استمع إلى الملخص
- تلعب البيئة الساحلية دورًا جماليًا في الرواية، حيث تُستخدم لتخفيف قسوة الأحداث، ويظهر دور مشايخ الدين في التأثير على "أمين" وعلاقته بعائلته المتعلمة والثرية.
- تستعرض الرواية الحضور النسائي المحدود في حياة "أمين"، والصراع العائلي في أسرته، وتأثير أكرم الحوراني كرمز للفلاحين وأبناء الجيش.
الناشطة والروائية حسيبة عبد الرحمن من أوائل المعتقلات اليساريات السوريات. كتبت رواية عن سجن النساء "الشرنقة"، ومجموعة قصصية "سقط سهواً"، عن سجون الفروع الأمنية، وحديثاً رواية "السمّاق المر"، التي رمزت الشخصية الرئيسية فيها إلى ديكتاتور سورية التاريخي حافظ الأسد... عن هذه الرواية، وعن تجربة كاتبتها، السياسية والأدبية، كان هذا الحوار:
تتناول روايتك "السمّاق المر" سيرة الديكتاتور الراحل حافظ الأسد من خلال شخصية أمين وظلّه، أو كما في مسرحية شكسبير الملك لير نجد شخصية الطيف، لماذا شخصية الديكتاتور وطيفه؟ وما هي وظيفة "الظل - الطيف" في الرواية؟
لأن الرواية تتناول جنازة الديكتاتور (أمين). أي إنه جسد بلا روح، لذا استخدمت الطيف، وأنطقته وعرضته للمحاسبة ممّن آذاهم في حياته الحافلة بالأحداث السياسية والاجتماعية والشخصيات التي قتلها، أو تسبّب في موتها، وهؤلاء جميعا أطياف لشخصياتٍ دبّت على الأرض يوماً، وغابت، لكنها عادت لحظة وفاته، وأحاطت به تحاكمه، فتحوّلت الجنازة إلى تجمع أو مهرجان جنازات لأطياف الموتى، ويمكن أن يقرأ بعضهم هذا استخداماً ساخراً من باب رمزية دينية.
تستعرض الرواية مرحلة طويلة في الحياة السياسية والعسكرية ما قبل السبعينيات، ومرحلة حكم الديكتاتور، كيف وظفت دور العسكر وسياستهم في حكم سورية؟
حاولت استقراء ما فعله الجيش داخل المجتمع السوري تحت شعاراتٍ كبيرة وطنية ولاحقا اجتماعية، والحصيلة لتجربة العسكر ما آلت إليه سورية من انحطاط متسارع خصوصا مرحلة "أمين"، وزيف شعاراتهم، وإن كان بعضٌ منهم صادقا لحظتها، لكن معظم القيادات وظّفت المسألة الوطنية، وركبت عليها، فاستحكمت في البلاد والعباد ودمّروا سورية.
الحضور النسائي واهي في حياة حافظ أسد، بما فيهن زوجته، التي لم تجرؤ على التدخل في الحياة السياسية
وظفت مجازر العسكر في الحكم المدن السورية مدينة مدينة، من ضرب السويداء، وحماة وحلب في سياق روائي له علاقة بتمرّد الإخوان المسلمين. هل ساعد ذلك في البناء الروائي أو لتغطية مرحلة سياسية؟
لا أستطيع تقييم إن كان استخدام المجازر المتكرّرة خلال عقود حكم العسكر قد خدم الرواية، فهذا يحتاج رأي نقاد الأدب. وقد جئت على ذكرها في سياق تاريخ "أمين" العسكري، والتطرق إلي مرحلة سابقة، وهي ضرب السويداء بالطيران (1954)، مرحلة حكم أديب الشيشكلي، هي باب دفاع "أمين" عن نفسه، وكأنه يقول إنه ليس أول من ارتكب المجازر في سورية، خصوصا والمدينة المدمّرة على يديه هي حماة أي مدينة الشيشكلي الذي من سبقه في ضرب المدن. وفي السياق نفسه، يأتي على ذكر عصيان الإسلاميين الأول (1964)، في حماة، والذي واجهها حزب البعث بعنف وعلى وجه الخصوص الرئيس الأسبق أمين الحافظ، وهي مقدمة للمذبحة الكبرى في حماة (1979 - 1982)، وباقي مدن سورية.
