جورية... مسنة سورية أنهكها الإخفاء القسري لابنيها

إدلب

عامر السيد علي

avata
عامر السيد علي
03 سبتمبر 2024
456465
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **حياة جورية العلي ومعاناتها الصحية والاجتماعية:** تعيش جورية العلي (74 سنة) في خيمة متهالكة بريف إدلب، سورية، وتعاني من أمراض مزمنة وشلل، وتعيش وحيدة مع علب الأدوية الخاصة بها.

- **فقدان الأبناء والمآسي المتتالية:** بدأت معاناة جورية مع الإخفاء القسري لولديها مصطفى وجمعة منذ بداية الثورة السورية عام 2011، وابنها الآخر، محمود، يعاني من اختلالات عصبية مزمنة.

- **حاجز القطيفة والإخفاء القسري:** شكل حاجز القطيفة العسكري كابوساً للسوريين، حيث اعتقل العديد من الأشخاص دون ذنب، ومنهم أبناء جورية، ولا يزال 157,634 شخصاً قيد الاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري منذ مارس 2011.

في خيمة متهالكة ممزقة الجوانب، يُحيط بها الصرف الصحي المكشوف، وتقع في طريق وعر للغاية على تلة غربي مدينة معرة مصرين بريف إدلب شمال غربي سورية، تعيش جورية العلي (74 سنة) وحيدة مع علب الأدوية الخاصة بعلاج أمراضها المزمنة بعدما نالت منها كل جوانب الحياة.
تقضي جورية، المهجرة من قرية التح بريف إدلب الجنوبي، احتياجاتها زحفاً داخل خيمتها التي تصفها بأنها "سجن" بعدما أقعدتها الأمراض وأصيبت بشلل. وقد أجرت العديد من العمليات الجراحية لعينيها، وأصيبت بالوذمة الرئوية، في حين تعاني أيضاً من أمراض القلب والربو والسكر.
وصلت جورية إلى هذه الحالة بعدما تتالت المصائب واحدة تلو أخرى عليها. وبدأت فعلياً بالإخفاء القسري لولديها مصطفى وجمعة مع بداية الثورة والحراك المناهض للنظام السوري عام 2011، ما جعلها تقضي وقتها بالبكاء والحزن والأسى. وتلا ذلك إصابة ابنها محمود بشظية في الرأس إثر غارة جوية لقوات النظام تسببت له في اختلالات عصبية مزمنة.
وكان ابن جورية، مصطفى، اتجه إلى لبنان للعمل، لكنه لم يصل إلى وجهته، واعتقل على حاجز مدينة القطيفة التي تقع شمال دمشق. وبعدما راجعت جورية وزوجة مصطفى عشرات السجون والفروع الأمنية وجدتاه في سجن عدرا بدمشق، والتقتا به مرتين داخل السجن قبل أن يخبرهما مسؤولوه أنه غير موجود ولا يعلمون بمكانه. ومنذ ذلك الوقت لا يزال مصطفى مخفياً قسراً.
بعد فترة قليلة، قرر جمعة، شقيق مصطفى، السفر إلى لبنان للعمل أيضاً، وذلك بسبب تفاقم حدّة الحرب وضيق الحال. وكان يعتقد بأنه يستطيع عبور الحواجز العسكرية والأمنية للنظام السوري لأنه لم يشارك في أي نشاط يخص الثورة السورية، لكنه اعتقل على ذات الحاجز حيث اعتقل شقيقه مصطفى.

تقضي جورية وقتها بالبكاء والحزن والأسى (العربي الجديد)
تقضي جورية وقتها بالبكاء والحزن والأسى (العربي الجديد)

أخفي جمعة قسراً على حاجز القطيفة، ولم يصل أي خبر عنه، ثم انتشرت صور "قيصر"، وشاهدت أمه جورية صورته بين صور الجثث.
و"قيصر" هو الاسم الحركي لعسكري ومصور في الطبابة الشرعية بجهاز الشرطة العسكرية للنظام، ومقره العاصمة دمشق، وكانت مهمته قبل الثورة تقتصر على تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، قبل أن يكلّف بمهمة الذهاب إلى المستشفيات العسكرية للنظام وتصوير جثث قتلى معتقلين لدى النظام، فوثق هذه الصور وخزنها، وجمع نحو 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب حتى منتصف 2013، وهو الموعد الذي قرر فيه "قيصر" الانشقاق عن المؤسسة العسكرية بالتعاون مع منظمات سورية ودولية، وفي حوزته كمّ من الصور شكّلت أكبر دليل لإدانة النظام.
وفي نهاية عام 2019 وقّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، وقضى بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على النظام السوري على خلفية الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري، ومنها الاعتقال والإخفاء القسري والقتل تحت التعذيب. لكن بعد نحو خمس سنوات من صدور القانون، لم يُكشف مصير مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسراً.


