حجة كورونا... مزيد من اللاإنسانية في سجون مصر

حجة كورونا... مزيد من اللاإنسانية في سجون مصر

05 فبراير 2022
تفتقر السجون المصرية إلى مقومات الصحة الأساسية (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

أكدت مصادر حقوقية مصرية أن عدداً من سجون البلاد بدأت فعلاً في تنفيذ تعميم وزعته وزارة الداخلية على إداراتها لحصر زيارات أهالي المعتقلين فقط بالأفراد الحاصلين على اللقاحات المضادة لكوفيد-19. ونشر محامون حقوقيون صورة لملصق التعميم المطبّق في منطقة سجون برج العرب بالإسكندرية، والذي أورد أنه "يحظر على الزائرين الدخول إلى منطقة سجون برج العرب إلا بعد التأكد من تلقيهم لقاح فيروس كورونا عبر إبراز البطاقة الخاصة بتلقي اللقاح". وطالبوا أهالي السجناء الذين تحددت مواعيد لزياراتهم خلال الأيام والأشهر المقبلة بأن يأخذوا مضمون التعميم في الاعتبار، علماً أن الفترة الأخيرة شهدت مجموعة قيود على زيارات السجناء شملت تقليص مدة بقاء الأهالي في الصالات المخصصة للقاءات، وإبعاد السجناء عن الزائرين نحو ثلاثة أمتار باستخدام أسلاك معدنية، في إجراء تعتبر إدارات مراكز الاعتقال أنه يساهم في تقليل احتمالات تسرّب الفيروس إلى داخل السجون. 

وكانت السلطات تحدثت عن إطلاق حملة لتطعيم السجناء في مصر باللقاحات المضادة لكوفيد-19، من دون أن تعطي رقماً دقيقاً لعددهم. وكل المعلومات التي أتيحت عن توفير لقاحات للسجناء مصدرها الأهالي وتصريحات أدلى بها مسؤولون حكوميون آخرها في مايو/ أيار 2021، حين تحدثوا عن أن قطاع الخدمات الطبية في السجون طعّم 5 آلاف محتجز من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، إضافة إلى 1400 من العاملين في الكوادر الطبية للسجون، وجميع الضباط الذين ينفذون مهمات في إداراتها. لكن تقارير حقوقية رصدت عجز نظام السجون المصري الكامل عن التعامل مع وباء كورونا داخل مراكز الاحتجاز، وعدم اكتراثه بحماية حياة الموقوفين في ظل الانتشار العالمي للوباء.

وكشف إحصاء أجرته منظمة "نحن نسجل" العام الماضي مئات الانتهاكات في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، وارتفاع الوفيات إلى 60 وفاة بينها 27 بسبب الإهمال الطبي، و7 بفيروس كورونا الجديد، و6 بسبب حريق، و4 تحت التعذيب، و3 نتجت من حالات طبيعية، وواحدة بسبب شجار، وأخرى بسبب الغرق بمياه سيول دخلت زنزانة، وواحدة أيضاً بسبب الانتحار.

الصورة
سجون مصر بيئة خصبة لانتشار كورونا (خالد دسوقي/ فرانس برس)
سجون مصر بيئة خصبة لانتشار كورونا (خالد دسوقي/ فرانس برس)

عجز واضح

وتشير تقارير كثيرة إلى أن السجون المصرية تفتقر إلى مقومات الصحة الأساسية التي تشمل الغذاء الجيد والمرافق المناسبة بينها دورات المياه التي تلبي الاحتياجات المطلوبة لعدد السجناء، وكذلك الإضاءة والتهوية، كما تعاني غالبيتها من الاكتظاظ الشديد للمحتجزين داخل أماكن الاحتجاز، ما جعل منظمات حقوقية عدة في مصر تطالب النيابة العامة بفتح تحقيق في وفاة أي معتقل بغض النظر عن سجله الصحي المرتبط بأي مرض يعاني منه.

وفي مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، أورد تقرير نشرته الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أن "أوضاع أماكن الاحتجاز في السجون المصرية غير إنسانية عموماً وفقيرة لدرجة العجز عن التعامل مع أي أزمة صحية، والتسبب حتى في مشاكل صحية طويلة الأمد للمحتجزين. وهذا الأمر لم يظهر فقط مع بداية ظهور فيروس كورونا". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وأشارت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن "أحد الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية للتصدي لفيروس كورونا تمثل في منع المحتجزين التام أو شبه التام من التواصل مع أهاليهم ومحاميهم بحجة حمايتهم من الوباء. وحظرت زيارات الأهالي طوال أشهر أو بالكامل، وربما لمرة واحدة فقط، والتواصل معهم عبر الهاتف أو بعث رسائل إليهم وتلقيها، كما لم تسمح إدارات السجون بزيارة المحامين للمعتقلين، ما أدى إلى شبه انقطاع بينهم، وأوقفت حضور غالبية المحتجزين لجلسات غرفة المشورة بحجج أمنية، في حين وضع القليلون الذين حضروا في قفص زجاجي ولم يسمح لهم بالحديث أو التواصل مع المحامين. 