لعبت البيئة الساحلية دوراً كبيراً في الرواية من جمال طبيعة، وسعة أفق، ولغة بيئية خاصة، كيف عزّز هذا المناخ البيئي بنية رواية "السمّاق المر"؟
الساحل السوري هو مكان ولادة الديكتاتور. والطبيعة هناك وظّفتها أداة جمالية، أو بالأحرى طوّعتها لبناء مناخ جميل وسط وحشية الديكتاتور (قتل، قمع مجازر)، وحالة العنف المريعة لجو الرواية. وأنا لا أريد جلد القارئ، فكانت طبيعة الساحل كسراً لقسوة الرواية. وبهذا لم تفقد الرواية الجانب الجمالي الضروري في أي عمل أدبي، على الأقل من وجهة نظري.
يظهر دور مشايخ الدين واضحاً في البيئة وأسرة "أمين" منذ ما قبل الاحتلال الفرنسي، وإلى ما بعد رحيل "أمين" عن السلطة، لماذا هذا الدور الكبير لهم، وفي المقدمة منهم الشيخ المهاجر وتأثيره على شخصية "أمين" في الرواية والحياة؟
كان لمشايخ الدين نفوذ في الساحل، لعدة أسباب، أولها: الدور الديني في المناسبات والأعياد، ثانيا: هم من كانوا يعلمون القراءة والكتابة في القرى الصغيرة، وبالتالي، أخذوا حيّزاً واسعاً من الدور الاجتماعي إلى جانب الإقطاع، وكانا في حالة اقرب إلى التحالف بينهما. واهتمامي بالمهاجر حصراً لتأثيره في المحيط الاجتماعي، وللإضاءة على تدمير "أمين" هذه العائلة المتعلمة، والثرية التي شكلت عقدة حياته وكرهه لها، ولمن يماثلها، ليس من باب صراع طبقي، وإنما من باب الحقد عليها، الذي نفثه بنفي (وقتل) أفراد العائلة التي رفضته اجتماعياً وسياسياً، فعاقبها أشد العقاب، ولكنها بقيت تؤرّق حياته للالتباس تجاهها من الحقد والإعجاب من الحب والكره. ولذا كان حضور حفيد المهاجر في جنازته من باب استمرار تعذيبه، حتى في مسقط رأسه في اللاذقية التي تزامنت مع قدوم حفيد المهاجر الميت والمحمول على خشبةٍ أتت به أمواج البحر، وهو ممدّد على خشبة.
حضور النساء في الرواية محدود جدّاً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، هل يعود ذلك لقلة الشخصيات النسائية التي أحاطت في الشخصية الأولى (أمين)، أم لموقف خاص منك من الدور النسائي في الحياة السياسية السورية السابقة؟
للاثنين معاً، أولا الحضور النسائي الواهي في حياة حافظ أسد، بما فيهن زوجته، التي لم تجرؤ على التدخل في الحياة السياسية، وبقي حضورها باهتاً طوال مرحلة حكم حافظ الأسد.
