حديقة غوركي ... رمز التغيير وشاهد على انهيار الاتحاد السوفييتي
استمع إلى الملخص
- أصبحت رمزاً للتغيير والانفتاح في الثمانينيات، حيث عززت أغاني فيكتور تسوي وفرقة "سكوربيونز" من مكانتها الثقافية، وكانت موقعاً لأول برج للقفز بالمظلة في العالم.
- توسعت في 2013 و2015 لتشمل مرتفعات "فوروبيوفي غوري" وحديقة "موزيون"، وتستقطب حوالي 40 ألف زائر يومياً، مقدمة أنشطة متنوعة مثل النوافير الراقصة وحفلات الرقص.
"أتابع نهر موسكفا، وصولاً إلى حديقة غوركي، منصتاً إلى رياح التغيير". بهذه الكلمات تبدأ فرقة الروك الألمانية "سكوربيونز" أغنيتها الأسطورية "رياح التغيير" التي يعود تاريخها إلى صيف عام 1989، حين حضرت الفرقة إلى الاتحاد السوفييتي للمشاركة في مهرجان موسكو الدولي للسلام، وسط حالة من الانفتاح على العالم كانت تعيشها البلاد بعد إطلاق آخر زعمائها، ميخائيل غورباتشوف، برنامج إصلاحات "بيريسترويكا".
ويقارب عمر الحديقة التي يقصدها الآلاف يومياً قرنا من الزمن، إذ تعود فكرة إنشائها إلى عام 1923، حين أقيم في موقعها الحالي "معرض عموم روسيا للصناعة"، والذي شمل إقامة أنشطة ترفيهية وألعاب للأطفال، لتظهر فكرة تحويل المكان إلى حديقة عامة، بينما افتتحت رسمياً في عام 1928، وهي تحمل منذ عام 1932 اسم الروائي السوفييتي الشهير مكسيم غوركي (1868- 1936)، والذي تبنى في أعماله الأيديولوجيا الشيوعية.
وعلى مدار تاريخها، أشرف على تصميم الحديقة مهندسون معماريون بارزون، من بينهم إل ليسيتزكي، وألكسندر فلاسوف، فيما صمم المعماري غيورغي شوكو، البوابة الرئيسية الحالية التي أنشئت في عام 1955، مع انطلاق أعمال واسعة لإعادة تصميم الحديقة.
ونظرا لمكانتها الكبيرة بين سكان موسكو، وفي روسيا عموماًَ، نالت حديقة غوركي حصتها من الفن السوفييتي، إذ شهدت تصوير بعض مشاهد فيلم "البجع الطائر" (1957) للمخرج الراحل ميخائيل كالاتوزوف، والذي شكل حينها، صيغة جديدة في طريقة تناول أحداث الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بعيداً عن جبهات القتال، إلى جوار جسر القرم المتاخم للحديقة.
وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، في نهايات الحقبة السوفييتية، تحولت حديقة غوركي إلى رمز للتغيير. ويقول مدير مكتب راديوس للرحلات في موسكو، أنطون لاتينين، إن أداء رائد الروك الروسي الراحل، فيكتور تسوي، أغنيته الشهيرة "التغيير" في الحديقة عزز مكانتها بما هي رمز لمواكبة التغييرات العالمية، مقراً في الوقت نفسه بأن أغنية "سكوربيونز" أكسبت الحديقة شهرة على مستوى العالم.
ويوضح لاتينين لـ"العربي الجديد": "شكلت حديقة غوركي في وقت تأسيسها ثورة في مجال الحدائق العامة، إذ ضمت الكثير من المعالم، مثل أول برج للقفز بالمظلة في العالم، والذي افتتح في الثلاثينيات، وأثارت انبهار السوفييت والأجانب كونها شكلت رسالة تفاؤل مفادها أن الغد سيكون مشرقاً، وهو ما كانت القيادة السوفييتية تسعى للترويج له، لتبدأ إنشاء حدائق عصرية بمقاييس ذلك الزمن في مختلف المدن السوفييتية".
ومنذ عام 1993، اعتاد رواد الحديقة رؤية نموذج للمكوك الفضائي السوفييتي بوران، أو العاصمة الثلجية، بحجمه الحقيقي، منصوباً على ضفاف نهر موسكفا، قبل أن يتم نقله إلى الجناح الخاص بالفضاء في "معرض إنجازات الاقتصاد الوطني" في عام 2014. علما أن المكوك هو مركبة فضائية للاستخدام المتعدد شكلت ذروة إنجازات قطاع الفضاء السوفييتي بتنفيذها رحلة إلى الفضاء وعودتها بنظام أوتوماتيكي إلى الأرض في عام 1988.
وفي عام 2013، جرى توسيع حديقة غوركي عبر ضم أرض مرتفعات "فوروبيوفي غوري" المتاخمة للمبنى الرئيسي لجامعة موسكو الحكومية ذات الإطلالة البانورامية على وسط العاصمة، وفي عام 2015، تم توسيع الحديقة مرة أخرى، لتشمل حديقة الفنون "موزيون" الواقعة على الجانب الآخر من جسر القرم، وهي عبارة عن متحف فريد من نوعه في الهواء الطلق مخصص للمنحوتات. لترتفع المساحة الإجمالية للحديقة إلى 212 هكتاراً، ما جعلها مقصداً لمحبي السير على الأقدام لمسافات طويلة.
وخلال فصل الصيف من كل عام، تتحول حديقة غوركي إلى مقصد لسكان موسكو وضيوفها للاستراحة أمام النوافير بعيداً عن تلوث الهواء وضجيج السيارات، مع الاستمتاع بمشاهدة النوافير الراقصة والألعاب الضوئية في ساعات المساء، أو التجول على متن قارب القطمران مزدوج البدن في البحيرة الكائنة بوسط الحديقة، وحفلات الرقص اللاتيني، ناهيك عن وجود عشرات المطاعم والمقاهي التي يطل بعضها على نهر موسكفا مباشرة.
ويقدر عدد زوار الحديقة بـ40 ألفاً يومياً في أيام العمل العادية، ونحو 150 ألفاً في أيام العطلات والأعياد الرسمية، وفق البيانات الواردة على الموقع الرسمي للحديقة. وفي منتصف عام 2018، تحولت حديقة غوركي إلى مقصد لمشجعي كرة القدم الذين توافدوا إلى موسكو من عشرات الدول لمتابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم، والذي شاركت فيه أربع دول عربية هي السعودية ومصر وتونس والمغرب.