حرائق إسرائيل... إهمال حكومي يخمد "شعلة الاستقلال"

02 مايو 2025
خلال العمل على إطفاء الحرائق، 1 مايو 2025 (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت إسرائيل حرائق هائلة في جبال القدس، مما أثار جدلاً حول جاهزية فرق الإطفاء والإنقاذ والموازنات المخصصة لها، واستدعت المساعدة الدولية لإخماد الحرائق التي تسببت في خسائر فادحة وإجلاء 10 آلاف شخص.
- تسببت الحرائق في أضرار كبيرة للمحميات الطبيعية والغابات، مثل "متنزه كندا"، وقدرت الأضرار بمئات ملايين الشواكل، مما يشكل عبئاً على ميزانية الدولة، وسط انتقادات لعدم اتخاذ الحكومة الإجراءات اللازمة.
- استجابت دول أوروبية لنداء المساعدة، لكن بعض الطائرات الإسرائيلية لم تُفعّل بسبب خلافات سياسية، مما قد يفتح باب الاتهامات بين المسؤولين لتجاهل تحذيرات الخبراء بشأن الكوارث المناخية.

تشهد إسرائيل حرائق عُدّت من الأكبر حتى اليوم، وسط تجاهل حكومي لتحذيرات الخبراء في ظل تغير المناخ، بالإضافة إلى النقص الكبير في رجال الإطفاء

أعادت الحرائق الهائلة المشتعلة خلال اليومين الماضيين في جبال القدس، الجدل في دولة الاحتلال الإسرائيلي بشأن إمكانيات فرق الإطفاء والإنقاذ والموازنات المخصصة لها، ومدى الجهوزية لحالات الطوارئ المتعلقة بتغير المناخ، خصوصاً بعد شتاء جاف. ودفع ما سبق إسرائيل إلى الاستنجاد بعدة دول، لإرسال طائرات تساعدها في إخماد الحرائق التي اتّسعت رقعتها سريعاً في يومها الأول (أول من أمس الأربعاء)، قبل بدء السيطرة التدريجية عليها، أمس الخميس، مخلّفة خسائر فادحة في الأماكن التي طاولتها، في أحد أكبر الحرائق التي عرفتها دولة الاحتلال منذ إقامتها.
باغتت الحرائق إسرائيل في يوم كانت تحيي فيه ذكرى قتلى معاركها، وتستعد مساء لبدء احتفالات ما تسميه "يوم الاستقلال" (الخميس)، أي يوم إقامتها على حساب الشعب الفلسطيني ونكبته. وتسببت ألسنة اللهب التي كانت تتمدد بإلغاء مراسم "شعلة الاستقلال" واستبدالها بفقرات مسجّلة، كما ألغى الكثير من البلديات والمجالس المحلية والإقليمية فعالياته لعدم توفّر فرق الإطفاء التي تصب جهودها بكامل طاقتها في جبال القدس، مستعينة أيضاً بوحدات من جيش الاحتلال الإسرائيلي والشرطة.  كما غادر عدد كبير من السائقين مركباتهم على شارع رقم 1 المؤدي إلى القدس ومنها، وابتعدوا عن المكان خوفاً من النار.

إخلاء 10 آلاف شخص 

مع توسّع رقعة الحرائق، أجلي حوالي 10 آلاف شخص من نحو 11 مستوطنة في محيط القدس المحتلة، وسُمح لاحقاً لمعظمهم بالعودة إلى منازلهم. كما منعت السلطات الإسرائيلية الوصول إلى العديد من الأحراش والحدائق العامة في المنطقة، التي تضررت مساحات كبيرة منها بشكل بالغ، ومنها ما احترق كلياً، على غرار "بارك كندا". وبحسب التقديرات الأولية الصادرة عن الصندوق القومي لإسرائيل (الكيرن كاييمت)، فإن النيران أتت في اليوم الأول على نحو 20 ألف دونم. ووصفت مسؤولة في الصندوق تُدعى عنات غولد، ما جرى بأنه "حدثٌ غير مسبوق. يُعدّ هذا أحد أكبر الحرائق في البلاد"، مشيرةً إلى أن نصف المناطق التي اشتعلت فيها النيران كانت مناطق غابات، بما في ذلك "متنزه كندا" وغابة إشتاؤول. وعلى مستوى الإصابات، نُقل عدة أشخاص إلى المستشفيات الإسرائيلية، بسبب استنشاق الدخان أو حروق طفيفة، أو تلقوا علاجاً في المكان، بينهم ما لا يقل عن 17 إطفائياً ورجل إنقاذ تلقوا العلاج ميدانياً، فيما نقل اثنان منهم إلى المستشفى.
وسارعت بعض الأوساط اليمينية، ومن دون دليل، إلى اعتبار الحريق حدثاً مفتعلاً، في وقت تتواصل فيه التحقيقات الإسرائيلية، التي يشارك فيها جهاز الأمن العام (الشاباك) أيضاً. واندلع الحريق في نفس المكان الذي اندلع فيه حريق الأسبوع الماضي، أي في غابة إشتاؤول، ما يرجّح حدوث اشتعال جديد ساهمت فيه الأحوال الجوية الجافة والرياح القوية. وتقدّر مصادر أمنية أنه من السابق لأوانه الجزم بأن خلفية الحريق هي دوافع قومية.