تتحدث جورية لـ"العربي الجديد" عن حرقتها على ابنيها، وتقول: "أُخفيا قسراً دون ذنب. أنفجر بالبكاء كلما تذكرتهما، خاصة جمعة الذي أرى صورة جثته أمام عيني كلما تذكرته".
تضيف: "كنت أحلم بانتهاء الحرب السورية والعودة إلى الديار، لكن صورة جثة ولدي جمعة قتلت الحلم والأمل في الحياة".
الآن تعيش جورية وحيدة في خيمتها، وفي جانبها خيمة ابنها محمود المريض. ولا يدخل أحد الخيمة لزيارتها أو الاطمئنان عليها سوى جارتها روز الغجر.
وتقول جورية: "لن يذكرني أحد بعد موتي سوى رفيقتي وجارتي روز التي تقضي يومها في جانبي، وتساعدني في الأعمال اليومية داخل الخيمة. وأنا أتبادل أطراف الحديث معها، ويوجد حالة مشتركة بيننا إذ أُخفي قسراً شقيقها فواز الغجر عند حاجز القطيفة أيضاً".
شكل حاجز القطيفة العسكري كابوس السوريين طوال سنوات، وهو يعرف بأسماء عدة منها "حاجز الموت" و"حاجز الرعب"، و"حاجز الخوف"، يقع على الطريق الدولي شمال العاصمة دمشق بنحو 40 كيلومتراً. ويختلف الحاجز عن باقي الحواجز الأمنية، إذ لا يمكن رشوة القائمين عليه بالمال، كما يختلف بخطورة التهم الموجهة إلى الموقوفين، مثل "إضعاف عزيمة الأمة"، و"التورط بالإرهاب"، و"التخابر مع جهات خارجية".

وأزيل حاجز القطيفة عام 2020 لتفادي حوادث السيارات وتسهيل عبور الطريق الدولي، بحسب ما قال رئيس فرع مرور ريف دمشق العقيد عبد الجواد العوض. لكن كثيرين يقولون إن الحاجز أزيل إثر ممارسة ضغوط دولية على النظام أجبرته أيضاً على إزالة حواجز أخرى في العاصمة، ثم انتشرت حواجز جديدة على الطريق الدولي والعاصمة ومناطق كثيرة تحت سيطرة النظام.

وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير أصدرته في مناسبة اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري: "لا يزال 157 ألفاً و634 شخصاً، بينهم 5274 طفلاً و10221 سيدة قيد الاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري على أيدي أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية منذ مارس/ آذار 2011، وتتحمّل قوات النظام السوري المسؤولية الكبرى عن ضحايا الاعتقال والإخفاء القسري، إذ تشكل نسبة الضحايا لديها 86.7% من إجمالي العدد". ويعتمد هذا الإحصاء معايير توثيق محددة ودقيقة، لكن الواقع يشير إلى أن الأرقام أكبر من ذلك بكثير.

ذات صلة

الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
الصورة
صندوق اقتراع بأحد مراكز التصويت بدمشق، 15 يوليو 2024 (رويترز)

سياسة

انعكست الظروف المعيشية المتردية والأوضاع الأمنية والسياسية التي تعيشها سورية، على انتخابات مجلس الشعب التابع للنظام السوري، التي جرت أمس الاثنين
الصورة
نازح يستعد للعودة إلى سورية من البقاع اللبنانية، 14 مايو 2024 (فرانس برس)

سياسة

كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان اليوم الثلاثاء أن شاباً سورياً توفي في أحد مشافي دمشق إثر تعرضه للتعذيب على يد أجهزة النظام السوري.
المساهمون