جمهورية القلق

08 ابريل 2025
مروحية تلقي الزهور على سوريين محتقلين في إدلب (28/3/2025 فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خلال حكم حافظ الأسد، عُرفت سوريا بـ"مملكة الرعب والصمت"، وتلاشت آمال الإصلاح مع بشار الأسد بعد قمع "ربيع دمشق"، مما أدى إلى ثورة مكلفة انتهت بسقوط النظام.
- ورث السوريون دماراً اقتصادياً واجتماعياً مع مصرف مركزي فارغ وعقوبات دولية، مما زاد من تعقيد الوضع بسبب التنوع الطائفي والإثني والسياسي.
- تتفاقم الأوضاع بسبب الضربات الإسرائيلية والتدخلات الإقليمية، مما يجعل مستقبل سوريا ووحدتها مصدر قلق، خاصة مع تأخر التفاهمات بين الإدارة الجديدة والزعامات الروحية.

على مدار حكم حافظ الأسد، استحقّت سورية بجدارة لقب "مملكة الرعب والصمت" الذي أطلقه المعارض الراحل رياض الترك بعد فترة وجيزة من خروجه من سجن طويل، وبعد وصول بشّار الأسد إلى السلطة.
كان الترك جريئاً بما يكفي لقول ذلك في قلب دمشق في محاضرة له في إحدى منتديات الحوار الوطني التي رافقت "ربيع دمشق"، وتزامنت مع موجة تفاؤل عمّت غالبية السوريين إثر وصول شاب تعلّم في الغرب وصار رئيساً بعد توريثه الحكم. لكن موجة التفاؤل تلك سرعان ما خمدت في أعقاب إغلاق المنتديات واعتقال أبرز رموزها ووأد ظاهرة الربيع تلك.
الرئيس الشاب المتعلم في الغرب ورموز نظامه الذين نجحوا في وأد الربيع المحلي، وكما يعرف الجميع، لم يستطيعوا فعل شيء للربيع العربي في محطته السورية سوى مواجهته بالعنف والدم، وبعد 13 عاماً من الإيغال في هذا الخيار كان حتمياً أن يسقط من اختاره. سقط نظام بشّار الأسد بعد ثورة تكلفتها كانت باهظة جداً ومؤلمة جداً.
بكلّ تأكيد، لن يستيقظ السوريون على نظام جديد ودولة متعافية في صباح اليوم التالي وكأن شيئاً لم يكن، لن يحظوا بذلك لأن المنتصرين ورثوا فقط الدمار والخراب، مصرفاً مركزياً فارغاً، وعقوبات دولية، وشعباً ممزّقاً، لا بل ربما شعوباً سورية.
آلاف من السوريين بدأوا بعد ثلاثة أو أربعة أيام من سقوط النظام يطالبون الطبقة الحاكمة الجديدة بكل شيء، بدأوا يحلمون بكلّ شيء وينتقدون كل شيء، ويُحبطون من أي قرار جديد. كان واضحاً أن هناك جمهوراً متعباً يريد أن يقفز بأقصى سرعة من مستنقع الدولة المتهالكة إلى برّ الدولة المستقرّة، الآمنة، القوية، العادلة، الحديثة، الطبيعية. لكن ذلك كان مجرد أضغاث أحلام فقط، ولنعترف: لقد كانت التركة ثقيلة.
ربما ذلك يفسّرُّ كثيراً من مشاعر القلق والخوف والتوجس التي يعيشها غالبية كبيرة من السوريين اليوم، وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله تنوع المجتمع السوري وتعدّد طوائفه وإثنياته، وتموضعاته السياسية والاجتماعية والثقافية، عندها سندرك كم هي متشعبة مطالب السوريين وأسباب قلقهم. بصراحةٍ، هي تبدأ من خوف جمهور المنتصرين على ثورتهم وعدم التفريط بكل التضحيات، وبالتالي، الدعم الكامل غير المشروط للسلطة الجديدة، مروراً بخوف وقلق بعضهم على هوياتهم الاثنية والطائفية والثقافية الخاصة، وقلق بعضهم الآخر على شكل الدولة وهويتها المستقبلية، وصولاً إلى قلق الناس العاديين على وظائفهم وأعمالهم ومستقبلهم.
تزيد ذلك كله ضربات إسرائيلية بين حين وآخر، وخوف من تدخلات إقليمية، وانتهاكات داخلية، وفوضى سلاح لم تضبط بعد، و"سوشيال ميديا" مليئة بالإشاعات، حتى الإدارة الجديدة ذاتها تواجه انتقادات داخلية وخارجية من هنا وهناك وتنتظر رفعاً للعقوبات الغربية. جعل ذلك كله من السوريين عموماً ضحايا للقلق والتوجس والخوف والانتظار، نحن اليوم مجرد جمهورية قلقة.
وبكل تأكيد، يُضاف إلى ذلك قضية أساسية تتعلق بمصير الكيان السوري وشكله وفيما إذا كان السوريون قادرين على الحفاظ وحدتهم كوطن جامع لكل الطوائف يبقى مبعثاً كبيراً للقلق، التأخّر في الوصول إلى تفاهمات أو اتفاق بين الإدارة الجديدة وبعض الزعامات الروحية والدينية في السويداء، مثل الذي حصل بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي يعتبر أحد أهم بواعث القلق عند كثيرين، وخاصة بعد دخول إسرائيل على هذا الملف وتلويحها بإمكانية التدخل، من دون أن ننسى أن ما جرى في منطقة الساحل السوري من أحداث دامية ومؤلمة سيبقى مبعث قلق وخوف عند فئات واسعة من السوريين.
باختصار، يمكن القول إن مستقبل الكيان السياسي ووحدته الجغرافية وسيادته على جميع أراضيه ومدى جاهزية جميع السوريين، بكل تنوعهم وتناقضاتهم وخلافاتهم، للدفاع عن ذلك، والاتحاد حوله سيبقى أحد أهم أسباب القلق الذي سيرافق مسيرة إعادة بناء الدولة السورية في لحظتها هذه.

المساهمون