ووجد تقرير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أن "نظام السجون المصرية عاجز أيضاً عن توفير حقوق حصول المحتجزين على رعاية صحية مناسبة من خلال نظام متماسك قادر على الاستجابة لاحتياجاتهم الطبية في وقت معقول، إذ لا تتوفر في السجون اختصاصات طبية كبيرة، وأطباء مدنيون ذوو خبرات كبيرة في تشخيص الأمراض، فهم تابعون لوزارة الداخلية. كما أن السجون عاجزة في شكل شبه كامل عن الاستجابة لحالات الطوارئ بسبب عدم وجود أطباء مؤهلين للتعامل مع هذه الحالات، وتعقيدات إجراءات النقل إلى مستشفيات في الخارج. أيضاً لا يوجد أدوية كافية في السجون، ويمنع الزائرون من جلب أدوية". 

الصورة
السجون في أبهى حلة من الخارج فقط (خالد دسوقي/ فرانس برس)
السجون في أبهى حلة من الخارج فقط (خالد دسوقي/ فرانس برس)

بيئة خصبة للوباء

وأظهر التقرير أيضاً أن السجون لم تلتزم توصيات منظمة الصحة العالمية على صعيد إجراءات الوقاية من فيروس كورونا الجديد في أماكن الاحتجاز. وأفاد بأنه "بخلاف ادعاء وزارة الداخلية، لم ُتتخذ سياسة متكاملة وفعّالة لتعقيم السجون في شكل مناسب، واكتفت إداراتها باستخدام المياه والكلور، مع عدم القيام بالإجراءات في شكل منتظم أو دائم. وقد اقتصر التعقيم غالباً على المرافق التي يستعملها العاملون في السجون وليس الزنزانات، كما لم تعقم حتى العيادات أحياناً". 

وتابع التقرير: "لم تلتزم إدارات السجون أيضاً توزيع الكمامات على المحتجزين، بل كانت تسرق تلك التي يحضرها الأهالي لذويهم خلال الزيارات. ولم يضع موظفو السجون الكمامات غالباً، مع حصر هذا الأمر أحياناً خلال زيارات الأهالي. وفيما خصصت بعض السجون غرفاً لعزل الموقوفين الجدد، لكن ذلك لم يحصل للمدة المحددة بأسبوعين، في حين خلطت غالبيتها السجناء الجدد بالموجودين. وبطبيعة الحال تعاني سجون مصر من اكتظاظ غير مسبوق جعل تنفيذ إجراءات التباعد الاجتماعي أمراً مستحيلاً، ما زاد الوضع سوءاً، وخلق بيئة خصبة لانتشار فيروس كورونا". 

ورصد التقرير حالات تفشٍّ عديدة لوباء كورونا في السجون المصرية، وتحدث عن "فشل إداراتها بالكامل في تنفيذ إجراءات الحد من انتشاره عبر اكتشاف الحالات، إلا ربما في أوقات نادرة مطلع عام 2020، ولم تهتم بمتابعة الأشخاص الذين يخالطون مصابين، وإجراء فحوص للتأكد من الحالات الموجبة. وبلغ الأمر أحياناً حد إصابة كل المحتجزين في عنابر بالفيروس، نتيجة عدم تنفيذ هذه الإجراءات". أضاف: "بينما وفرت بعض السجون غرف عزل في بداية انتشار الفيروس، لم تلتزم غرف العزل بفصل الحالات المشتبه بها عن تلك المصابة أو المحتمل إصابتها، ما زاد سرعة انتشار الفيروس. وعانى المحتجزون في غرف العزل من أوضاع غير إنسانية، إذ لم تكن غرف العزل مجهّزة جيداً لتلبية احتياجات المرضى، وجرى أحياناً عزل الحالات المشتبه بها في غرف الحبس الانفرادي، ولم يخصص أطباء أو اختصاصيون لمتابعة الحالات المعزولة وتطوّر أعراضها، ولم يقدم لها أدوية غالباً". 

واللافت أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن في تصريحات أدلى بها للتلفزيون الوطني في مناسبة افتتاح أكبر مُجمّع للسجون في البلاد في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن "جميع المواطنين يجب أن يقتنعوا بعدم وجود أي من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، إذ لا يستطيع أي شخص أن يسيء لأي سيدة في الشارع، وهذا يعتبر من حقوق الإنسان". وأضاف: "مؤسسات الدولة تحكم البلاد، وتضم أبناء المجتمع، ويجب الحفاظ على حالة الاستقرار الحالية، في وقت يتحدث أشخاص عكس هذا الاتجاه، ويسعون إلى تحويل كل شيء إلى إساءة". وشدد على أن "الفقر والجهل، وغيرهما من الأمور أدت إلى ممارسات غير أخلاقية مثل التحرش خلال السنوات الماضية، وضبط حركة المجتمع هو مجموعة من الحقوق والواجبات، وتوقيع العقاب ضد كل متجاوز"، معتبراً أن "ما واجهته الدولة المصرية خلال السنوات العشر الماضية غير سهل، ويجب أن نستوعب هذا الأمر".

ويقول أنصار السيسي إن "الخطوات الرامية لتحسين الأوضاع في السجون ورسم السلطات استراتيجية لحقوق الإنسان عبر نشر وثيقة مطولة وتعيين مجلس قومي لحقوق الإنسان ورفع حالة الطوارئ السارية منذ عام 2017، تعكس ثقة مصر المتنامية، وتنفض عن كاهلها خطر التطرف الإسلامي والاضطرابات السياسية". لكن محللين يصفون هذه الخطوات بأنها "تنازلات بسيطة للحيلولة دون تقليص القوى الغربية المساعدات التي تقدمها للاقتصاد المصري والقوات المسلحة".

المساهمون