استمع إلى الملخص
- تم تأسيس غرفة عمليات فدرالية للتعامل مع التسرب، لكن نقص مرافق معالجة النفايات في جنوب روسيا يهدد الحياة البحرية والطيور، ويؤثر على قطاعي الصيد والسياحة.
- نفوق حوالي 60 دلفينًا مع تحذيرات من تأثيرات طويلة الأمد على دلفين آزوف، مما يتطلب جهودًا كبيرة لرفع الناقلتين وتنظيف الأعماق.
منذ أكثر من شهر، يُواجه البحر الأسود كارثة بيئية غير مسبوقة، إثر واقعة تسرب المازوت قبالة سواحل إقليم كراسنودار جنوبي روسيا، في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، جرّاء تعرض ناقلتي النفط "فولغونفت 212" و"فولغونفت 239"، اللتين كانتا تنقلان ما مجموعه 9.2 آلاف طن من المازوت، لعواصف أثناء عبورهما مضيق كيرتش (أوروبا الشرقية) الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف.
ولم يقتصر التلوث على المياه بالقرب من إقليم كراسنودار، بل امتد أيضاً إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وسط نفوق عشرات الدلافين وتفاقم المخاطر على البيئة المتنوعة للبحر الأسود، ما دفع المعنيين بحماية البيئة إلى دق ناقوس الخطر، وسط تخاذل السلطات عن اتخاذ الإجراءات اللازمة من شأنها الحد من تداعيات الكارثة.
مخاوف من توسع التلوث
يقرّ رئيس منظمة "الصندوق الأخضر" المعنية بحماية البيئة، أوليغ إيفانوف، بأن الوضع البيئي في البحر الأسود أصبح متدهوراً للغاية، مشيداً في الوقت نفسه بجهود المتطوعين الذين يبذلون قصارى جهودهم لإزالة تداعيات الكارثة. ويقول إيفانوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "أصبح الوضع البيئي في البحر الأسود صعباً للغاية، لا سيما في إقليم كراسنودار. لكن التلوث بات يطاول أيضاً المياه قبالة سواحل القرم. يكمن التحدي الرئيسي في كيفية إتلاف النفايات نظراً لافتقار مناطق جنوب روسيا إلى مصانع المعالجة الحرارية للنفايات الصناعية لاستخدامها كمواد بناء، ما استلزم تأسيس غرفة عمليات ذات مستوى فدرالي للتعامل مع تداعيات الكارثة". ويلفت إلى أن التلوث لا يهدد الكائنات البحرية فحسب، وإنما أيضاً الطيور التي تُجلى إلى مراكز خاصة لتنظيفها من آثار الوقود.
وتمكن أفراد وزارة الطوارئ الروسية والموظفون الحكوميون والمتطوعون يوم الثلاثاء في 14 من يناير/ كانون الثاني الجاري من جمع أكثر من 161 ألف طن من الرمال والتربة الملوثة من شواطئ إقليم كراسنودار، وفق المديرية المحلية لوزارة الطوارئ. ويوم الأحد الماضي (12 يناير الجاري)، جرى تأسيس غرفة العمليات الفدرالية المعنية بإزالة تداعيات تسرب المازوت في البحر الأسود، وتضم ممثلين عن مختلف الوزارات والجهات الفدرالية بتكليف من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي رأى قبل أيام عدة أن ما يتم فعله للحد من تداعيات حادثة الناقلتين "ليس كافياً".
ولا يعفي إيفانوف السلطات من مسؤولية التخاذل عن التعامل السريع مع تداعيات الكارثة، قائلاً: "أظهر المجتمع المدني درجة عالية من الاستعداد لمد يد العون للطبيعة بالمقارنة مع الموظفين الحكوميين. آمل أن تُجري لجنة التحقيق الروسية تحقيقاً موضوعياً في أسباب مثل هذا التخاذل. يجب ألا يمر مثل هذا الإخفاق مرور الكرام من دون أن تترتب عليه إقالة المسؤولين عنه على الأقل".
مخاطر قطاعي الصيد والسياحة
في القرم، يوضح رئيس تحرير موقع "بوليت نافيغاتور" الإخباري، سيرغي ستيبانوف، أن الوضع مع تلوث المياه قبالة سواحل شبه الجزيرة لم يبلغ المرحلة الحرجة كما هو الحال في كراسنودار، محذراً في الوقت نفسه من أن استمرار انتشار بقع المازوت سيهدّد قطاعي صيد الأسماك والسياحة في المنتجعات المحلية.
ويقول ستيبانوف في حديث لـ "العربي الجديد": "لا تشهد القرم نطاق التلوث نفسه كما هو الحال في كراسنودار، لكن رُصد العديد من بقع المازوت، سواء من الجهة الجنوبية أو الغربية للسواحل. بدا للسكان المحليين أولاً أن الكارثة وقعت في موقع بعيد في محيط مدينة أنابا ولن تصل تداعياتها إلينا، لكن حدث ما هو عكس ذلك تماماً، نظراً لسيل التيارات المائية في البحر الأسود بالاتجاه الغربي عكس عقارب الساعة صوب القرم، وربما وصول التلوث إلى مقاطعتي ميكولايف وأوديسا الخاضعتين لسيطرة كييف وليس إلى تركيا أو جورجيا".
