حرائق لوس أنجليس... حين تتداخل الظروف المناخية والبشرية

15 يناير 2025
حرائق لوس أنجليس أشبه بمشهد هوليوودي، 13 يناير 2025 (إيتيان لوران/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تلعب العوامل الجوية مثل الرياح والجفاف دوراً كبيراً في انتشار حرائق غابات لوس أنجليس، مع تأثير تراكم الوقود النباتي الجاف وتغير أنماط الطقس.
- تتطلب التحقيقات في أسباب الحرائق وقتاً طويلاً بسبب تعقيدها، ولا يمكن إلقاء اللوم فقط على تغير المناخ، حيث تساهم عوامل مثل الحرق المتعمد والسياسات المفرطة في قمع الحرائق.
- من المهم اتخاذ إجراءات وقائية مثل تحسين تصميم المنازل وإدارة الوقود، وتعزيز التوعية العامة، والنظر في حلول طويلة الأمد مثل دفن خطوط الكهرباء.

ما من عامل واحد يمكن الإشارة إليه لفهم أو تحديد سبب اندلاع حرائق غابات لوس أنجليس، بل هي مجموعة عوامل بشرية وطبيعية. وليس تغير المناخ إلا أحدها

مع استمرار حرائق الغابات الهائلة المستعرة في لوس أنجليس، أكبر مدن ولاية كاليفورنيا، يبقى سؤال أكثر إلحاحاً: ما الذي أشعل الحرائق؟ غالباً ما تستغرق التحقيقات في أسباب الحرائق الضخمة والشديدة، على غرار حرائق لوس أنجليس أشهراً، إن لم يكن أكثر. بعد حرائق الغابات الهائلة التي اندلعت في أغسطس/ آب 2023، وأودت بحياة أكثر من 100 شخص في جزيرة ماوي في ولاية هاواي الأميركية، استغرق فريق الاستجابة الوطني التابع لمكتب مكافحة الكحول والتبغ والأسلحة النارية أكثر من عام للتحقيق، ولم يصدر نتائجه الرسمية إلا في أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
يقول خبراء إنّ سبب حرائق الغابات، بما في ذلك تلك التي تجتاح المناطق الحضرية، قد يكون من الصعب للغاية التحقيق فيه بسبب شدة ودرجة حرارة مثل هذه الحرائق الضخمة التي تدمر كل شيء تقريباً في طريقها. وتنقل صحيفة لوس أنجليس تايمز عن مدير برنامج سياسة المناخ والطاقة في جامعة ستانفورد ومفوض حرائق الغابات السابق في كاليفورنيا، مايكل وارا: "إنّك ترمي مسرح جريمة في فرن".
حاكم كاليفورنيا، جافين نيوسوم، وصف حرائق الولاية بأنها قد تكون الكارثة الأشد تدميراً في تاريخ الولايات المتحدة، في وقت اتهم فيه الرئيس المنتخب دونالد ترامب المسؤولين في كاليفورنيا بعدم الكفاءة. وقال على منصة تروث سوشيال: "لا تزال الحرائق مشتعلة في لوس أنجليس. ولا يملك الساسة غير الأكفاء أدنى فكرة عن كيفية إخمادها".
موقف ترامب يتزامن مع مواصلة عناصر الإطفاء في لوس أنجليس مكافحة حرائق الغابات التي حملتها رياح "سانتا آنا" بعدما بلغت مستوى الأعاصير، وأودت بحياة 25 شخصاً، في وقت يحذّر فيه مسؤولون من رياح مقبلة قد تؤدي إلى تأجيج النيران. كما أن الظروف الجوية في المنطقة قد تؤدي إلى نشوء دوامات نارية. وتحوّلت تجمّعات سكنية بأكملها إلى مجرّد ركام محترق أدى إلى تشريد الآلاف. 
ويشير المسؤولون إلى أن الحرائق في منطقتي باليسيدس وإيتون تمت السيطرة عليها إلى حد كبير، إلا أن خطر اندلاع حرائق جديدة لا يزال قائماً. وحتى الآن، احترق أكثر من 37 ألف فدان. وصدرت أوامر بإجلاء حوالي 150 ألف شخص، فيما يُقدر أن الأضرار والخسائر الاقتصادية تتراوح ما بين 250 مليار دولار و275 مليار دولار أميركي.
وقبل صدور نتائج التحقيقات، لدى الخبراء ما يتحدثون عنه في محاولة لتحليل مشهد الحرائق "الهوليوودي"، كما يصفه البعض، من بينهم الخبير في إدارة حرائق النباتات، والذي يتمتع بأكثر من 20 عاماً من الخبرة والمهارة في إدارة حرائق الغابات في أكثر من 30 دولة، الأميركي ــ الألماني ليندون برونتو. وهو، في رده على مجموعة من الأسئلة طرحتها "العربي الجديد"، يتحدث عن عوامل عدة من الظلم حصرها في تغير المناخ، وإن كان الأخير عاملاً من العوامل. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يوضح في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنّه تتوفّر في هذه الأيام من العام الظروف المناسبة لاندلاع حرائق نشطة، والتي امتدت بشكل كبير على مدى العقود الماضية وخصوصاً حين تتداخل الظروف، وهي عديدة. منها الوقود المتاح (الغطاء النباتي أو حطام الأخشاب) والرياح. كما شهدت المنطقة سقوط كمية هائلة من الأمطار خلال الجزء الأول من العام الماضي ولم تهطل منذ ذلك الحين، ما أدى إلى نمو غطاء نباتي وأعشاب وشجيرات جفت لاحقاً. وفي النتيجة، كان هناك محصول عشبي أكبر متاحاً للحرق، على حد قوله.
يتابع برونتو لـ "العربي الجديد": "من الواضح أن أنماط الطقس تغيرت وهو ما أدى إلى تراكم الوقود المتاح". ويوضح أن "جزءاً من المشكلة في ولاية كاليفورنيا يرتبط بمقدار التنظيم والبيروقراطية والروتين والقيام بأنشطة الوقاية من الحرائق والوقود، ما يؤثر على الوضع العام للحرائق". من جهة أخرى، يتطرق إلى أزمتين ربما لم يشر إليهما كثيرون، وهما الصحة العقلية في كاليفورنيا والتشرد، لافتاً إلى أن "عدداً كبيراً من الحرائق تندلع نتيجة أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية، ومشردين، ما يمثل تحدياً اجتماعياً". 

