع الذي عاشته وتعيشه في البلدة. وتقول: "كان تأمين الخبز أحد أكبر همومنا، وهو كذلك اليوم. لديّ أربعة أطفال، عمر أصغرهم عام ونص العام. وفي الأوقات التي حوصرت فيها البلدة، كنّا نخبز بما يتوفّر لدينا من طحين، سواء طحين القمح أو الشعير لإطعام الأطفال، ونحاول الحصول على مؤونة وفيرة من البرغل دائماً لأنّنا نعلم مدى أهميته نتيجة السنوات الصعبة التي مررنا بها". تضيف فاطمة: "نريد أن نشعر بالأمان والاستقرار، وأن يأكل أطفالنا بشكل جيد ويحصلوا على الدفء خلال فصل الشتاء، ويذهبوا إلى المدرسة ويحصلوا على تعليم جيد. ما نعيشه كابوس حقيقي. نجمع الأعواد والحطب للتدفئة في حال لم يتوفر لدينا الوقود أو انقطع، ونحاول الاعتماد على ما تنتجه أرضنا".

ويتحدث خليل (56 عاماً) عن أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلدة. ويقول لـ "العربي الجديد": "تأتي الكهرباء لساعتين أو ثلاث في أحسن الأحوال. ويمكن إجراء الاتصالات الخلوية والأرضية حين تتوفّر الكهرباء، إذ تعمل أبراج توزيع الشبكة الخلوية على البطاريات، وهذه البطاريات إما مسروقة أو تالفة. وعند انقطاع الكهرباء، لا تتوفر الشبكة مطلقاً". كما يشير إلى انقطاع المياه مع انقطاع الكهرباء. ويقول خليل إنّ "الواقع أصعب من أن يوصف، وهناك خوف دائم من حصار النظام للبلدة بهدف ملاحقة المطلوبين. هذا الحصار يكون له تبعاته دائماً على الأهالي. نحن قادرون على الصبر رغم كل المشاكل، باستثناء الجوع، خصوصاً مع وجود أطفال".

وتشتهر بلدة كناكر بالزراعة التي تعد مصدر دخل رئيسي للأهالي، الذين رضخوا لهدنة مع النظام في عام 2013، بعد منعه دخول المواد الغذائية والطحين والوقود، وهي السياسة نفسها التي ينتهجها اليوم.

المساهمون