من أهم شخصيات الرواية "بديعة" ودورها وحضورها ذات القدرات الخارقة، رغم أنها لا تتدخّل في السياسة والعسكر، لكنها تلعب دوراً في مصائر شخصياتٍ من العائلة. كيف بنيت هذه الشخصية؟
لم يكن بناء شخصية "بديعة" في "السمّاق المر"، وإنما في "تجليات جدي الشيخ المهاجر"، تعرضها لذلّ بيعهِا خادمة في المدينة مقابل هروب والدها إلى أميركا اللاتينية، اغتصابها من زوجها الأول البيك، وقتل زوجها (المتمرّد)، بعد إنجابها ابنها نمر الذي تحوّل لاحقاً إلى متمرّد وقاطع طريق (والد حافظ الأسد)، ثم زواجها من الشيخ المهاجر وإنجابها منه، وتأثيرها على واحد من أحفادها وأحفاد المهاجر، بحيث التحق بـ"أمين"، وأغضب جده. ... هذه الشخصية التي تحكمت بكل البيت بعد طلاقها من المهاجر إثر قتل ابنها نمر ابن الإقطاعي (أخو زوجة المهاجر الأولى). حياة "بديعة" وتقلباتها وصعوباتها من صنع هذه الشخصية.
تبدو شخصية الزوجة في حياة "أمين" هامشية، وحتى حضور النساء في حياته شبه معدومة، إلا علاقة وحيدة من طرفه مع ابنه الشيخ المهاجر الصغرى أمامه، رغم أنها وجدت في الرواية أكثر من عرض نسائي. لماذا هذا الحضور الهامشي للنساء في حياة "أمين"؟، إلا يوجد نساء لعبن أدواراً في حياته؟
لم تُعرف عن حافظ الأسد العلاقات النسائية، وقد بقي حبّه إمامة ابنة المهاجر مكبوتاً. "للحظة التي رآها ثانية"، وعندما أراد الزواج، اختار زوجة مماثلة بالغنى (إلى حدٍّ ما) لإمامة، وتزوّجها كما تسمّى بالعامية "خطيفة"، وشخصية كشخصية الأسد بالمعنى النفسي ترتاب بكل من حوله، ما بالك بالنساء، وهذه ثقافة "مذهبية" كان عليه الابتعاد درءاً لمخاطرهم من وجهة نظره وثقافته المذهبية.
أكرم الحوراني شكل رمزاً لكل الفلاحين وأبنائهم، وخصوصاً من كان في الجيش، كونه رأى في الجيش أداة لتغيير الواقع الاجتماعي
لعب أركان حكم "أمين" (يوسف، يونس، سلمان، وعمر)، دوراً كبيراً في تعزيز هذا الحكم من خلال الطاعة العمياء، وقبولهم أدواراً خاصة بهم في اختصاصات محدّدة، مثل سلمان في مجازر المدن، وحرب المخيمات، وطرد أبو كوفية، بينما تنعدم الشخصيات السياسية حول "أمين" تقريباً، هل يعود ذلك إلى الغربلة التي عمل عليها أمين، بعد غدره برفاقه في اللجنة العسكرية؟ أم لفقر الحياة السياسية السورية بالسياسيين؟
شخصيات سلمان، يوسف، ويونس، هم من ثبت أركان نظامه عسكرياً، واقتصر دورهم على الجانب العسكري. أما في السياسة فكان الرأي رأي حافظ الأسد، ومن كان يستشيره من أكاديميين وخبراء سياسيين متنوّعين، وجميعهم في الظل لا أحد يعرف عنهم شيئاً، يقدّمون التقارير المنهجية، وكل مجموعة لا تعرف الأخرى لأنه يشك في كل من حوله، ولن يسمح لسياسي بارز أن يظهر فطبيعته الديكتاتورية وفردانيته، وتضخم الأنا الذاتية لم تسمح لسياسيين أو أكاديميين باللمعان والجنرالات رغم قوتهم استطاع بقرار واحد بإبعادهم عن الحكم، ولم يقوموا بأي ردة فعل، فأدوارهم هو من حددها، والكادر المهم بقي في الظل.
