جهاز رنين مغناطيسي مجاني وحيد لمرضى الشمال السوري

جهاز رنين مغناطيسي مجاني وحيد لمرضى الشمال السوري

24 ديسمبر 2021
أولوية الدور للحالات "الساخنة" (عمر البم/ Getty)
+ الخط -

 

لا خيار لغالبية مرضى الشمال السوري إلا انتظار الدور الممنوح لهم لإجراء تصوير مجاني بالرنين المغناطيسي في مجمّع "أورينت". ويتوزعون على حالات "ساخنة وباردة" في ظل عدم قدرتهم على إجراء الصور في مراكز خاصة.

انتظرت فاطمة العلي البالغة 43 من العمر شهراً و23 يوماً للخضوع لتصوير طبي على جهاز الرنين المغناطيسي في مدينة إدلب الواقعة شمال غربي سورية، تمهيداً لتشخيص حالتها بعد إصابتها بتشنّجات وآلام متكررة في الرقبة. وكان طبيبها يتوقع معاناتها من انزلاق غضروفي في فقرات الرقبة بسبب عملها في إحدى ورشات الخياطة، وانحنائها لساعات طويلة خلف آلات الخياطة والحبكة والتطريز.

تقول فاطمة لـ"العربي الجديد": "زادت الآلام في رقبتي، لكن القائمين على قسم الأشعة في مجمّع أورينت الطبي للعلاج المجاني في مدينة إدلب صنّفوا حالتي بأنها باردة أو تحتمل الانتظار، فحصلت على دور للتصوير بعد شهر و23 يوماً. وفي الوقت ذاته لم أملك القدرة المالية لمراجعة المراكز الخاصة التي يتراوح ثمن الصورة فيها بين 25 دولاراً و100 دولار".

من جهته، قصد أحمد الخالد مجمّع "أورينت" الطبي ذاته مع ابنته البالغة ستة أعوام والتي كانت تعاني من عجز في الحركة في أطرافها السفلية، فأدخلت قسم الأشعة في اليوم التالي لأن القائمين عليه صنّفوا حالتها بأنها "ساخنة" وتحتاج إلى كشف سريع لتحديد سبب العجز عن الحركة. واكتشف الطبيب أن لديها ورماً، وأرسلت إلى مستشفى في تركيا لتلقي العلاج اللازم.

يقول المدير الإداري لمجمّع "أورينت" الطبي عمار الخطيب لـ"العربي الجديد": "أدخلنا جهاز رنين مغناطيسي إلى إدلب نهاية عام 2018، ونقدم عبره خدمات مجانية لجميع سكان مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام. والجهاز ضروري لكشف الأورام السرطانية، وتحديد مشاكل العمود الفقري والمفاصل وغيرها".

ويشير الخطيب إلى أن المجمّع يستقبل حوالى 25 مريضاً يومياً، ويعمل طاقم قسم الأشعة فيه ضمن قدراته القصوى، ويتقاسم أفراده أوقات العمل على فترتين زمنيتين. وقد تعرّض الجهاز لعطل في وقت سابق، ما أوقف عمله لفترة طويلة بسبب الضغط في استخدامه من الثامنة صباحاً حتى العاشرة ليلاً.

ويوضح الخطيب أن "المجمّع يقسم المرضى إلى حالات غير باردة قد تصل فيها مدة انتظار الدور الممنوح إلى ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وساخنة مخصصة لحالات الإسعاف الضروري التي قد ينتظر المريض دوره فيها بين يوم واحد وأسبوع، مع وجود أفضلية للحالات الحرجة التي تحال من المستشفيات وأطباء الأمراض العصبية، وتلك الخاصة بالعظام".

يضيف الخطيب: "يقصد المجمّع مصابون بأمراض عصبية وأورام والتصلب اللويحي، وآخرون يعانون من مشاكل في فقرات الظهر وإصابات في الأطراف. والطلب الكبير على صور الرنين المغناطيسي سببه الكثافة السكانية، وكون الجهاز هو الوحيد الذي يقدم خدمات مجانية، علماً أن التصوير بالرنين المغناطيسي هو أفضل استقصاء طبي متوفر، ويطلبه الأطباء في كل الاختصاصات، لأنه فعّال وآمن ويحدد المشكلة والمرض بدقة".

الصورة
عمل جهاز الرنين المغناطيسي المجاني في حدّه الأقصى (عمر ألبام/ Getty)
العمل على جهاز الرنين المغناطيسي المجاني في حدّه الأقصى (عمر البم/ Getty)

وفي مدن وبلدات الشمال السوري توجد خمسة أجهزة تصوير بالرنين المغناطيسي كلها في محافظة إدلب، وبينها أربعة في مراكز طبية خاصة، لكن الإقبال ضعيف على خدماتها بسبب عدم قدرة ناس كُثر على دفع تكاليفها التي تصل إلى 100 دولار. 

من جهته، يتحدث الطالب في المعهد الطبي التابعة لجامعة إدلب سليمان الأحمد الذي يتابع حالات عدة في المنطقة لـ"العربي الجديد" عن تنسيقه بين مرضى ومراكز طبية، ويقول: "في معظم الحالات يحال المرضى الذين يحتاجون إلى صور بالرنين المغناطيسي إلى المركز المجاني بسبب سوء الوضع الاقتصادي، إذ يقدّر متوسط دخل العامل بنحو 800 ليرة تركية (50 دولاراً أميركياً)".

يضيف الأحمد: "تضم المنطقة أكثر من 5 ملايين شخص يحتاجون إلى 10 أجهزة رنين مغناطيسي على الأقل بحسب ما تطلبه الكوادر الطبية من السلطات، خصوصاً في ظل صعوبة تنقّل المرضى من مناطق إدلب إلى حلب والرقة والحسكة، وإدخال المرضى إلى مستشفيات في تركيا، باستثناء الأمراض الحرجة والحالات الساخنة".

ويعود تراجع الخدمات الطبية في الشمال السوري إلى طول سنوات الحرب والقصف الجوي والصاروخي للقوات التابعة للنظام السوري والجيش الروسي. وأحصت منظمة الصحة العالمية سابقاً 337 هجوماً على مرافق طبية شمال غربي سورية بين عامي 2016 و2019. وقالت في مارس/ آذار 2020 إن "نصف المنشآت الطبية البالغ عددها 550 في المنطقة بقيت في الخدمة".

وفي تقرير أصدرته لجنة الإنقاذ الدولية "إي آي سي" في مارس/ آذار 2021، لم يسلم العاملون في مجال الرعاية الصحية من الهجمات أيضاً. وقال 68 في المائة منهم إنهم كانوا داخل منشآت صحية تعرضت لهجمات، ما جعلهم يخشون على أنفسهم ويضطر بعضهم إلى وقف العمل".

المساهمون