حرائق المنازل... الأطفال التونسيون أوّل الضحايا

حرائق المنازل... الأطفال التونسيون أوّل الضحايا

04 يوليو 2021
سلامة الأطفال حق لهم أينما وجدوا (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

يخسر أطفال تونسيون حياتهم في حوادث احتراق تأتي لاغتيال براءتهم في داخل منازلهم، وتحصل في لحظات غفلة لا عودة عنها يرتكبها أولياء أمورهم عن طريق السهو أحياناً أو بسبب سوء في تقدير التصرفات يحصد للأسف أرواحاً بشرية. ففي الثاني من يونيو/ حزيران الماضي، اشتعلت النار في منزل بمنطقة بئر الحفي في سيدي بوزيد بوسط غربي تونس، توفي على أثرها طفل رضيع ونجا شقيقه البالغ من العمر أربعة أعوام. وسبق ذلك في العشرين من مايو/ أيار الماضي، نشوب حريق في منزل بالمدينة العتيقة في المنستير بوسط شرقي البلاد، تسبّب في وفاة فتى في الثالثة عشرة من عمره، متأثراً بإصابته بحروق من الدرجة الثالثة ذات الخطورة الكبيرة من ضمن مقياس من خمس درجات، بالإضافة إلى تعرّضه إلى الاختناق بعدما تنشّق ثاني أكسيد الكربون. إلى جانب ذلك، قضى طفل لم يتجاوز العامَين من عمره حرقاً في منزل عائلته في حيّ جلاص بالزهروني غربيّ العاصمة تونس، فيما أُنقذ شقيقه الأكبر البالغ من العمر ثلاثة أعوام والذي أصيب بحروق في الوجه، علماً أنّ الحادثة وقعت بعدما غادرت الأمّ المنزل وأغلقت بابه بمفتاح، ما يعني أنّها تركتهما "بلا أمل إنقاذهما". 

وليست هذه الحوادث سوى غيض من فيض قصص مؤلمة لأطفال فقدوا حياتهم حرقاً. ويتذكّر التونسيون تحديداً مقتل ثلاثة أطفال في حريق نشب في داخل منزلهم بمنطقة الكلابين في معتمدية قرقنة شرقي البلاد، والذي خلّف لوعة كبيرة في قلوب الأهالي، وصدمة للأمّ التي خرجت من المنزل للتبضّع فعادت لتجد ألسنة اللهب تتصاعد من منزلها، ثمّ رأت أنّ فلذات كبدها فارقوا الحياة اختناقاً.

ومن أجل توعية الأسر بأخطار الحوادث المنزلية، أصدر الديوان الوطني للدفاع المدني في 23 يونيو/ حزيران الماضي تحذيرات ونصائح وتوجيهات عن الأماكن الأكثر خطراً في المنزل، خصوصاً المطبخ الأكثر عرضة للحرائق إذ يحتوي على تجهيزات لإشعال النيران ومواد سريعة الاحتراق. كذلك حذّر الجهاز من الأخطار المرتبطة باستخدام أجهزة الكهرباء وسخانات المياه في الحمامات.

ويأسف المتحدث الرسمي باسم الدفاع المدني في تونس، معز تريعة، في حديث لـ"العربي الجديد" لأنّ "حوادث الحرائق تتكرر في منازل يُفترض أن تكون آمنة، لكنّها تتحوّل إلى بيئة خطرة على الأطفال وتحصد أرواحهم. والسبب الأوّل في ذلك هو الإهمال وغياب ثقافة السلامة، لذا نركّز على أهمية التوعية التي دفعتنا إلى إصدار جملة توصيات للعائلات ونشرها على موقع فيسبوك لتصل إلى أكبر عدد منهم". ويرى تريعة أنّ "أسباب الحرائق المنزلية متعددة. في حالات كثيرة يتسبّب فيها الأولاد أنفسهم ويتضرّرون منها، لذا يجب أن يتنبه أولياء الأمور إلى عدم ترك أسلاك كهرباء مكشوفة وإبعاد أطفالهم عن أماكن الأفران ومواضع المواد القابلة للاشتعال، علماً أنّ غالبية الحوادث تحصل بسبب ترك الأطفال بمفردهم وبلا مراقبة فيلهو بعضهم بإشعال نار تؤدّي إلى حوادث وكوارث ووفيات يكون وقعها كبيراً على العائلة والأطفال. كذلك تندلع حرائق بسبب ترك الأمّ المنزل لقضاء حاجة ملحة مع إبقائها على الفرن مُشعلاً من أجل إنجاز الغذاء في موعده فتحصل المأساة. من هنا يمكن القول إنّ المسؤولية يتحمّلها الأهل بالدرجة الأولى، لأنّه لا يمكن ترك الاطفال من دون مراقبة مهما كان السبب".