يظهر دور أكرم الحوراني (أبي الفداء) كبيراً في الرواية، وتأثيره على شخصية "أمين" وأخيه لماذا؟، رغم الاستمرار في إبعاده عن الحياة السياسية بعدم طلب أمين منه العودة إلى الحياة السياسية، لماذا لم يعد رغم أنه أحد معلّمي أمين؟
سميت المرحوم أكرم الحوراني (أو أبو الفداء) على لقب مدينته حماة "أبي الفداء، واسم ابنته التي سماها على اسم المدينة. والحوراني شكل رمزاً لكل الفلاحين وأبنائهم، وخصوصاً من كان في الجيش، كون المرحوم رأى في الجيش أداة لتغيير الواقع الاجتماعي، وكان يقيس دور الجيش بميزان دقيق، كي لا يتغلّب العسكر على السياسيين، ولم يكن هذا التقدير في محله، فالعسكر أطاحوا كل قيادة الحزب، وأكرم الحوراني أكثر السياسيين الذين ارتبطوا بعلاقة مع ضباط الجيش واستخدمهم، وهذا ما فعله حافظ الأسد، وبشكل مشوّه وممسوخ، أضف إلى براغماتية الحوراني، والنقلات النوعية في السياسة، وهو ما اعتبره الأسد مدرسة بحدّ ذاتها.
يتجلّى الصراع العائلي في أسرة أمين في مرضه، وإحدى أدوار أركان حكمه في التصدّي للأخ الذي حاول الاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية العارية في غيبوبة "أمين" ومرضه. لماذا لم يعاقب الأخ الأصغر، وعاقب بسببه جزءاً من أركان حكمه، بأبعادهم جميعاً خارج البلاد؟
أبقى حافظ الأسد على العلاقة العائلية قوية، رغم ارتكاب الأخ الأصغر محاولة الانقلاب عليه فترة مرضه، واكتفى بمغادرته سورية مقابل المال الذي دفعه آنذاك معمر القذافي، واستغل الأسد الفرصة، فأبعد المتصارعين الأقوياء خوفاً منهم، ومن محاولة انقلاب عليه في حالة ضعفه أو مرضه ثانية، وبهذا ضرب مراكز القوى، وتخلّص منها دفعة واحدة.
في الرواية مقاربات ومفارقات متعدّدة مع حكم "بعث" العراق، الجارة الشرقية، هل يعود ذلك إلى حكم البلدين من الحزب، نفسه، أم لتشابه مصير البلدين، وتقارب مشاريع التقسيم فيهما؟
أولاً، حكم حزب البعث سورية والعراق البلدان بالتوقيت نفسه. في العراق حصل انقلاب على "البعث"، لكن الحزب عاد إلى الحكم، وكان من المتوقع أن تحصل الوحدة بينهما، أو على أقل تقدير تحالف، في حين حصل العكس. اتسمت علاقة جناحي الحزب بالصراع الدائم، وعندما كان يحصل اتفاق لم يكن يستمر طويلا.
اتسم حُكْمُ البعث في سورية والعراق بالحكم الأقلوي. اتصف البلدان ببنية سكانية مركبة في كل منهما، من حيث الطوائف والمذاهب، ما وسم كلا النظاميين بالمذهبية، ساهم ذلك في تعرّج مسارهما السياسي والاجتماعي خصوصاً، وبأن حكميهما قاما على القمع والقهر وتخويف المجتمع، ما أوصلهما إلى نهاية متشابهة إلى حد كبير مع اختلاف أدوات إسقاط كل نظام منهما.
استمرّت قدرة الشيخ المهاجر على إظهار عدم رضاه على "أمين" وطريقه حكمه طوال الرواية، حتى من خلال ما يعكر على جنازته في اللاذقية، ما هي أسباب عدم رضا الشيخ المهاجر؟ عائلية، دينية، (طائفية توريط الطائفة) في صراع مع السوريين؟
نظرة الشيخ الثاقبة إلى "أمين" منذ رأى ملامحه، والتي تمثلت برفضه تسميته منذ ولادته. وعندما قرّر الانقلاب رفض الشيخ الانقلاب بحذر خوفاً على الطائفة من مسار أمين، فهو يراه شخصاً غدّاراً لا يؤتمن جانبه وغير صالح لحكم البلد، كان المهاجر يقرأ في عينيه التسلط والكذب والنذالة، وأنه سيورط الطائفة بنزاعاتٍ لا ناقة لها، ولا جمل، وأن تربية والده قاطع الطريق، والقاتل من وجهة نظر الشيخ ستترك بصماتها على أمين وطريقة حكمه من بلطجة وسلوك قطاع الطرق. ولأن الشيخ رفضه بدأ بمعاقبة أولاده وأحفاده، ومحاولة تحجيمه ولولا خوفه من الطائفة لقتله، لذا اتّبع معه سياسية المضايقات والملاحقة الأمنية، ونفي أولاده وأحفاده.