بعض من الدمار الذي دمرته حرائق لوس أنجليس، 14 يناير 2025 (لوكمان فورال إليبول/ الأناضول)
بعض من الدمار الذي دمرته حرائق لوس أنجليس، 14 يناير 2025 (لوكمان فورال إليبول/ الأناضول)

يتحدث العديد من الخبراء، من بينهم برونتو، عن بداية محتملة أخرى لحريق باليسيدس، وهو كونه حريقاً متبقياً، ما يعني أنه كان قد اشتعل بسبب الألعاب النارية خلال احتفالات رأس السنة الجديدة وأُخمد. وهناك احتمال بأنه مع هبوب الرياح العاتية، ربما تبقت هناك بقايا لم يتم إخمادها بنسبة 100%، فأُعيد إشعاله في حريق باليسيدس. يضيف أن "هناك المزيد من الحرائق الناتجة من التعرض لصاعقة رعدية، والإهمال، والأنشطة البشرية الأخرى". لكن أحد أبرز العوامل التي تجعل هذه الحرائق تنتشر بسرعة وتصبح خطيرة هي الرياح. ومن العوامل البيئية الأخرى، الرطوبة، انحدار التضاريس، والجفاف الذي يؤدي إلى انتشار الحريق بشكل أسرع باعتبار أن الغطاء النباتي يتأثر في هذه الحالة. 
وحين يتحدث عن الجفاف، يلفت إلى أن تغير المناخ والذي يؤدي إلى فترات جفاف طويلة، يؤثر على المياه الجوفية واستخدام المياه. لذلك، بمجرد حدوث جفاف، يكون هناك ضغط أكبر على جميع الموارد لاستخدام المياه، وخصوصاً أن ما بين 84% إلى 86% من استخدام المياه في كاليفورنيا الولاية يذهب إلى الزراعة، في وقت يشجع فيه سكان جنوب كاليفورنيا على استخدام كميات أقل من المياه بشكل عام.