الصورة
أولياء الأولاد لا يجب أن يتركوهم بمفردهم (ياسين غيدي/ الأناضول)
أولياء الأولاد لا يجب أن يتركوهم بمفردهم (ياسين قايدي/ الأناضول)

ويوضح تريعة أنّ الأطفال الذين يتعرّضون إلى حوادث احتراق يُنقلون إلى المستشفى، ولا يسلّمون إلى أهلهم إلا بعد نيل إذن من مندوب حماية الطفل وتأكيد طبيعة الحادثة. وفي حال الاشتباه بوجود تقصير وإهمال أو بأنّ الحادثة بفعل فاعل، أي نتيجة عنف أو اعتداء، يُفتح تحقيق في الأمر. والحقيقة أنّه يمكن تجنيب الأطفال هذه الحوادث عبر تعريفهم إلى أيّ شكل من أشكال الإهمال". ويتابع تريعة أنّه "في حوادث الحروق، يجري التنسيق مع المستشفيات لمساعدة الأطفال الذين يتعرّضون إلى تشوّهات، فعمليات التجميل مكلفة في حين أنّ ندوب الحروق قد تخلق تتسبّب في أعراض نفسية لدى الطفل أو تعرّضه إلى حالات تنمّر واعتداء من قبل أقرانه".

من جهته، يقول المندوب العام لحماية الطفولة في تونس، مهيار حمادي، في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ "الحرائق التي تودي بحياة الأطفال نتيجة حوادث منزلية، تتسبّب في وفيات كثيرة"، مشيراً إلى أنّ طفلاً توفي أخيراً بعد اشتعال النيران في منزل بالمنيهلة في تونس العاصمة. ويؤكد حمادي "تكرر الحوادث المنزلية التي تنجم عن الإهمال أو تقصير الوالدَين وترك الأطفال بمفردهم ومن دون مراقبة"، لكنّه لا يستبعد كذلك "ارتباط أخرى بتعرّض الأطفال إلى سوء معاملة أو مواجهتهم خلافات زوجية تجعلهم ضحايا لتلك الخلافات". ويشير حمادي إلى أنّه "في حالات عدّة، يُترك الطفل الأكبر سناً، ويكون في الغالب في السادسة من عمره أو أكبر بقليل، مع أخيه الرضيع لمراقبته، في حين يكون الرضيع مقيّداً بحسب ما تقتضي الثقافة المتوارثة من أجل الحدّ من حركته والحرص على عدم ابتعاده عن المكان المحدد له. وللأسف، فقد ساهمت هذه الطريقة الممنوعة في وفاة رُضّع كثيرين بطرق شنيعة".

في سياق متصل، تشير رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة في تونس، راضية الجربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاتحاد يهتمّ بالتنسيق مع الدفاع المدني في ما يتعلق بتنفيذ حملات توعية لإطلاع الأمّهات على مسؤولياتهنّ وتوعيتهنّ لتفادي وقوع حوادث احتراق تؤذي أطفالهنّ". وتؤكد الجربي أنّ "أخطار تلك الحوادث كبيرة على الأسر، خصوصاً الأطفال غير القادرين على حماية أنفسهم منها". وتشدد الجربي على أنّ "لا بدّ للأسر من أن تتّخذ الاحتياطات المناسبة في داخل البيوت، إذ الأخطار فيها قد لا تقلّ أحياناً عن الأخطار التي تُسجَّل في خارجها، على سبيل المثال تلك التي نجدها في الطرقات". تضيف الجربي أنّ "هذا العمل الاجتماعي يتطلب نفساً طويلاً لأنّ إدخال سلوك جديد ليس أمراً سهلاً، في حين أنّ الإرادة موجودة من أجل توعية الأمّهات ودعوتهنّ إلى الانتباه وحماية أبنائهنّ وتجنّب كلّ أشكال التقصير والإهمال المحتملة".

المساهمون