عدم الإصغاء للتحذيرات

قبل خمسة أيام من اندلاع الحرائق، حذّرت هيئة الأرصاد الجوية الاسرائيلية من أن يوم ذكرى القتلى سيكون شديد الحرارة، محذّرة من خطر انتشار الحرائق في المناطق المفتوحة. وكررت ذلك يوم الثلاثاء الماضي، لكن الفعاليات المتعلقة بالذكرى بقيت على حالها، ولم تجد التحذيرات آذاناً صاغية. وبعد اندلاع الحرائق الهائلة وفي ظلّ رياح عاتية، أُلغي حفل إضاءة "شعلة الاستقلال"، وتبعه إلغاء معظم الفعاليات التي خُطط لها في ذلك المساء.
إلى جانب طائرتي سوبر هيركولز، وطائرة أخرى للمساعدة في مكافحة الحرائق، تعتمد إسرائيل على سرب إلعاد، ويشمل 14 طائرة إطفاء من نوع "إير تراكتور AT-802F"، بالإضافة إلى أربع مروحيات من نوع "كاحل" (إيرباص هليكوبتر H-125 أكورييل)، ومروحيتين من نوع "دوخيفات" (إيرباص هليكوبتر H-145).
مع ذلك، وبسبب الرياح القوية التي شهدتها المنطقة، لم تعمل هذه الطائرات في اليوم الأول. بالإضافة إليها، هناك عشر طائرات إطفاء أخرى تابعة لشركتي "كيم نير" و"تيليم" الخاصتين. لكن هذه الطائرات لم تُفعّل بسبب خلافات سياسية داخلية. ولم يُسمح باستخدام بعضها في مكافحة الحرائق إلا صباح أمس الخميس.

مساعدات أوروبية

أعلنت مجموعة من الدول الأوروبية إرسال مساعدات ملبية النداء الإسرائيلي، منها كرواتيا التي أرسلت طائرة "كاندير CL-415" تابعة لسلاح الجو الكرواتي مع طاقمين. وقررت كل من رومانيا وإيطاليا وإسبانيا إرسال طائرتين، فيما ساهمت فرنسا بطائرة واحدة. وقدمت أوكرانيا دعماً جوياً. كما توجهت إسرائيل بطلبات مساعدة من قبرص وبلغاريا. في المقابل، عرضت السلطة الفلسطينية تقديم المساعدة، إلا أن إسرائيل تجاهلت عرضها. وبدأت طائرات الدول الأوروبية الوصول في اليوم الثاني من الحرائق، بعد السيطرة عليها إلى حد كبير، وساعد في ذلك تراجع سرعة الرياح، وتحول الطقس من جاف وحار ليصبح أكثر برودة، كما ارتفعت نسبة الرطوبة في الجو.

محميات طبيعية وحيوانات

أتت الحرائق أيضاً على محميات طبيعية، ما يعني إلحاق الضرر بعدد كبير من النباتات والأشجار والحيوانات والطيور والحشرات. وأوضح مسؤولون في سلطة الطبيعة والحدائق أن "الثدييات الكبيرة تستطيع الهرب، لكن الزواحف أبطأ من تقدّم النار. للأسف، تضرر العديد من الحيوانات. نحن نتحدث عن تضرر منطقة واسعة، مثل منطقة واحة السلام واللطرون ومحميات احترقت بالكامل عام 2016 واستغرق الأمر سنوات حتى تعافت". وقالت رئيسة الصندوق القومي اليهودي، يفعات عوفيديا-لوسكي: "إنه حدث طارئ على المستوى الوطني. غاباتنا تحترق وأرضنا تشتعل بالتزامن مع يوم استقلالنا، ولكننا موجودون هناك، مع جميع الفرق، وبكل القوة. أطلب من كل واحد وواحدة منكم الالتزام بالتعليمات، وعدم الوصول إلى مناطق الأحراش، ودعونا نحارب النار بأمان وكفاءة. سنعود ونعمل على تنمية الخضرة في إسرائيل معاً".

