جنوب لبنان... عودة محفوفة بالمخاطر ومطالبات بالإعمار

01 ديسمبر 2024
دمار هائل طاول جميع بلدات جنوب لبنان (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرضت القرى والبلدات جنوب نهر الليطاني لغارات إسرائيلية منذ 8 أكتوبر 2023، مما أدى إلى تدمير المنازل والبنية التحتية وتهجير السكان. رغم ذلك، عاد العديد من النازحين لتفقد ممتلكاتهم، مطالبين بتأمين متطلبات العودة الآمنة والعيش الكريم.

- يروي السكان العائدون قصصهم عن التمسك بأرضهم رغم الدمار، مثل أبو عبد الله ياسين وأم أحمد طه، مطالبين الجهات المعنية بتقديم الدعم اللازم لمواجهة التحديات.

- تعرضت النبطية لدمار كبير، ومع ذلك، عاد سكانها مصممين على إعادة بناء مدينتهم، مطالبين الحكومة بتوفير الكهرباء والمازوت وإعادة الإعمار.

لم ترحم آلة القتل الإسرائيلية أيّاً من القرى والبلدات اللبنانية الواقعة جنوب نهر الليطاني، والتي تعرضت منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لغارات أفرغتها من سكانها ودمرت الكثير من منازلها.

عاد العديد من النازحين اللبنانيين لتفقد بلداتهم الجنوبية فوجدوها مدمرة من جراء العدوان الإسرائيلي، كما لم يجد الكثير منهم متاجرهم وأرزاقهم، رغم أنهم كانوا يأملون بقاء حوائط المنزل وسقفه كي يؤويهم من برد الشتاء، ومن عذاب النزوح الذي طال أمده، ويطالب هؤلاء حالياً بتأمين متطلبات العودة الآمنة إلى القرى والبلدات الجنوبية، ولا سيما تلك المحاذية للحدود، إضافة إلى تأمين متطلبات العيش الكريم من المياه والكهرباء وخدمات الهاتف، والذي دمرتها الاعتداءات الإسرائيلية.
يقول الخمسيني أبو عبد الله ياسين، ابن بلدة دبين (قضاء مرجعيون) لـ"العربي الجديد": "الاعتداءات الإسرائيلية قضت على الغالي والنفيس، لكننا لم نقنط من رحمة الله، وها قد عدنا، وكلنا أمل بالبقاء. القصف دمر منزلي، لكنه لن يقضي على حلمي بإعادة بناء ما هدمه. سأنصب خيمة تحت شجرة الزيتون التي ما زالت واقفة تتحدى غطرسة العدو في أرضي التي ورثتها عن الأجداد، وتحمل ذكريات الطفولة والشباب. شهدت بلدتنا الكثير من الحروب والاعتداءات الإسرائيلية، وفي كل مرة نعود لنحييها، ونعمّر ما تهدّم فيها، فالأرض لنا، ولن يسلبها أحد منّا".
وفي ليل الأربعاء- الخميس، دخلت وحدات من فوج المغاوير في الجيش اللبناني إلى ثكنة فرنسوا الحاج في جديدة مرجعيون، على أن تنتشر لاحقاً في مختلف مناطق جنوبي نهر الليطاني، ما حفز كثيرين إلى العودة لقراهم. لكن بياناً صدر صباح الخميس، عن المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، طالب سكان بعض قرى جنوب لبنان بعدم العودة إليها "حتى إشعار آخر"، ما أثار قلق كثير ممن عادوا إلى منازلهم، وفضل بعضهم العودة إلى مراكز الإيواء التي كانوا فيها، في حين أصر البعض على البقاء على اعتبار أن وقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ.