يوضح أمين لعمر عدم قدرته على تسيير شؤون البلاد رغم إخلاصه له ولهم، لذلك رتّب أمين عملية انتقال السلطة من خارج الدائرة الضيقة التي ثبتت أركان حكمه. لماذا؟
لأن أمين لا يريد إخراج السلطة من يد العائلة الضيقة حتى، وإن كان الشخص غير مؤهل للحكم. وهذا ما حصل عندما اتفق الضباط الكبار، أركان حكم حافظ أسد على رفض رفعت الأسد أن يكون بديلا لحافظ، واتفقوا على ترشيح عبد الحليم خدام خليفة له فترة مرض الأسد وصراع الأسدين. وهذا لم يعجب حافظ الأسد، ولم يكن خياره، فأبعدهم جميعاً عن الحكم بعد انتهاء أزمة مرضه وصراعه مع أخيه أي أن الأسد أراد توريث الحكم باكراً.
يظهر أمين دائماً حنيناً جارفاً نحو رفاقه، خصوصاً "أبو نضال"، ويعترف أنه يحبهم، وهو الذي اعتقلهم ولم يخرجهم من المعتقل إلا وهم على حوافّ القبور، وبعضهم مات في السجون، ويبرّر ذلك بأن السياسة هي السياسة، كيف عملت على تظهير هذا التناقض الحادّ في شخصية أمين، حتى لو كان ذلك ادّعاءً؟
حافظ الأسد شخصية مركبة ومعقدة نراه معجباً بصلاح جديد ويخافه. ومع ذلك انقلب عليه، وكان يراه في أعماقه أفضل منه شخصياً واجتماعياً، لكن نصره السهل عليه، ونزعة الديكتاتور التي استيقظت حين تسلّمه السلطة، بحيث أصبح مزهواً "بعبقريته"، ويرى نفسه أفضل الجميع. بعد عقود، كان قد سجن وقتل معظم أصدقائه، ورفاق دربه، وجاءه المرض، أحسّ بالحنين لرفاق الدرب، لأن ذاكرته أصابها الوهن، تلفّت حوله فلم يجد سوى أزلامه، ومع الكبر بدأ الحنين إلى الطفولة والشباب ورفاقه جزء منها، وعندما التقى الأسد عضو قيادة قطرية خرج من المعتقل الذي سجنه به 24 عاما، ألغى كل المواعيد ليجلس معه، ويتذكّر مرحلة الستينيات، ورفاقهم عندما كانوا معا.
خلطة القمع والاعتقال والغدر والقتل في ظل شعارات اشتراكية وعلمانية والاستفادة من التجارب الاشتراكية كانت من الأدوات التي استخدمها لخدمة البروباغندا السلطوية، ما هي المبرّرات التي عمل عليها للاستمرار في هذه الخلطة؟
استخدم حافظ الأسد الشرعية الوطنية بين مزدوجتين إثر حرب تشرين (1973). وبغض النظر عن نتائجها، فهو أمسك بها، مثل أنور السادات وحسني مبارك في مصر، للحكم تحت يافطتها، لكنه أضاف إليها الاشتراكية المزعومة والعلمانية الكاذبة..الخ.
