استمع إلى الملخص
- الأهالي يعيشون حالة من القلق والتوتر، مع مخاوف من عدم وجود أماكن آمنة للنزوح، خاصة مع تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود اللبنانية مع سوريا.
- بعض السكان يفضلون البقاء في منازلهم رغم المخاطر، بينما يفكر آخرون في الانتقال إلى مناطق قد تكون أكثر أمانًا، مما يثير تساؤلات حول استمرار الاعتداءات.
عاد الاحتلال الإسرائيلي ليقصف مناطق مختلفة من جنوب لبنان مجدّداً، بعد أيام قليلة من استئناف الحرب على قطاع غزة. ومنذ صباح أمس السبت، يعيش اللبنانيون على وقع غارات معادية متتالية في محافظتَي الجنوب والنبطية خلّفت شهداء وجرحى، فيما طاولت ليلاً مدينة صور. وقد وصف أهالي المناطق المستهدفة في جنوب لبنان ما عاشوه بأنّه مشابه لليوم الأوّل من تصعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان في 23 أيلول/سبتمبر 2024، علماً أنّ العدوان كان قد بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تحكي عبير حمدان عن وقع الغارات التي استهدفت مدينة صور حيث تعيش، علماً أنّها من بلدة كفرا في قضاء بنت جبيل التابعة لمحافظة النبطية. وتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّها تتردّد عادة إلى المكان الذي استهدفته الغارة الإسرائيلية في مدينة صور، مضيفة "كنت أتمشّى هناك مع أختي بعد الإفطار ليل الجمعة. لو قرّرنا القيام بهذه الجولة مساء السبت، لكنّا من تعرّضنا لأذى". وتؤكد حمدان أنّ "ما عشناه (السبت) كان صعباً جداً وأرهقنا"، مبيّنةً أنّه "أعاد إلى ذهني النزوح" الذي سبق أن خبرته في الحرب الأخيرة التي بدأت على جنوب لبنان، ثمّ تمدّدت، قبل أن تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وتتابع حمدان: "بدأت أفكّر بأنّ لا مكان آمناً للنزوح، في الوقت الراهن. ففي خلال الحرب الأخيرة، نزحنا إلى منطقة شمال لبنان، لكنّها اليوم غير آمنة بسبب الأحداث على الحدود اللبنانية مع سورية".
وتقرّ حمدان بأنّ "الزمن توقّف بي ولا قدرة لي على التفكير"، فهي تتحضّر لاستقبال ابنتها التي تزور لبنان مع عائلتها لقضاء إجازة عيد الفطر فيه. وينتابها قلقة من احتمال عدول ابنتها عن السفر إلى لبنان، في حال ساءت الأمور. وتكمل أن ثمّة "100 سؤال في رأسي. في حال أتت ابنتي وأولادها، هل سيكونون في خطر؟ وهل سيتوفّر مكان آمن لهم؟"، لافتةً إلى أنّ "القصف أرجع إليّ التوتر والخوف".
من بلدة السكسكية الواقعة في قضاء صيدا بمحافظة الجنوب، التي تُعَدّ في قرى ساحل الزهراني، تقول الشابة فاطمة سبليني لـ"العربي الجديد" إنّ منذ صباح أمس السبت، "رحنا نتابع المستجدّات وما تورده المواقع الإخبارية، على وقع الغارات الإسرائيلية، فيما هدير الطيران لم يتوقّف منذ الصباح". وتلفت سبليني إلى أنّها لم تفكّر مع عائلتها بالنزوح ولا بتجهيز حقائب ثياب في حال اضطروا إلى ترك البلدة، مضيفةً أنّ "عند تصاعد الاعتداءات في الحرب الأخيرة، واجهنا صعوبات كثيرة عندما خرجنا من البلدة ورحنا نبحث عن منزل في منطقة آمنة".
وتتساءل سبليني عن "إمكانية استقبالنا من جديد في المناطق التي سبق أن نزحنا إليها"، مشيرةً إلى أنّ "من الأفضل ربّما البقاء في بلدتنا". وتتابع أنّ "عدداً من أفراد العائلة الكبيرة جهّزوا أنفسهم للخروج من البلدة، لكنّنا حاولنا طمأنتهم ومنعهم من التحرّك ليلاً على الطرقات"، مؤكدةً "بالفعل عشنا حالة من القلق والتوتّر". وتكمل الشابة الجنوبية: "لكنّني شخصياً بدأت أتأقلم مع هدير الطيران والغارات التي نسمعها يومياً"، لافتةً إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يحاول "جرّنا إلى الحرب وترهيبنا".
بدورهم، عاش أهالي قرى إقليم التفاح التابع لمحافظة النبطية على وقع الغارات الإسرائيلية، التي استهدفت مناطق مختلفة في جنوب لبنان طوال يوم أمس السبت. وتخبر سارة فحص، من بلدة جباع في إقليم التفاح، "العربي الجديد" أنّه "بمجرّد تجدّد القصف الإسرائيلي، عادت إلينا ذكريات الحرب وما تعرّضنا له. وعاد الخوف ليتملّكنا، ورحنا نشعر بأنّنا في دائرة الخطر وسط هدير للطيران". تضيف فحص أنّ "عند توقّف الحرب الأخيرة، كانت الخسائر البشرية والمادية كبيرة، ولست مستعدّة لخسارة مزيد من أقاربي الذين استشهدوا في تلك الحرب ولا لعيش الحزن والتهجير من جديد".
وتلفت فحص إلى أنّ "الشعور هذه المرّة أصعب، لأنّنا سبق أن اختبرنا مثيله"، موضحةً أنّها تخاف من تأثّر طفلها النفسي جرّاء القصف الإسرائيلي. وتتخوّف من "عيش الظروف نفسها خلال البحث عن مكان آمن للنزوح إليه"، فهي لم تنسَ "الاستغلال والمضايقات التي عشتها في الحرب الأخيرة". وإذ تقول إنّ "من الصعب اليوم أن أترك منطقتي وبيتي مرّة أخرى"، تشير إلى أنّ "بعد التجربة السابقة، صار لديّ خيار ثانٍ وهو ملازمة منزلي ومنطقتي". وتقرّ أنّ "كلّ ذلك صعب والمسؤولية كبيرة".
في الإطار نفسه، وسط الغارات الإسرائيلية التي طاولت مناطق مختلفة في جنوب لبنان منذ صباح أمس السبت، بدأت عائلة يوسف سلمان من بلدة كفرحتى في قضاء صيدا التابع لمحافظة الجنوب تفكّر في مخطّط تلجأ إليه في حال تصاعدت حدّة القصف. وتوصّل ربّ العائلة إلى أنّ الأفضل قد يكون التوجّه إلى منزلهم في ضاحية بيروت الجنوبية. ويقول سلمان لـ"العربي الجديد" إنّ "الهدف ممّا يحصل اليوم محو كلّ حياة في جنوب لبنان"، مقدّراً أن "تُستثنى الضاحية الجنوبية من الغارات".
ويُطرَح السؤال حول مدى احتمال أن تبقى الاعتداءات الإسرائيلية المستجدّة محصورة بجنوب لبنان في الأيام المقبلة، لا سيّما أنّ لا أحد تمكّن في يوم من تنبّؤ ما قد تقدم عليه إسرائيل في سياق حروبها واعتداءاتها المختلفة. يُذكر أنّ ضربات من القصف المعادي استهدفت كذلك غرب لبنان، أمس السبت، علماً أنّ الاحتلال خرق اتفاق وقف إطلاق النار مئات المرّات منذ دخوله حيّز التنفيذ في نوفمبر الماضي.