أيضاً، في ظل تغير المناخ، بحسب برونتو، يزيد انخفاض الغطاء الثلجي وتصبح أنماط هطول الأمطار أقل اتساقاً. ومن الواضح أن درجات الحرارة المرتفعة وموجات الحر تعد عاملاً مساهماً في انتشار الحرائق، وانخفاض الرطوبة بشكل كبير، وهبوب الرياح العاتية. يضيف أن أنماط الطقس المتغيرة تجعل الظروف المناخية أقل قابلية للتنبؤ لناحية الاستعداد بشكل أفضل لخطر الحرائق الشديد.

أدت حرائق كاليفورنيا إلى مقتل 25 شخصاً، 13 يناير 2025 (تايفون كوسكون/ الأناضول)
أدت حرائق كاليفورنيا إلى مقتل 25 شخصاً، 13 يناير 2025 (تايفون كوسكون/ الأناضول)

برونتو يؤكد هنا أنه "من المهم الإقرار بأن موضوع تغير المناخ ربّما يتم استغلاله، أو أن إلقاء اللوم على تغير المناخ في نشوب كل هذه الحرائق الهائلة بات حجة مريحة جداً. لكن في رأيي، هذا النهج ليس مثمراً حقاً لأنه ينفي المسؤولية من الكثير من الجهات أو الأشخاص". وهنا، يقول إنّ "تغيّر المناخ أزمة كبيرة ومخيفة وممتدة، ولن نتمكّن من حلها بين عشية وضحاها. ومع استمرار الملوثين الكبار في أعمالهم، يشعر الناس بالعجز عن فعل أي شيء حيال تغير المناخ. لذا، من المضلل بعض الشيء إلقاء اللوم في أزمة حرائق الغابات على تغير المناخ فقط، وخصوصاً عندما تتوفر عوامل أخرى تساهم في تفاقم المشكلة، مثل الحرق المتعمد، والسياسات المفرطة في قمع الحرائق، وعدم السماح باندلاع حرائق بشكل طبيعي في البيئات التي تعتمد عليها، مثل جنوب كاليفورنيا، وهي بيئة تعتمد على الحرائق (منع الحرائق الطبيعية من الحدوث يؤدي إلى تراكم خطير لما يسمى حمولة الوقود، وهو تراكم كميات كبيرة من الشجيرات الجافة وبقايا الأشجار الميتة في العديد من الغابات)".

وهنا يتطرق إلى نقطة أخرى، مستعرضاً بعض الحرائق الكبرى التي شهدتها البلاد سابقاً، من بينها حريق "كامب فاير"، وهو أحد أسوأ الحرائق في تاريخ كاليفورنيا، والذي أدى إلى إفلاس عدد من الشركات، من بينها شركة باسيفيك للغاز والكهرباء. في هذا الإطار، يشدد على الحاجة إلى دفن خطوط الكهرباء تحت الأرض رغم الكلفة الهائلة.  
من جهة أخرى، هناك الكثير مما يمكن أن يفعله الناس لتجنب النتائج التي نشهدها في لوس أنجليس، منها أن تكون المنازل مصممة بشكل مختلف، أو إدارة الوقود والنباتات في البيئة بطريقة أفضل، أو تحسين التخطيط المكاني. وعند النظر في استراتيجيات الوقاية الفعالة من حرائق الغابات الناتجة من الإهمال أو الحرق العمد أو أسباب بشرية أخرى، يتضح أن معظم هذه المشاكل هي قضايا اجتماعية تحتاج إلى معالجة عبر التوعية العامة. كذلك، ينبغي أن يكون السكان على دراية بالمخاطر، ويحرصوا على تجنب الأنشطة التي قد تؤدي إلى نشوب حرائق، منها التوقف عن إطلاق الألعاب النارية في ظروف جوية معينة. 

المساهمون