صراعه مع (أبو الكوفية، ياسر عرفات)، وقبل ذلك عملية إخراج (الحكيم، جورج حبش) من معتقل كركون الشيخ حسن، من ضمن محاولاته السيطرة على الورقة الفلسطينية وتوظيفها لمصلحته، لم يخدمه ذلك كله في السيطرة عليها، لماذا؟
فشل أمين (أو حافظ الأسد) بالاستحواذ على الورقة الفلسطينية لعدة أسباب. أولها: أبو الكوفية (ياسر عرفات) رفض بشكل مطلق السماح له بذلك، ثانيا: الصراع بين الأسد والعراق وسواها من الدول أعطى أبو الكوفية القدرة على المناورة والتخلص من ضغط الأسد. ثالثا: الهامش الذي أتيح لياسر عرفات بالتصرّف المستقل نتيجة حضوره في لبنان رغم هزيمة منظّمة التحرير، والحركة الوطنية في لبنان (1976)، أمام الأسد قبل الغزو الإسرائيلي (1982)، وما تلا ذلك صراع جديد مع عرفات وطرده من دمشق، سبق ذلك صراع النظام مع فصائل منظّمة التحرير ومنها الجبهة الشعبية.
علاقة الخمسة والقيادة اليمينية في الحزب مع الأسمر كانت لمصلحة الطبقة السياسية السورية ما قبل الوحدة مع مصر (1958)، وما بعدها، من الذي وظف الآخر، الأحزاب السياسية السورية، أم الزعيم الأسمر، أم القيادات الحزبية الجديدة؟
سؤال من الصعب الإجابة عنه، فحزب البعث، بخطواته السريعة نحو الوحدة، أضرّ بقوى سياسية فاعلة، كالأحزاب التقليدية في دمشق وحلب، وأحزاب أخرى (الحزب الشيوعي والقومي السوري)، لأن نظام الوحدة حلّ الأحزاب كلها، بما فيها حزب البعث نفسه (انشقّ بين الحوراني وعفلق)، وكان من نتائجها تراجع الحركة السياسية، وإضعافها بما فيها الأحزاب التقليدية لصالح تقوية العسكر. على سبيل المثال، موقف المرحوم خالد العظم الذي كان رمزاً للبرجوازي الوطني قبل الوحدة، تحول بعد الانفصال والتحق بطبقته وبخطابها.
لم تكن شروط تكيف النظام مرتبطة بالحياة السياسية الداخلية، بل بتقديم التنازلات للخارج مقابل البقاء على الكرسي
تذكرين في الرواية اعتقال أمين اليساريين، ومنهم حزب العمل الشيوعي، وتدخل المحيط العائلي من الدائرة القريبة من زوجته، للحصول على زيارة أو معرفة مكان سجن بعض الأبناء أو الأقرباء، هل استطاعت هذه العلاقات فكفكة اعتقال اليساريين السوريين في عهده؟
لا أعتقد أن الرواية فكّكت تلك العلاقة بحزب العمل، فذكر بعض الوقائع عنه جاء بشكل عارض، وأخذ حيزاً ضيقاً وسط بحر صراعات النظام في الداخل والخارج.
توجد مع الخط الإسلامي الجهادي في مرحلة الصراع مع الإخوان المسلمين مرحلة الجنازة، وتعمل ذاكرته على استجلاب كل حالة الصراع، ما تأثير هذا الصراع على سورية ودول المنطقة في تلك المرحلة؟
من المفارقات أن الإسلام الجهادي الذي بدأت نوباته (1964- 1965) في كل من سورية ومصر فشل في تحقيق برنامجه، وعاد المشروع على جناحي اتفاقية كامب ديفيد (1978)، وحرب أفغانستان، فكان تشكيل الطليعة المقاتلة في سورية التي فتحت باب الجهاد على مصراعيه ضد النظام متحالفة مع العراق والسعودية والأردن، واستطاع النظام وأدها بعد صراعٍ دامٍ ظهرت تردّداته الطائفية والمذهبية جلية على بنية الصراع وأدواته. وبهذا فتحت شهية التيار الجهادي إلى باقي المنطقة، متزامناً مع ما اصطلح عليه "مجاهدو أفغانستان".