يتابع: "رُصد الكثير من بقع المازوت التي تُزال بواسطة أفراد وزارة الطوارئ والمتطوعين الذين أظهروا مسؤولية مدنية من دون أي مقابل مادي، بل حرصاً منهم على الحفاظ على التنوع البيئي وخوفاً عليه. ولا تزال هناك مخاوف من حدوث المزيد من التلوث طالما لم يتم رفع السفينتين الغارقتين". ويلفت إلى أن تداعيات التلوث قد لا تقتصر على الجوانب البيئية، قائلاً: "ليس من المستبعد أن يطول أمد الكارثة البيئية حتى بدء الموسم السياحي الصيفي، ما سيزيد من الخلفية السلبية أصلاً بسبب توقف حركة الطيران وعمليات القصف الأوكرانية. كذلك ستتعرض القرم لضربة اقتصادية أخرى في حال تسمم الثروة السمكية وخروج علماء البيئة بنتيجة مفادها بأن الأسماك لم تعد آمنة للاستهلاك البشري".
ويرى ستيبانوف أن المهمة الرئيسية الآن هي منع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل، لافتاً إلى أن هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها التي تحدث في مضيق كيرتش. ويسأل: "إذا كانت الناقلتان الغارقتان قديمتين وتعودان إلى عصر الاتحاد السوفييتي وبحالة متهالكة، فكيف سُمح بإبحارهما في مثل هذه الظروف الجوية القاسية؟".
بدوره، يشير الخبير الصناعي ليونيد خازانوف إلى أن واقعة 15 ديسمبر قد تعود إلى تقادم الناقلتين، قائلاً في تعليق لـ"العربي الجديد": "تنجم مثل هذه الحوادث إما عن أخطاء في الملاحة، وإما تشغيل ناقلات غير قادرة على تحمل العواصف الشديدة. الناقلتان الغارقتان قد تجاوزتا العمر الافتراضي لمثل هذه السفن. في أغلب الأحيان، تقع المسؤولية على عاتق الشركة المالكة أو القبطان، على أن يحدد القضاء كيفية المساءلة".
دلافين البحر الأسود في خطر
تشير أرقام مركز ديلفا المعني بحماية الدلافين إلى نفوق نحو 60 دلفيناً منذ وقوع حادثة تسرب المازوت. ويحذر المشرف العلمي في صندوق حماية الحيتان، فلاديمير لاتكا، من أن مصيراً مماثلاً قد يطاول آلاف الدلافين خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة ما لم تُعالج تداعيات الكارثة على وجه السرعة. ويقول في حديث لـ "العربي الجديد": "لا يزال الوضع كارثياً إلى حد كبير، إذ إن درجة حرارة المياه في الموسم الحالي تتراوح ما بين 4 و8 درجات مئوية. لذلك، لا يصعد المازوت إلى سطح الماء بل يهبط إلى قاع البحر، ما يشكل خطراً على الأسماك، وبصفة خاصة الدلافين، ما يعني أن تداعيات التلوث عليها قد تمتد لما لا يقل عن 20 عاماً كما أظهرت تجربة تسرب النفط في خليج المكسيك قبالة السواحل الأميركية عام 2010".
ويتوقع أن يكون دلفين آزوف، المعروف أيضاً باسم "خنزير البحر الأسود"، في طليعة الكائنات البحرية المتضررة جراء التلوث، قائلاً: "قد يتراجع تعداد هذا النوع في بحر آزوف وشرق البحر الأسود كثيراً، إذ بات واضحاً أن آلاف الدلافين وخنازير البحر ستنفق جراء التسمم خلال الأشهر والسنوات المقبلة من دون أن يصل الأمر في الوقت نفسه إلى نشوب خطر انقراض هذه الكائنات". ويخلص إلى أن "نطاق الكارثة لن يتضح بشكل كامل إلا بعد إجراء عمليات رفع الناقلتين وشفط المازوت وتنظيف الأعماق".
ويعيش "خنزير البحر الأسود" في المياه القريبة من شواطئ البحر الأسود في الموسم الشتوي، وبحري آزوف ومرمرة في الفترات الدافئة من العام، وهناك حالات نادرة لرصد وجوده في بحر إيجه ونهري الدانوب والدون. وهذا النوع من الدلافين مدرج في روسيا على "الكتاب الأحمر" للكائنات المهددة بالانقراض.
يذكر أن مياه البحر الأسود تتميز ببيئة فريدة من نوعها، نظراً لكون نسبة الأملاح فيها هي الأقل بين جميع بحار العالم. وتضم الحياة البحرية في مياه البحر الأسود مئات الأنواع من العوالق وآلاف الأنواع من الطحالب، ونحو 200 نوع من الأسماك، وحوالي 2100 نوع من اللافقاريات، وأربعة ثدييات.