يطالب العائدون إلى قرى جنوب لبنان بتأمين متطلبات العودة الآمنة

تحاول أم أحمد طه وزوجها، من بلدة كفر حمام (قضاء حاصبيا)، لملمة ما تبقّى من حاجيات، وإغلاق النوافذ التي تكسّر زجاجها بالنايلون لحماية الأثاث والأغراض المتبقية من الغبار والأمطار. وتقول لـ"العربي الجديد": "هذه العودة المحفوفة بالمخاطر حفزتنا إلى قضاء ليلتنا في المنزل المتضرر رغم الجو الماطر وتدني درجات الحرارة. كانت ليلة قارسة البرودة وممطرة، لكن هذه أرضنا، وهذا بيتنا الذي يدفئنا بالذكريات الجميلة التي عشناها فيه منذ عام 2006، والذي نعود إليه مهما اشتدّت المحن لنعيد إليه الروح والحياة".
تشير أم أحمد إلى ما تعرّض له منزلها ودكانها الذي كان مصدر رزقها الوحيد، وتقول: "لا يوجد ماء ولا كهرباء، والإنترنت ينقطع بين الحين والآخر، وأمضينا ليلة دامسة كون ألواح الطاقة الشمسية تعرضت للقصف الإسرائيلي، وفي الصباح أحضر زوجي النايلون وبعض الأخشاب ليغطي زجاج الشبابيك التي تكسّرت من جراء الغارات التي طاولت المنزل ومحيطه، وأصلحنا بعض ألواح الطاقة الشمسية، على أمل أن تكون الليالي التالية أكثر دفئاً، وأن تهدأ الأحوال لنعيد ترميم ما تصدع من المنزل. للأسف، لا أحد يسأل عن العائدين، ولا توجد مساعدات، ولم نسمع عن أي جهة تتولى المساعدة في إعادة الإعمار".

بدأ أهالي الجنوب العائدين إعادة إعمار بلداتهم (العربي الجديد)
بدأ أهالي الجنوب العائدين إعادة إعمار بلداتهم (العربي الجديد)

ترتفع بلدة كفرشوبا (قضاء حاصبيا) عن سطح البحر ما يزيد عن 1200 متر، والطريق إليها محفوف بالمخاطر، والدخول إليها دونه عقبات بسبب ما خلفته آلة التدمير الإسرائيلية في الطرق الرئيسية والفرعية. رغم ذلك، توافد العديد من أبنائها لتفقد منازلهم وممتلكاتهم.
تلتحف الستينية أم خالد غانم، شالها أثناء جلوسها على كنبة في صالون المنزل الذي ضربته قذيفة مدفعية إسرائيلية اخترقت السقف محدثة أضراراً كبيرة، بينما يتفقد زوجها المكان. وتقول لـ "العربي الجديد": "هذا المنزل كان كل ما نملكه بعد غربة استمرت لنحو أربعين سنة، وبنيناه على أمل أن نمضي بقية عمرنا في بلدتنا بين أهلنا وذكرياتنا التي حملناها طوال فترة غربتنا. نحمد الله أننا بخير، ولم يصب أحدنا بمكروه، فقد غادرنا المنزل قبل قصف البلدة، وكل شيء يمكن تعويضه، وسأعمل مع زوجي على ترميم ما أمكن من جدران المنزل وأثاثه".
تضيف: "نناشد الجهات المعنية سرعة القيام بدورها لمساعدة الناس على مواجهة الطقس البارد، وموسم الثلوج الذي بدأ يلوح بالأفق، خاصة أن بلدتنا تصل فيها سماكة الثلوج إلى نحو المتر، ومن المهم أن تقوم الدولة بمؤازرة الناس، ولا سيما العائدين منهم، عبر تأمين الوسائل اللازمة لصيانة منازلهم المتضررة".

اخترقت قذيفة مدفعية إسرائيلية سقف منزل أم خالد (العربي الجديد)
اخترقت قذيفة مدفعية إسرائيلية سقف منزل أم خالد (العربي الجديد)