مفهوم تكيّف النظام، وأنه أمين لكل ما يطلب منه دولياً شرط الحفاظ على كرسي الحكم الذي كرّس حياة السويين لخدمة استمراره، كيف تجلى هذا التكيف في الحياة السياسية السورية؟
لم تكن شروط تكيف النظام مرتبطة بالحياة السياسية الداخلية، بل بتقديم التنازلات للخارج مقابل البقاء على الكرسي، وهذا ما اعتدنا عليه، وفي المقابل يعمل الخارج أياً كان على تحقيق مصالحه، ولا يقيم وزناً لما يحصل في الداخل من قمع واجتثاث للسياسة والأحزاب وانتهاك لحقوق الإنسان والمجتمع، وهو كان يجيد لعبة المصالح.
كتبت روايتك الأولى "الشرنقة" عن النساء السياسيات في سجن دوما في تسعينيات القرن الفائت، والعلاقة مع سجينات الإخوان المسلمين، وحياة السجن، كيف تنظرين الآن إلى الشرنقة والسجن السياسي للنساء بعد نحو 20 عاماً على صدورها؟
شابت "الشرنقة" عيوبٌ كثيرة، لكنها رصدت، بحدود، حياة السجينات السياسات اليساريات مع مرور سريع نحو السجينات الإسلاميات. أعتقد لو كتبتها بظروف نفسية وأمنية أفضل وأقلّ ضغطاً، لتناولت الحدث والشخصيات بشكل أقل حديّة وأكثر تسامحاً وهدوءاً. ورغم عيوب الرواية وقصورها، فتحت باب الرواية للسجن السياسي.
انعكس التنوع الذي مررتِ به في السجون والفروع الأمنية كثيراً في قصص "سقط سهواً". ما هو المميّز واللافت في قصص السجون السورية في مرحلة النظام البائد؟
نستطيع القول إن الفروق بين الفروع والجهات الأمنية كمية وليست نوعية، سواء في التحقيق أو التعذيب أو شروط السجن نفسه، ولكل طريقته. وينطبق هذا على الأمن السياسي، وعلى أمن الدولة، وشعبة المخابرات العسكرية، والأسوأ هو مخابرات القوى الجوية، وهذه لم أُعتقل لديها. عدا عن فروق المكان في الزنازين.
كيف انعكس عملك السياسي في الرواية والقصة التي كتبها، خصوصاً أنك تعملين في الحقل السياسي منذ أواسط سبعينيات القرن الفائت؟
بدا انعكاس عملي السياسي جلياً في اختيار الموضوعات الروائية التي أكتبها. كانت روايتي الأولى عن السجن السياسي النسائي، ومجموعة القصص القصيرة نصفها عن السجن، وروايتي الصادرة أخيراً عن حافظ الأسد، كما رواية "تجليات جدّي الشيخ المهاجر"، جاءت كسراً للمحرّمات الدينية إلى حد كبير. العمل السياسي والسجن دفعاني إلى كسر التابوهات، السياسية والمذهبية، كل ما كتبته كان ممنوعاً وعرّضني للتحقيق.
بطاقة:
حسيبة عبد الرحمن الناشطة والكاتبة الروائية اليسارية من أوائل اليساريات السوريات.
صدرت لها رواية "الشرنقة" عن سجن النساء في دوما.
ـ لها مجموعة قصصية "سقط سهواً"، عن سجون الفروع الأمنية.
ـ لها رواية "تجلّيات الشيخ المهاجر".
ـ كرّاس غزو المصطلحات المجتمع المدني السوري نموذجاً.
ـ في عام 2025 صدرت لها رواية "السماق المر" عن دار نينوى، وتتناول شخصية "أمين" التي رمزت إلى ديكتاتور سورية التاريخي حافظ الأسد.