حرب السودان... تزايد الإجهاض ووفيات الحوامل والرضع

10 مايو 2025
تضررت السودانيات وأطفالهن نتيجة الحرب، 8 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني النساء الحوامل في السودان، خاصة في دارفور والخرطوم، من الإجهاض ووفيات الأطفال بسبب الحرب، النزوح، الجوع، وانعدام الخدمات الصحية.
- تتعدد أسباب الإجهاض في مخيمات النزوح، منها الملاريا وسوء التغذية، بالإضافة إلى الضغوط النفسية والخوف من القصف والوجود العسكري.
- تواجه النساء صعوبة في الحصول على الأدوية والمكملات الغذائية، مع نقص الرعاية الصحية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات، مما يزيد من مخاطر الإجهاض والولادة المبكرة.

تكشف إفادات رسمية من وزارة الصحة السودانية، ومن مكاتب الإحصاء داخل المستشفيات العامة، أن آلاف السودانيات، خصوصاً في إقليم دارفور والعاصمة الخرطوم، تعرضن لحالات إجهاض مبكر، فضلاً عن ارتفاع أرقام وفيات الأطفال حديثي الولادة والنساء الحوامل.
وتكبدت السودانيات خلال الحرب التي دخلت عامها الثالث، مشاق متعددة، من بينها تكرار النزوح أو اللجوء هرباً من مناطق القتال، والانتهاكات الجسدية، وتفشي الجوع نتيجة ارتفاع كلفة شراء الطعام، ونهب المدخرات المالية وسرقتها، وانعدام الخدمات الصحية، وغلاء الأدوية والمكملات الغذائية.
ويقول وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم لـ"العربي الجديد"، إن "عدد وفيات الحوامل التي رُصدَت في الفترة ما بين يونيو 2023 ويوليو 2024، بلغت 870 وفاة، من بينها 350 وفاة حدثت داخل المستشفيات والمرافق صحية، كذلك سجلنا وفاة 1100 طفل عمرهم أقل من عام في ذات الفترة".
ويوضح: "هناك أسباب متعددة للإجهاض، من بينها انتشار الإصابة بالملاريا في مخيمات النزوح، لأنّ حمى الملاريا تسبب فصل مشيمة الجنين، كذلك إن سوء تغذية الأم يؤثر في تغذية الجنين، ويوقف عملية النمو، ويتسبب بالتالي في حالات إجهاض، والكلور المضاف إلى مياه الشرب لتعقيمها إذا أضيف بكميات كبيرة، واستُخدِم لفترات طويلة، يمكن أن يزيد من نسب حدوث الإجهاض".
واضطرت بعض الحوامل إلى السير مسافات طويلة في أثناء رحلات النزوح المتكررة في الداخل، وفي أثناء اللجوء إلى دول الجوار، وعملت أخريات في مهن شاقة لتوفير لقمة العيش، من بينها قطع الأشجار، أو جمع المحاصيل الزراعية، أو تنظيف المنازل في المُدن التي لم تمتد إليها الحرب.

اضطرت سودانيات حوامل إلى السير مسافات طويلة خلال النزوح

من مخيم كلمة بولاية جنوب دارفور، تقول أم كلثوم إبراهيم (27 سنة) لـ"العربي الجديد": "أجهضت خلال فترة الحرب مرتين: الأولى في أغسطس/آب 2023، نتيجة السير لمدة يومين إلى المخيم فراراً من الانتهاكات التي طاولت المدنيين بعد سيطرة الدعم السريع على قريتي، والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، نتيجة العمل الشاق في قطع الأشجار وتحويلها إلى فحم لبيعها لسكان المخيم، مقابل شراء الطعام لأسرتي، وأجهضت في الشهر الثاني للحمل".
وتؤكد منسقة المرأة بمنسقية النازحين واللاجئين في مخيم كلمة، زحل خميس، لـ"العربي الجديد" أن "عدد حالات الإجهاض في المخيم بلغت في الفترة بين يونيو/حزيران 2023 وأغسطس/آب 2024، نحو 630 حالة. عدد حالات الإجهاض في بعض الأوقات يراوح بين 40 و50 حالة شهرياً، وهو أكثر من ضعف ما كان يحدث قبل الحرب. تقارير الجهات الطبية بمنسقية اللاجئين تفيد بأن أسباب زيادة حالات الإجهاض ترجع إلى سوء التغذية الحاد، والأعمال الشاقة التي تمارسها النازحات من أجل كسب قوتهن اليومي".