حرائق إسرائيل، 30 إبريل 2025 (أوري أفيرام/فرانس برس)
سارعت بعض الأوساط اليمينية إلى اعتبار الحريق حدثاً مفتعلاً، 30 إبريل 2025 (أوري أفيرام/فرانس برس)

وتشير تقديرات إسرائيلية أولية، منها لمسؤولين اقتصاديين حكوميين، ومسؤولين سابقين، تعاملوا مع أضرار حرائق كبيرة سابقة في الكرمل وجبال القدس، إلى أن الأضرار الناتجة عن الحريق الحالي قد تصل إلى مئات ملايين الشواكل. ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤول كبير سابق في وزارة المالية، تعامل مع تعويض أضرار الحريق الكبير في الكرمل عام 2010، قوله إن الأضرار الناتجة عن الحريق وتكاليف الإطفاء قد تصل إلى مئات ملايين الشواكل على الأقل، وربما أكثر من مليار شيكل، بناءً على حسابات الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي وقعت في حرائق ضخمة شهدتها البلاد في السابق، مثل الحريق في الكرمل.
ويقدّر خبراء ومسؤولون اقتصاديون كبار أن كلفة خسائر الحريق ستكون باهظة بالنسبة لميزانية الدولة، ويتعين عليها تغطية الأضرار الهائلة التي لحقت بالممتلكات العامة والأراضي والبنية التحتية والطرقات والإضاءة وإعادة تأهيل الغابات والأحراش، بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة لإطفاء الحرائق. مع ذلك، سيتعيّن على الصندوق لتعويض أضرار الطبيعة (كينت)، تعويض الأضرار الكبيرة الناتجة عن الحريق، وخاصة تلك التي لحقت بالمساحات الزراعية الواسعة، وتستمر عواقبها على مدار سنوات طويلة. والجدير بالذكر أن الصندوق لا يغطي الأضرار الهائلة للغابات، وبالتالي ستتم تغطيتها من موازنة الدولة.

من الكرمل إلى القدس

منذ حريق الكرمل عام 2010، والمعروف أيضاً باسم "كارثة الكرمل"، أصبح معروفاً أن قوة الإطفاء في دولة الاحتلال الإسرائيلي صغيرة جداً. وذكر مراقب الدولة في تقرير سابق أن هناك حاجة إلى 1400 إطفائي إضافي. وكان الحريق المذكور قد أدى إلى مقتل 44 شخصاً، وإجلاء نحو 17 ألف شخص من منازلهم، كما تسبب في احتراق نحو 25 ألف دونم من مساحة الأحراش الطبيعية التي تضم ملايين الأشجار.
وقبل نحو شهرين، توجه منتدى المناخ الإسرائيلي إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ودعا إلى عقد اجتماع عاجل للاستعداد للصيف المقبل، محذراً بشكل خاص من الحرائق، إلا أن نتنياهو تجاهل هذه الدعوة. وقال النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي ورئيس منتدى المناخ، دوف حنين: "هذه المرة شددنا على الموضوع، لكن رغم كل طلبات التذكير التي أرسلناها حتى اليوم، لم يكلّف رئيس الحكومة نفسه بعقد الاجتماع". 
وقال الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ في مارس/ آذار الماضي: "نواجه كارثة مناخية واضحة. إذا لم تتحرك إسرائيل الآن، فسوف نواجه في الصيف المقبل كارثة حرائق ومشاكل مناخية فظيعة وغير مسبوقة". وكان من المفترض أن يحسّن قانون المناخ، المطروح على طاولة الكنيست، استعداد إسرائيل للحرائق. لكن بسبب معارضة وزارتي المالية والطاقة، وعدم اكتراث رئيس الحكومة، فإن القانون معطل في الكنيست منذ سنتين. ويشي هذا بأن الحريق الحالي قد يفتح باب الاتهامات بين المسؤولين الإسرائيليين على مصراعيه.

المساهمون