توصف مدينة النبطية بأنها أم الغني والفقير على السواء، ويجمع سوقها الذي يقام يوم الاثنين من كل أسبوع، الناس من مختلف القرى والبلدات المحيطة، من جنوب الليطاني إلى شماله، وكل الدروب والطرق تؤدي إليها. لكنها باتت ركاماً فوق ركام، ولم يترك القصف من بيدرها وسوقها وأحيائها العتيقة شيئاً إلا دمّره، رغم ذلك. عاد أبناؤها الذين غادروها قسراً فور إعلان وقف إطلاق النار، مصممين على البقاء فيها، وعلى أنها ستنهض من تحت الركام.
يقول رئيس المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في النبطية، كامل جابر: "لم أترك مدينتي على مدار أشهر من الحرب إلا عندما زادت همجية العدو، وبات القصف يفتك بكل شيء، ما اضطرنا إلى المغادرة للنجاة بأنفسنا. عدت يوم الأربعاء إلى النبطية، وسيعود جميع أهلها رغم حجم الدمار الكبير الذي مُنيت به من جراء هذا العدوان الذي لم يرحم البشر ولا الحجر. دمار هائل خلّفه العدو في كل أنحاء الوطن، من جنوبه إلى بقاعه إلى الضاحية. حجم الدمار كبير في النبطية، وهناك أحياء دمّرت بأكملها، حتى إن البعض لم يعد يعرف مكان بيته. سجلت المدينة أكثر من 120 شهيداً، لكن معظم النازحين عادوا، ويحتاج الناس إلى فترة للملمة الجراح، خصوصاً أنه لا توجد كهرباء ولا شبكة هاتف، والمولدات وشبكات المياه دمرت. رغم كل ذلك، تجد الناس يحاولون إعادة ترميم ما أمكن".
يضيف جابر: "هذا الدمار الكبير يحتاج إلى تحرك سريع من الجهات الحكومية، وأن توعز إلى الجهات المختصة أولاً بإعادة التيار الكهربائي، وتأمين كميات كافية من المازوت اللازم للتدفئة، ويجب أن يستمر الدعم للناس لفترة، خاصة أنهم باتوا بلا مصادر رزق، وعلى الدولة توزيع المازوت الذي وعدت به سابقاً النازحين في مراكز الإيواء على الناس التي عادت إلى منازلها، خاصة من لديهم أضرار جزئية، فكثيرون لا يمكنهم القيام بأعمال التنظيف وإزالة الركام بانتظار لجان الإحصاء، والتي عليها التحرك سريعاً لإنهاء مهامها، إن كان على مستوى مجلس الجنوب، أو على المستوى القومي، كي يبدأ صرف التعويضات بعد إحصاء الأضرار، وعندها يتمكن الناس من بدء إصلاح ما تسبب به العدوان". 

ويوجه جابر التحية إلى فريق العمل البلدي الذي دفع ثمناً غالياً، ويقول: "هؤلاء صمدوا في المدينة من أجل خدمة الناس، وتوفير مقومات الصمود لهم ليبقوا في مدينتهم. جراحنا متعددة، وقد فقدنا الكثير من الأحبة، كما فقدنا سوق النبطية التجاري، ودمرت كثير من البيوت التراثية، لكن بهمة الخيرين والغيورين ستعود النبطية أجمل مما كانت عليه، فنحن نتنشّق هواء النبطية أينما حللْنا، لذلك حتى وإن تركناها قسراً، يشدّنا الشوق إلى ترابها، كما كل اللبنانيين عند الاغتراب". 
طاولت عدة غارات إسرائيلية "حي دقماق" في النبطية، ما سبّب انهيار عدد من المباني، ويقول الثمانيني أبو علي نجيب لـ "العربي الجديد": "طوال أيام النزوح، كان الحنين يأخذني إلى أيام العزّ والطيبة في النبطية، وزحام سوقها، ومناسباتها، في الأتراح والأفراح. النبطية غالية على قلبي، فقد قضيت فيها طفولتي وشبابي، ولدي ذكريات في كل زقاق وشارع. يحترق قلبي على ما أصاب المدينة المحِبّة لأهلها وناسها وجيرانها من القرى المجاورة الذين كانوا يقصدونها للتسوق والتبضّع".
ويشير نجيب: "طوال الأشهر الماضية، كنت أخبر أبنائي أنه ما إن تُعلَن الهدنة فسأعود فوراً، ولن أترك النبطية مرة أخرى، وهذا ما حصل، ورغم الدمار الهائل، ها أنا في ربوعها، وفوق ترابها الذي سيحتضنني يوماً. لم ييأس أهل النبطية رغم كل الحروب التي مرت عليهم، وهم في كل مرّة يعودون إليها ليعيدوها إلى الحياة".

المساهمون