لا تتوفر الرعاية الصحية دائماً للسودانيات، 8 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
لا تتوفر الرعاية الصحية دائماً للسودانيات، 8 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

بدوره، يقول المسؤول بمنسقية اللاجئين والنازحين في مخيم أبو شوك بإقليم دارفور، إسماعيل خريف، لـ "العربي الجديد"، إن "أكثر من 70 امرأة حاملاً توفين خلال فترة الحرب بأسباب من بينها تعسّر وصولهنّ إلى المستشفى في الوقت المناسب لأن الطرق مغلقة بسبب المعارك العسكرية، أو بسبب انعدام الأدوية، أو عدم وجود رعاية صحية، فضلاً عن سوء التغذية. عدد حالات الإجهاض في الفترة بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2024 بلغت 150 حالة إجهاض داخل المخيم".
وتكشف سجلات مكتب الإحصاء بمركز الصحة الإنجابية المتكامل في مخيم أبو شوك للنازحين في الفاشر، أن هناك تزايداً في حالات الإجهاض خلال فترة الحرب، لكن ذروة حالات الإجهاض كانت في الفترة الممتدة بين إبريل وأغسطس 2024، إذ بات المركز يستقبل ما بين 2 إلى 4 حالات يومياً، وهو ضعف ما كان يستقبله في الفترة الزمنية نفسها خلال عام 2023.
ويقول مدير مركز الصحة الإنجابية في المخيم، الطبيب أحمد محمد أحمد لـ"العربي الجديد"، إن "عدد حالات الإجهاض التي تصل إلينا لا تعكس العدد الحقيقي، لأن النساء في المخيم يفضلن عدم الحضور لمقابلة الطبيب، أو تلقي المساعدة الطبية بسبب الوضعين، الأمني والاقتصادي المتدهورين. فقوات الدعم السريع تقصف المخيم ومحيطه على مدار اليوم، ما أدى إلى نزوح 90% من سكانه خلال إبريل/نيسان الماضي".
يضيف الطبيب أحمد: "تعاني النساء في مخيمات النزوح السودانية من صعوبات جمة للحصول على الأدوية الضرورية والمكملات الغذائية، التي غالباً لا تتوفر في الصيدليات، وفي حال توفرها يباع شريط المكمل الغذائي الواحد بما يعادل دولاراً أميركياً، وتحتاج النساء خلال أشهر الحمل الأولى إلى ثلاثة أشرطة شهرياً بقيمة 3 دولارات، وهو مبلغ يصعب على الجميع توفيره، كذلك يصعب إيجاد الأدوية المثبتة للحمل، والمكملات الغذائية التي تحتاج إليها الحوامل بعد الشهر الرابع، فضلاً عن قلة احتمال حصولهن على الرعاية الصحية اللازمة في ظل خروج 90% من المستشفيات عن الخدمة بسبب الحصار الذي يفرضه الدعم السريع على المخيم، واستمرار القصف المدفعي".

ينتظرن مراجعة الطبيب في بورتسودان، 8 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
ينتظرن مراجعة الطبيب في بورتسودان، 8 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

في مدينة أم درمان التي اكتظت بالسكان بعد سيطرة الدعم السريع على مدينتي الخرطوم وبحري قبل تحريرهما في مارس/آذار الماضي، ارتفع عدد حالات الإجهاض بصورة لافتة، وكشفت سجلات مكتب الإحصاء بمستشفى النو الحكومي، عن استقبال 945 حالة إجهاض في الفترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ويوليو/تموز 2024.
أجهضت آمنة عبد الحي للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2023، وخسرت جنينها للمرة الثانية في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وفي المرة الأخيرة أجهضت جنينها في الشهر الثاني من الحمل. تقول لـ"العربي الجديد": "كنت أقيم في أمبدة غربي أم درمان، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في الشهر الأول لاندلاع الحرب، ونزحت في يونيو/حزيران 2023 إلى منطقة كرري شمالي أم درمان، وعشت بالقرب من قاعدة وادي سيدنا الجوية العسكرية، التي ظلت تتعرض للقصف من قبل الدعم السريع عبر المدافع والطائرات المسيرة، ما جعلني أعيش فترة رعب دائم، وأعتقد أنه سبب إجهاضي في المرتين".
ويقول الطبيب أحمد محمد أحمد: "الخوف الشديد من بين العوامل النفسية التي لديها تأثير كبير في النساء الحوامل، خصوصاً في المخيمات ومناطق النزوح التي تشتد فيها المعاناة والإحساس بالافتقار إلى الأمان. رؤية الآليات العسكرية والجنود المدججين بالسلاح يضاعف مخاوف النساء، ويزيد من خطر تعرضهن للعنف أو الاغتصاب وغيرهما من الانتهاكات التي تكررت في ولايات عدة. يضاف إلى ذلك المواد الكيميائية الناتجة من الأسلحة المستخدمة في مناطق القتال، وبعضها تؤدي إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة، مثل مادتي الفوسفور والرصاص، اللتين تنتقلان إلى الدورة الدموية عبر الاستنشاق، وتحدثان خللاً وظيفياً يسبب انفصال المشيمة، ما يؤدي إلى موت الجنين، أو إجهاضه، وربما التسبّب بموت الأم إذا استنشقت كميات كبيرة منهما بشكل متكرر".

وأجريت في مستشفى مدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان (وسط)، 401 عملية كحت لنظافة الرحم بعد حالات إجهاض متعثرة في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني ويوليو/ تموز2024. ويقول مدير قسم الولادة في المستشفى، الطبيب حسن أبكر، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات التنظيف أو الكحت لا تحصي العدد الحقيقي لحالات الإجهاض، إذ تُجرى هذه العمليات للنساء اللائي تعرضن لمضاعفات، أو لم يخرج الأجنة من أرحامهنّ كاملين، في مقابل عشرات الحالات التي يسقط فيها الجنين كاملاً، وبالتالي لا تحتاج إلى إجراء العملية".
بدورها، تقول اختصاصية النساء والتوليد، الطبيبة سارية حسن دفع الله، لـ"العربي الجديد"، إن "سقوط الصواريخ والدانات والقنابل بالقرب من المناطق السكنية، أو داخل الأحياء يشكل خطراً كبيراً على الحوامل، ويسبب لهنّ أضراراً نفسية وجسدية بالغة. تعرض الحوامل للانفجارات المباشرة قد يسبب النزف الداخلي أو الخارجي، وقد يقود إلى انفصال مبكر للمشيمة، ما يؤدي إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة، وأحياناً يسبب وفاة الجنين داخل الرحم".
وتضيف: "هناك مخاطر كبيرة لنقص الرعاية الصحية، وصعوبة الوصول إلى المستشفيات، وخصوصاً مراكز الولادة، والشعور بالتوتر والقلق والخوف يؤدي إلى إفراز مستمر لهرمون الكورتيزون، ما يؤدي إلى نقصان وزن الطفل، ويزيد من احتمال الولادة المبكرة، إلى جانب سوء التغذية الذي يقود إلى فقر الدم، و ضعف مناعة الأم والجنين، وهو ما يسبب تشوهات خلقية للأجنة. كذلك إنّ نقص الفيتامينات يعوق استمرار الحمل، ويؤدي إلى الإجهاض".

المساهمون